رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

قطوف

النهاية

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع.. هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"


 

استيقظت على فراشي فزعةً من شيءٍ لا أعلمُ مصدره، هدوءٌ قاتلٌ من حولي تقطعه همهمات بعيدة كمجموعة من البشر يتهامسون، أعلم أن منزلي فارغ إلا مني، فمن أين أتت تلك الهمهمات؟!
ناديتُ قطتي الصغيرة فلم تُجِب، على عكس بقية الأيام تأتيني حالما أستيقظُ دون نداء، خرجتُ إلى خارج غرفتي، لا شيء غريب سوى الهواء، راكد كبركة ماء آسن، وقطتي تجري نحوي بذعر غير مفهوم، تتسلق ساقي وتقفز بين ذراعي، فأرى فمها قد خِيطَ بخيطٍ أسود غريب، تموء في رأسي كأنني أسمعها تستغيث وتبكي.
- من فعل بك ذلك؟!
أحاول لمس الخيوط لأفكها، فأشعر أنها قد التفَّت على فمها، كأنها وُلِدت دون فم، أعانقها بشفقة وأقرأ آية الكرسي فتصرخ بمواء وحيد ثم تتكلم قائلة:
- شكرًا أمي، ابتعد الآن عني مصدر الشر وتحررت.
أنظر إليها بفزع لأجدها سليمةً دون خيوط، ألقيها على الأرض وأبتعد.
- كيف تتحدثين الآن؟! أستعيذ بالله من الشيطان!
فينطلقُ دخان أحمر نحو باب الخروج ويتلاشى في صمت، أجري نحو الباب أفتحه كي أستغيث، لا شيء غريب بالخارج مما جعلني أغلقه وأصمت قائلةً إنها خيالاتي، أفتح نافذتي فأرى غيمةً كبيرةً رمادية، بل سوداء تقريبًا، تقترب من منزلنا وأحدهم يقول:
- جميع البشر يعلم أنه اقترب، لكنهم لا يصدقون أنفسهم.
أسأله:
- ما الشيء المقترب ذلك؟
يبتسم ويصمت.
الغيمة تقترب أكثر، لا أعلم أهو غروب أم شروق، أقرر إغلاق نافذتي، ومن خلال الشيش المُغلَق أرى رجلين يحملان لوحين من الخشب يدقان به النافذة من الخارج كي لا يدخل منها السوء، وبالطبع لا يخرج أحد، أتعجب منهما لكنني أتيقن أنه يقترب فعلًا.
أسمع همهمات قائلة:
- الجميع يحتاط.
- لا فائدة.
- يقترب سريعًا.
- ما العمل؟!
مما جعلني أتذكر حلمًا ما، حينما شاهدنا نهاية العالم معًا أخبرتَني أن ما زالَ أمامنا وقت، وأن أطمئنَّ لأنكَ معي، الآن أنت لست هنا، فهل انتهى الوقت؟ ومن سيُطمئنني إذًا؟! من سيُهدِّئ من روعي بصوته ويغني لي أغنيةً حالمةً تقول إن كل شيءٍ على ما يرام؟!
هل هي نهاية العالم الآن وأنا أستقبلها وحيدة؟!
- حسنًا لا بأس، وُلدنا جميعًا بمفردنا، وسنموت ونُبعَث ونُحاسَب كذلك، فلا بأس.
أسمع دقات على باب المنزل، أفتح فأجدكَ أمامي مذعورًا تعانقني مطمئنًا متسائلًا عن أحوالي، أخبرك أنَّ العمر يمضي سريعًا وأننا قد أضعنا عديدًا من السنين في نفس الحيرة التي لا طائل منها، عَدَوْنا وراء أحلامٍ ليست لنا، تمنينا أشياءَ لا نفع منها، صنعنا طائرةً لا تطير وسيارةً لا تتحرك على طريقنا غير الممهد المليء بالصدمات، وأنَّ العالم ينتهي الآن، فهلا استفدنا من آخر دقيقة في شيء مفيد أو محبب؟ هلا فعلنا تلك الأشياء التي خشينا تجربتها خوفًا من الفشل والبشر وأحكام القبيلة؟! هلا اخترنا تلك الاختيارات التي لم نجرُؤ على الإشارة لها بلغة صريحة؟! هل نستطيع البوح بما في القلوب الآن دون خوف؟! هلا قضينا ما تبقى من العمر معًا؟ أو هل أستطيع تعلم السباحة وركوب الدراجات وكرة القدم قبل النهاية؟!
تزيح الستائر جانبًا، يسقط شعاع الشمس البسيط المائل إلى التلاشي من بين الغيمة والأخشاب على مقلتي فتدمع، وتنظر أنت من الشرفة الأخرى المطلة على البحر قائلًا لي:
- ما زال هناك وقت، لا تقلقي، نحن معًا.
تدخل الريح كعاصفة صغيرة تقلب الأوراق فتطير على شكل دواماتٍ صغيرةٍ من حولنا، أمسك بورقةٍ لأجد كلمة "النهاية" منقوشةً عليها بالدموع، ألقيها لألتقط أخرى فأجد الفُرقة منقوشةً بين السطور، ينتابني الهلع، أصرخ في وجهك بتعجب، بل العالم ينتهي، فماذا أنت بفاعل؟! العالم ينتهي، أين سنذهب؟!
تخبرني بهدوء مطمئن أن المدَّ لم ينحسر بعد والفيضان لم يأتِ والقارب يطفو بلا توقف أو غرق وأن هناك ألف قصة لم تروِها لي بعد، تدير موسيقى هادئة تخبرني أن كل شيءٍ على ما يرام، وتبدأ بسرد القصص عنا ونحن نرقص بانسجام وهدوء ورضا.
يرتفع المد، يغرق القارب والشرفة والمنزل، وينتهي العالم في هدوء وسلام