دعوة صيدلي مظلوم تتصدر الترند.. هل كانت كلماته جائزة أم فضيحة للميت وأهله؟

أثار تعليق صادم لصيدلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي جدلًا واسعًا بعد دعائه على أستاذه بجامعة طنطا، عقب وفاته بساعات، حيث حَمل تعليقه دعوات قاسية على المتوفي بعدم الرحمة والعذاب والخلود في النار جراء ظلمه خلال مسيرته الأكاديمية، فقال: "اللهم لا تغفر له، اللهم لا ترحمه، اللهم لا تكرم نزله، اللهم لا توسع مدخله، اللهم لا تلقنه حجته، اللهم ضيق عليه قبره، واجعله حفره من حفر النيران"
وأثارت كلماته جدلاً واسعًا بين رواد مواع التواصل اإجتماعي، فرغم تأييد الكثير لدعائه بسبب الظلم الذي يتعرض له الكثير من الطلاب على يد أساتذة الجامعات دون رقيب، وأن الإسلام قد شرع للمظلوم الجهر بالدعاء على من ظلمه، فإن كثيرين اعتبروا الدعاء بهذا الشكل العلني أمام الناس - خاصة بعد الوفاة - أمرًا غير لائق شرعًا وأخلاقيًا، ودعوا إلى التحلي بالرحمة وضبط المشاعر.
القصة التي أثارت الجدل
البداية كانت عندما نشر الدكتور محمد سليمان فهمي، أحد خريجي كلية الصيدلة بجامعة طنطا، تعليقًا طويلًا على خبر وفاة الدكتور عبدالرحيم السيد عبدالرحيم، الأستاذ المتفرغ بالكلية.
جاء في الدعاء كلمات شديدة وقاسية، وجاء في تعليق فهمي: “اللهم إنك تعلم أن لي مظلمة عند عبدك هذا، اللهم إني اشهدك اني لم اسامحه ولن اسامحه، حتى نقف بين يديك فتقتص لي منه، اللهم لا تغفر له، اللهم لا ترحمه، اللهم لا تكرم نزله، اللهم لا توسع مدخله، اللهم لا تلقنه حجته، اللهم ضيق عليه قبره، واجعله حفره من حفر النيران، اللهم إنه استبطا غضبك، ولم يتقيك في، ولم يعمل لك أي حساب، اللهم إنه نسي قدرتك وعظمتك وظلمني، اللهم عامله بعدلك وجبروتك ونيرانك، اللهم إنه أخيرا قد وفد إليك، فعامله بما هو أهله، يا من وعدت ووعدك الحق بنصرة دعوة المظلوم حيث قلت جل شانك: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم”.

دعاء المظلوم في الإسلام.. حق لا يُرد
يؤكد العلماء أن دعاء المظلوم من أعظم الأدعية المستجابة، وهو مذكور في أحاديث صحيحة عديدة، منها ما رواه الإمام أحمد وغيره عن النبي ﷺ أنه قال:"اتقوا دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"(رواه البخاري ومسلم)
وفي رواية أخرى:"دعوة المظلوم تُرفع فوق الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"(رواه الطبراني وحسنه الألباني)، فالشرع أجاز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، لكن العلماء نبهوا إلى أدب الدعاء وحدوده، لا سيما إن كان جهريًا أو عبر وسائل الإعلام أو السوشيال ميديا.
هل يجوز الدعاء على الظالم بعد موته جهرا؟
اختلف العلماء في حكم الدعاء على من ظلمنا بعد موته، خاصة بشكل علني:
الجانب الأول: جواز الدعاء جهراً
فقد ورد في القرآن:«لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» (النساء: 148) ، فلهذا المظلوم – شرعًا – أن يدعو على ظالمه جهراً.
وأكد ابن باز:"المظلوم له أن يدعو على مَن ظلمه ولو جهرة."
الجانب الثاني: الجواز مع الأدب
يرى جمهور العلماء أن الأصل في الدعاء على الميت – وإن كان ظالمًا – أن يكون في السر لا العلن، وأن يُراعى فيه الأدب والرحمة، لأن الموتى أفضوا إلى ما قدموا. وقد قال رسول الله ﷺ:"لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الدعاء على الميت الظالم إذا ثبتت المظلمة بوضوح، ولم يُقتص له في الدنيا، لكن دون تشهير أو أذى لذويه، لأن الدعاء ليس بغرض التشفي وإنما التظلم وطلب العدل من الله.
وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم:"إذا دعا المظلوم على من ظلمه دون تعدٍ، جاز له ذلك، لكن الأفضل له أن يعفو ويحتسب الأجر عند الله."
المجاهرة بالدعاء والدعوة للقصاص الإلهي
المشكلة ليست في أصل الدعاء، بل في الطريقة والمكان، إذ إن المجاهرة بالدعاء على ميت عبر مواقع عامة قد تتحول إلى غيبة أو تشهير، وربما إساءة لأهله أو مَن لا ذنب لهم.
وقد قال الشيخ عبدالعزيز الطريفي:"من حق المظلوم أن يشكو، لكن ليس من حقه أن يفضح إن لم يكن ذلك مصلحة شرعية راجحة، لا سيما بعد موت الظالم."
كذلك أوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، في أحد لقاءاته أن:"الدعاء على من ظلمك جائز، ولكن العفو أولى، والدعاء على الميت لا يكون بالتشهير، فإن الله أعدل الحاكمين، ولن يضيع حق أحد."
العدل الإلهي لا يضيع الحقوق
دعوة المظلوم حق، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا أو شُرِّد ظلمًا، لكن الإسلام يدعو إلى الرفق حتى في الغضب، والعدل حتى في الخصومة، والرحمة حتى عند الانتصار.
والأفضل – كما جاء في سورة فصلت:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...}
فمن دعا على من ظلمه بغير تجاوز، فله الحق، لكن يبقى العفو والتسامح مقامًا أعلى، وذكر المظالم لا يبرر أذى الأحياء وذوي المتوفى. فـإن الله لا يغفل، ولا ينام، والقصاص بين يديه أعدل من أي عدالة بشرية.