«سرُّ السَّحر».. كيف كان النبي ﷺ يقومُ الليل؟ كما ورد في السُّنَّة
تتصدَّر صلاة قيام الليل مظاهر العبودية التي أثنى الله تعالى بها على عباده الصالحين، فقال سبحانه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا … وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}.
ومع إقبال الجمهور على معرفة هيئة تهجُّد رسول الله ﷺ وعدد ركعاته ووقتها وفضائلها، نرصد في السطور التالية خلاصة ما رُوي في السُّنَّة المطهَّرة، مع إبراز الدعاء النبوي الذي كان يفتتح به تهجُّده.
متى كان يبدأ النبي ﷺ قيامه؟
بين قبل منتصف الليل بقليل وبعده بقليل: روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يقوم إذا سمع «الصارخ» (صياح الديك) في النصف الثاني من الليل، وهي أمارة على يقظة السحر وبداية تهجُّدِه.
وكان ﷺ يحب أن يرتاح شطرًا من الليل ثم يقوم؛ فيجمع بين استجمام البدن وصفاء القلب، فيُقبل على ربه بطمأنينة وخشوع.
كيف كان يصلّي قيام الليل؟
ركعتان ركعتان: السنَّة أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى، ثم يُختم بوِترٍ ركعةً واحدة.
إحدى عشرة ركعة: ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنه «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة»؛ يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعًا، ثم يوتر بثلاث.
القيام مع المشقَّة ثم الترخيص: من شدّة إقباله على ربه تتفطّر قدماه؛ حتى قالت له عائشة: «يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟» فقال: «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا». ثم لما كثر لحمه صلّى جالسًا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع؛ تيسيرًا ورحمةً بالأمة.
ما أفضل وقتٍ لقيام الليل؟
الثلث الأخير من الليل هو الأشرف؛ ففيه يتنزّل الربّ سبحانه نزولًا يليق بجلاله، فينادي: «هل من سائلٍ فأُعطيَه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟»، وفيه تُرجى ساعة الإجابة، وتصفو القلوب لذكر علام الغيوب.
ومع ذلك، الفضل مع المواظبة؛ فخير العمل أدومه وإن قلّ. فمن شقَّ عليه آخر الليل، فليُوتر قبل أن ينام حتى لا يُفوِّت الوتر.
فضائل قيام الليل.. لماذا هو «أفضل الصلاة بعد الفريضة»؟
1. سِمة المتقين ووسمُ «عباد الرحمن»: من لازم الليل ساجدًا قائمًا رُجيَ له المقام المحمود ورفعة الدرجات.
2. مظنّة إجابة الدعاء: يُفتح فيها باب الرحمات، ومن ألحَّ على ربه في السحر وجد إلى القَبول سبيلًا.
3. شكرٌ عملي للنعم: القيام عنوانُ الشكر؛ «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا».
4. مغفرةٌ وتمحيص: هو باب من أبواب الخير وغسل الأوزار وتهذيب الأخلاق.
5. أفضل النوافل: قال ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل».
عدد الركعات.. مساحة رحبة من السُّنَّة
الأكمل والأغلب: إحدى عشرة ركعة بوترٍ في الختام.
يجوز الزيادة والنقصان: فالليل عبادةٌ موسَّعة؛ من صلّى ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر فكلٌّ حسن، والمهم تحقيق الخشوع والدوام.
الوتر لا يُترك: ركعةٌ واحدة تُتمّ بها محراب الليل، ووقتها إلى طلوع الفجر.
هيئة الخشوع وآداب النبي ﷺ
الاستفتاح بالسِّواك وتنظيف الفم تعظيمًا للقرآن.
ترتيلٌ وتدبُّر وطولُ قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ، ودموعٌ تناجي الكريم المنّان.
إيقاظُ الأهل بلطفٍ ليشهدوا بركة السحر إن تيسّر.
الدعاء النبوي عند قيام الليل
روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه إذا قام النبي ﷺ من الليل تهجَّد فقال: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ… أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ.
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ؛ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».
هذا الدعاء الجامع مدرسةُ توحيدٍ ويقين؛ يبدأ بالحمد والثناء، ويُجدد العهد بالتسليم والتوكل والإنابة، ويختم بالاعتراف بالتقصير وسؤال المغفرة.
كيف نُحيي سنَّة القيام اليوم؟
ابدأ بالقليل الدائم: ركعتان قبل النوم ثم الوتر؛ ومع الأُنس زد ولا تُثقِل على نفسك.
رتِّب وقتك: من لا يضمن اليقظة آخر الليل فليوتر قبل النوم، ومن وثق بنفسه فالسَّحرُ أولى.
اقرأ ما تيسَّر: من قصار السور إلى طوالها؛ العبرة بحضور القلب.
ادعُ بهذا الدعاء وغيره من أدعية السحر، وأكثر من الاستغفار.
