قطوف
عابر

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

يعبر الخفاش السماء، تدق الساعة بوحشية المكان!
العربات مثقلة بالموتى..
ينزلق ظله على تموج الأرض! ويختفي بصمت عميق!.
كان عابر يجلس على مؤخرته، يضرب كفاً بكف؛ ليتخلص من التراب الذي علق بيديه؛ بعد الانتهاء من حفر القبور!
نحيل كجوزة حلقومه، تتحرك إلى الأعلى والأسفل؛ أما زوجته فكانت تَصُّفُ الغسيل؛ من حائط إلى آخر. تصرخ به:
أيها الغبي ألم تنته من عملك؟ كفاكَ تشرب الهواء بدلاً من النائمين.
أخذت الريح المغلفة بالغبار تدور حول نفسها مسعورة؛ مما جعلهم يأوون إلى بيتهم.
لم يمر الكثير؛ حتى تساقط المطر على القساطل والأرصفة!
قطرات الماء؛ تصفع الملابس الناشفة!
تنظر من شق الباب الخشبي نحو الخارج متأففة!
تعود نحو سريرها الحديدي متمددة!
ألا يكفيني تعبي؟ لا أستطيع أن أجد الراحة أبداً.
تمرر عينيها نحو عابر!
تتنهد منزعجة من شخيره! ثم تقوم بنكزه بكوعها لعله يستيقظ:
هيا يا عابر! انزل للأرض ليخفضوا أصواتهم! وتعال لتدفئني.
ينتشل نفسه من الفراش بغضب!
يقطب حاجبيه غير راضٍ عن خروجه مرة أخرى ليلاً.
يتمتم: امرأة فارغة!
تتحسس بطنها قائلةً بسعادة وَحَيَرَة:
تُرى كيف سيحمل جسدي جسدًا آخر بداخلي؟!
أغمضت عينيها؛ بينما كان هو قد خرج خارجاً يجر وراءه سحارة من تين الصبار!
كان المكان يشبه الحظيرة! ولا يحتاج سوى بضع خطوات للوصول إليه!
الجماجم تلتصق بلا أجنحة تتكئ عليها!
صوت الملاعق يحتك بالحجارة!
رأت في الحلم بأنها تخنقه يوم ولادته بين فخذيها!
تستيقظ مفزوعة، خصل دامية؛ تنسل وتنطفئ في العتمة الزاحفة!
القمر مكفهر والأصوات خافتة!
البغلة في الخارج عرجاء تجلس بثقلها كله!
يتناول الموت مهدئات ليترك جسده قريبا من الوضوح.
يدخل عليها كماءٍ على حجر!
هل تأخرت عليكِ؟
يتساءل وهو يمسح يديه من الوحل بملابسه!
يردد: تعالي لنعود لحياتنا!
كيف تخبره عن الحلم؛ وهي بالكاد تبتلع ريقها من هول ما رأت؟!
يقترب منها؛ ممسكاً بكتفيها مبتسمًا على غير عادته! يهمس بأذنها:
لقد تركتُ قدماي في الخارج؛ يحرسان الأرض. خبز المدينة جاف!
تنفر منه!
أيها الشقي البائس! هناك هم كبير سيحط على رأسنا.
سيأتي العمالقة إلينا ويتخلصون منا!
كان سكان المدينة بقبر جماعي! يلتصقون كجسد واحد! يخيل لك أنك تسمع رنين الحصى من الهدوء بأحشائهم.
قال مرتبكًا: إذن حان موعد مخاضكِ!"
أياديهم تخرج من قضبان الغطاء.
سأصرخ يا عابر! وأفرغ الألم الذي بداخلي، وربما أنجو عكس ما رأيته في ذاك الكابوس!
لا لا إن إنجابك الآن سيجعل من طفلنا حياة لهم!
سنموت جوعاً مثلهم!
توقفي عن اللعب بمصيرنا!
تردد: ستموت أنت؛ وأنا سأنجب طفلاً يكون سيدهم بدلاً منك.
دوّت صرخة عالية! وعم السكون كالموت.
انصفاق أبواب الشبابيك، بارتجاف الصحون؛ يجعل المكان خاويًا!
صفير إبريق الشاي يطغى على أنين البغلة، وخوارها في الخارج!