مراجعات
على مدار أيام ـ مع كل «تريند جديد» ـ انشغل المصريون، أو اُشغلوا، بإحالة عدد من «صُنَّاع المحتوى»، الذين يُطلق عليهم «بلوجرز» أو «تيكتوكرز»، على مِنَصَّة «تيك توك»، للمحاكمة، بتهم تتعلق بترويج الفسق والفجور، ونشر مقاطع خارجة عن الآداب العامة.
ومع تسارع وتيرة الأحداث، أطلق روَّاد «السوشيال ميديا»، حملة بعنوان «خليها تنضف»، رغم انتشار تلك الظاهرة منذ سنوات، ربما إدراكًا متأخرًا بمآلاتها الخطيرة، التي تهدد النسيج المجتمعي والقِيمي، بعد أن تحولت مِنّصَّة «تيك توك» إلى «مجاري صرف إلكترونية»، تفيض وتطفح بالفَضَلات الثقافية والأخلاقية.
اللافت أن الأمر تجاوز مجرد الإسفاف والمحتوى الهابط، ليمتد إلى جرائم أخلاقية وإنسانية صادمة، تتعلق بغسيل الأموال وتجارة الأعضاء، لتمسّ سمعة الوطن، من خلال إشاعة القلق، ونشر الشائعات، وضرب الأمن والاستقرار.
في عالم «تيك توك»، الذي عَمَّق الجهل، ليبدو الوطن كأنه بلا روح، أو مجرد حقل مفتوح للتجارب الفارغة، مع تلاشي القيم الأصيلة التي تحكم الخصوصية والاحترام، لاحظنا لهث بعض الشباب والفتيات والسيدات خلف الشُّهرة السريعة والثراء المفاجئ، لتقديم عروض «ماجنة» و«تافهة»، في «بلَّاعات افتراضية»، طفحت على الكرامة الإنسانية، ونَخَرت في أعماق ثقافتنا وتراثنا وهويتنا.
تلك الظاهرة التي أعتبرها «مجاري رقمية»، تُسمم العقل والروح، لم تكن لتطفح وتتوسع وتنتشر وتُشَوِّه صورة مصر في الداخل والخارج، إلا بالترويج لها، عن جهل، لتحظى بدعم وتأييد البعض، تحت مظلة حرية التعبير والانفتاح، دون إدراك بأن الحرية ليست فوضى، أو تنازلًا عن القِيم والأخلاق المجتمعية الراسخة.
نتصور أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق هؤلاء «الفقاقيع»، أصحاب المحتوى الرخيص، بل تقع على كاهل الدولة والمجتمع معًا، خصوصًا الأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية.. أو كل مؤسسة تُرَبِّي فِكرًا ووجدانًا، ولذلك ينبغي أن نُعيد من جديد، بناء منظومة قِيَمِية حقيقية ترفض استلاب إنسانيتنا، وتُعلي من شأن الإنسان بعقله وروحه.
إذن، نعتقد أن محاربة هذه «البلاعات الرقمية» ليست خيارًا، بل ضرورة حتمية، للحفاظ على روح المجتمع وهويته الأصيلة، وبالتالي لا يمكن أن يُسمح بأن تكون مِنَصَّة «تيك توك» أو غيرها من المنصات الرقمية، مجرد «مجاري صرف ثقافي وأخلاقي»، تُهدَر فيها كرامة الإنسان، وتشويه ممنهَج لسُمعة الوطن.
إن مصر، بتاريخها وثقافتها الأصيلة، نرفض لها أن تكون ساحة عبثٍ للمرتزقة الأدعياء، اللاهثين وراء المال، أو الباحثين عن الشهرة، أو خلف ضوءٍ زائفٍ، على حساب الحياء والقِيم والمبادئ.
أخيرًا.. آن الأوان أن نقف، كمجتمع، صفًا واحدًا، في وجه هذا الانحدار الأخلاقي الذي يُبث بلا رقيب على شاشات هواتفنا، لأن ما يفعله بعض من يُسمَّون أنفسهم «بلوجرز» أو «تيكتوكرز» ليس مجرد محتوى، بل بات سلوكًا مُشينًا ينسف القِيم، ويستفز الذوق العام، ويغتال الوعي الجمعي.
فصل الخطاب:
يقول «المهاتما غاندي»: «الأمة لا يمكن أن تبني مستقبلها إلا على أساس أخلاقها، فإن فقدت القِيم، فقدت معها طريقها».