أسباب كثيرة تدفعنا للجوء إلى "الجهل المتعمد"

يذهب الكثير من الناس إلى اختيار الجهل ببعض الأشياء بشكل طوعي، ولا يُبدي الشخص منهم حرصًا على معرفة بعض التفاصيل أو المعلومات، لأنه يرى ببساطة أن عدم العلم ببعض الأشياء هو السبيل للراحة، خاصة الراحة النفسية والعقلية، كما أنه يُعفي نفسه من عناء التفكير بها، وهو ما يُسميه علماء النفس "الجهل الطوعي" الذي يجنح له كثير من الناس بحثًا عن الراحة.
وبحسب تقرير جديد نشره موقع "بي سايكولوجي توداي"، واطلعت عليه "العربية نت"، فإنه في كثير من الأحيان يكون الجهل أفضل لعقل الإنسان وصحته النفسية، وقد يؤدي قلة المعرفة أحيانًا إلى خيارات أفضل، وراحة بال.
وتشير العديد من الأبحاث النفسية إلى أنه في بعض الأحيان يُمكن للجهل المتعمد أن يحمي صحتك النفسية، ويدعم اتخاذ قرارات أفضل، ويقلل من التحيز اللاواعي.
وبحسب مراجعة حديثة نُشرت في مجلة "الرأي الحالي في علم النفس" بقلم فاث وزملائه فإن "الجهل المتعمد"، الذي هو تجنب متعمد للمعلومات المتاحة، يمكن أن يُخفف التوتر، ويُحسّن الموضوعية لدى الشخص.
و"الجهل المتعمد" أو "الجهل الطوعي" يعني التجنب المتعمد للحقائق، حتى عندما يكون الوصول إليها سهلًا، حيث غالبًا ما يتجاهل الناس تفاصيل معينة لأسباب عاطفية أو اجتماعية أو معرفية.
وخلص تقرير "بي سايكولوجي توداي" إلى أن ثمة جملة من الأسباب وراء هذه الظاهرة، أهمها:
أولًا: لتبرير القرارات الأنانية، حيث يتجنب المدير التنفيذي ذو الدخل المرتفع معرفة كيف تضر تخفيضات الشركات بالعمال، ويتجنب محبو اللحوم مشاهدة مقاطع فيديو عن تربية المواشي، ويتجنب المسافر الدائم قراءة معلومات عن التأثير البيئي للسفر الجوي، وذلك كله لأن المعرفة تجعله يشعر بالذنب وتجعله عرضة للنقد.
ثانيًا: لتجنب الإرهاق الذهني، حيث إن من الأسباب الشائعة الأخرى للجهل المتعمد التعب الذهني، فقد يشعر الناس بالإرهاق من كثرة الخيارات أو لا يعرفون أي التفاصيل أكثر أهمية، ولهذا السبب نتجاهل التفاصيل الدقيقة أو نتخذ قرارات متسرعة، كالاستقرار في شقة غير مثالية، لمجرد إنهاء البحث، كما نبحث عن طريق مختصر لحل سريع، حتى لو أدى ذلك إلى نتائج أسوأ.
ويقول التقرير إن الناس يفترضون عادةً أن المعرفة الزائدة تؤدي إلى خيارات أفضل، لكن في بعض الحالات، قد تُفيد المعرفة الأقل في تحسين الصحة النفسية وجودة القرارات، حيث يؤدي غياب المعرفة إلى تنظيم المشاعر، بينما تُسبب المعلومات الزائدة التوتر بدلًا من الوضوح، وقد يكون تجاهل الحقائق المؤلمة استراتيجية تأقلم قصيرة المدى عندما نشعر أن الحقائق مُرهقة عاطفيًا أو خارجة عن سيطرتنا.
كما أن الجهل المتعمد يؤدي إلى الحد من التحيز، حيث تعتبر "التعمية الذاتية" أسلوبًا فعالًا يُستخدم لدعم اتخاذ قرارات ذكية وغير متحيزة، وهي تتضمن استبعادًا متعمدًا للمعلومات التي قد تُعيق حكم الشخص.
لكن علماء النفس يؤكدون أن "الجهل المتعمد" يُعتبر أمرًا صعبًا، حتى عندما يكون مفيدًا، فحتى عندما يكون للجهل المتعمد فوائد واضحة، يُكافح معظم الناس لممارسته، وهناك قوتان نفسيتان رئيسيتان تُعيقان ذلك: الأولى هي الفضول، والثانية هي الثقة المفرطة حيث يفترض الكثير منا أن زيادة البيانات تُساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل، لكن المعلومات الإضافية في الحقيقة غالبًا ما تُؤدي إلى مزيد من التشويش والتحيز.