رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

لفت نظر

تمر اليوم ذكرى رحيل أحد أبرز رجالات السياسة المصرية فى القرن العشرين، الزعيم مصطفى النحاس باشا، الذى لم يكن مجرد رئيس لحزب الوفد أو رئيس وزراء لعدة حكومات فحسب، بل كان شخصية متعددة الأبعاد، جمعت بين الليبرالية السياسية والإيمان الروحى العميق، بين النضال من أجل الحريات والدستور، والتواضع والزهد الذى يلامس روح التصوف.
ولد مصطفى النحاس فى مدينة سمنود بمحافظة الغربية، وتخرج فى مدرسة الحقوق عام 1900، ثم عمل بالمحاماة، قبل أن يبرز اسمه فى الحركة الوطنية بعد انضمامه لحزب الوفد بقيادة الزعيم سعد زغلول. كان من أوائل من نُفوا إلى سيشل مع سعد زغلول عام 1921، وهو ما أكسبه مصداقية وطنية كبيرة.
تولى رئاسة حزب الوفد بعد وفاة سعد زغلول، ليقود الحزب والشعب فى مرحلة حاسمة من النضال ضد الاستعمار البريطانى. وشغل منصب رئيس الوزراء فى مصر لسبع مرات، وكانت له مواقف حاسمة، من بينها إلغاء معاهدة 1936، ورفض تمديد الاحتلال البريطانى، ومطالبته المستمرة باستقلال مصر الكامل ووحدة وادى النيل.
يُعد مصطفى النحاس أحد أبرز رموز الليبرالية فى تاريخ مصر، فقد دافع بإخلاص عن قيم الدستور، وحقوق الإنسان، والتعددية، والتداول السلمى للسلطة. آمن بالحكم النيابى، وبأن الشعب هو مصدر السلطات، ورفض أى استبداد، سواء جاء من الملك أو من الاحتلال أو من الداخل السياسى. وقف إلى جانب العمال والفلاحين، وكان نصيرًا للفقراء.
تحت قيادته، أصبح حزب الوفد حزب الأغلبية الحقيقية، يعبر عن تطلعات المصريين، ويضم مختلف طبقات الشعب. لم يكن النحاس رجل صفقات، بل كان رجل مبادئ، يدفع ثمنها من شعبيته أحيانًا، لكنه لم يبدل ولم يساوم.
ورغم صخب السياسة ومناورات الحكم، احتفظ مصطفى النحاس بروح المتصوف، فكان متواضعًا، زاهدًا فى المظاهر، محبا للخير، دائم الذكر والاستغفار. تأثر بالطرق الصوفية فى بيئته، واحتفظ بعلاقات طيبة مع رجال التصوف، وكان يرى أن السياسة إن لم ترتكز على ضمير أخلاقى وروح نقية، تتحول إلى صراع مصالح لا أكثر.
لم يكن يستخدم الدين وسيلة للدعاية السياسية، بل كان يرى أن الإيمان الشخصى الحقيقى هو ما يهذب النفس ويضبط السلوك. ولذلك لم تفارقه النبرة الهادئة، والابتسامة الوديعة، والكرامة التى عرفها القريب والبعيد.
تعرض النحاس لحصار سياسى فى نهاية عهده، وأُبعد عن الحكم بعد 1952، لكنه لم يفقد احترام الناس، وظل رمزًا للوطنية والديمقراطية. وعندما توفى فى 23 أغسطس 1965، شيعته الجماهير فى جنازة مهيبة، رغم التضييق الرسمى، وكان وداعه وداعًا لآخر رموز الحقبة الدستورية.
فى ذكرى رحيل مصطفى النحاس، نستعيد سيرة رجل نادر فى زمنه، زعيم ليبرالى حمل هم الوطن، ومتصوف فى أعماقه لم تلوثه السلطة. لم يكن ملاكًا لكنه كان صادقا مع نفسه، مخلصا لشعبه، ثابتا على مبادئه. واليوم، نحن أحوج ما نكون إلى استلهام تلك الروح، التى ترى فى الحرية والإيمان طريقا واحدا نحو كرامة الإنسان.

[email protected]