قطوف
مرافئ
من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

تهزّ رأسها فأبادلها التحية
فيها شيء مألوف لا أدري موضعه
لا تبدو ممن تستهويهم كلمات الغزل
وقد أكون دون قصد وأنا أدقّق في اللوحة خلفها
تشابكت نظراتنا..
هذا بوك ستور عموماً، ينتقي جلاسه.
ربما تعرفني أو رأت صورتي على غلاف رواية، لي ثلاث منها على الرف الموازي ليدها اليسرى، أهديتها للمكان.
نساء البساطة لا يسلّمن على رجال لا يعرفنهم، ولا يكون مقعدهن فارغًا من رجل.
هذه امرأة لا تبدو مهزومة، ولا أظن في حياتها هزيمة واحدة حقيقية.
نظراتها الحادة توحي بأنها اعتادت إعطاء الأوامر.
لعلها ناشطة حقوقية تهتم بالبشر في المدن الجائعة
تلك المدن التي تقتات من أحلام قاطنيها.
في تلك المنطقة سفارات لبلدان شتى، حيّ الدقي طوال عمره مختلف.
وملابسها الأنيقة تنفي عنها تهمة التقشف.
قد تكون من المهتمات بالقطط وأرواح الحيوانات الضالة
ربما تملك مأوى يأويهم من البرد.
لابد أن لها قضية، وليس من بينها رجل.
لم تنظر في ساعتها
ولا رمقت أوّل الطريق.
طوت الكتاب الذي كان بين يديها طوال الوقت
وبادلتني التحية من جديد.
هل اهتمامي مفضوح إلى هذا الحد؟
نادَت الفتى
دفعت الحساب
وتبادلت معه كلمات قليلة
تبدو توصية عن القهوة التي شربتها بلا سكر
ربما ملاحظتها عن نوع البن
وكتبت له شيئاً
قد يكون وصفاً لفنجانها القادم
جاءني الفتى بعد خمس عشرة دقيقة بلا نقصان
وأعطاني ورقة مطوية
كُتب فيها بخطّ أنثويّ أنيق:
"حاسبتُ لك على قهوتك
متى صاحبتَ البنّ وصار لك عزيزاً؟
طوال عمرك تكرهه
أعرفك جيداً
كنتَ في لياقة أقل
وصرت، رغم العمر، أكثر بأساً وشغفاً بالحياة
لم تُعطِ نفسك حتى فرصة أن تفتّش عني في قاع ذاكرتك.
وكان اهتمامك بالحكاية هو شاغلك الأكبر
وأنا جالسة هنا أمامك
لأصنع الصدفة وألتقيك
لأنهم أخبروني أن لك ركناً دائماً بڤيلا (مجال)
بعدما رأيت نسخ رواياتك على الرف
أحمل لك تتمّة حكاية قد تُرضي شغفك للكتابة
لكن يبدو أن عطباً أصاب جرأتك أو بصرك
أو قد نكون فعلاً... كبرنا.
لا تُرهق نفسك بالبحث
خسرتُ كيلوغرامات كثيرة عن الفتاة التي قابلتك قديماً
كانت صغيرة لا تُحسن التخطيط
ولن أغفر لك أنك لم تعرفني
وأنا كبيرة
وأعرف عنك ما تجهله عن نفسك
فاشقَ بتساؤلك عن من أكون
وتذكّر جيّداً
أن حكاياتك الناقصة تؤرقك كثيراً
وهذا عقابي لك اليوم
لو رفضتَ كرمي
يمكنك أن تحاسب على القهوة مرتين
فتكرّمني
وتهينني في غيابي"