ونس الدكة
سيظل الإمام الحسين معلمنا التاريخى الأعظم، فقد كان «جيفارا» عصره و«سبارتاكوس» زمانه، و«مارتن لوثر كينغ» الأحرار من أمة جده نبينا الكريم «محمد عليه الصلاة والسلام».
فحينما قالها الإمام الحسين، مدوية تخترق عنان السماء وتتجاوز الأزمنة والعصور: «هيهات منا الذلة»، اتبعها من بعده الصالحون والأولياء والمعتصمين بحبل الله، القابضون على الجمر من المسلمين يحاربون ما عاهدوا الله عليه من نصرة الدين والأمة، فأصبح الحق الحسينى عقيدة وسيفاً ضد الباطل التتارى والصليبى والمغولى والفرنجى، وصولاً إلى الباطل الصهيونى وحلفائه.
لم يُهزم الإمام الحسين - عليه السلام- فى معركته الشرسة لنصرة البيعة للحاكم المسلم الذى يجىء شورى بين المسلمين أمام جيش يزيد بن معاوية الذى اتخذ الخلافة ملكاً عضودًا عام 61 هجرياً فى صحراء كربلاء بالعراق.
فعلى الرغم من استشهاده هو وعترة آل بيت النبوة المحمدية، فإنه انتصر لكل ما هو حق وخير وعدل فى الإنسان.
ففى الثانى عشر من أكتوبر لعام 680 ميلادية الموافق 60 هجرياً وقعت معركة كربلاء، واستمرت لمدة ثلاثة أيام، أما معركة كربلاء اليوم فى قطاع غزة الفلسطينى، فهى مستمرة منذ السابع من شهر أكتوبر عام 2023.
حيث يربط الباحث الإيرانى «سجاد مرادى كلارده» كلاً من أحداث انتفاضة الإمام الحسين (ع) وعملية طوفان الأقصى فى قطاع غزة المحتل، باعتبارهما نوعاً من التهديد الوجودى: أحدهما تهديد وجودى للمجتمع الإسلامى والسنة النبوية، والآخر تهديد وجودى لأرض فلسطين.
فبحسب تقارير معظم المصادر أنه فى حادثة كربلاء كان عدد الجيش الأموى بقيادة عمر بن سعد حوالى ٤ آلاف فى البداية والتى مع إضافة أقسام أخرى وصل عددها إلى نحو ٣٠ أو ٤٠ ألف نسمة. واختلفت آراء المؤرخين فى عدد أصحاب الإمام الحسين (ع)، فمنهم “الشيخ المفيد” عالم الشيعة الذى ذكر عددهم ٧٢ شخصاً، منهم ٣٢ فارساً و٤٠ راجلاً. لذلك، فى أدنى الأحوال، كانت معادلة المعركة فى كربلاء هى شخص واحد مقابل ٤١٦ شخصاً. وبحسب بيانات غلوبال فاير باور، فإن عدد أفراد الجيش الصهيونى مع القوات الجوية والبحرية يبلغ نحو ٦٣٤ ألف فرد. وفيما يتعلق بعدد قوات المقاومة الفلسطينية، فقد ذكرت معظم المصادر الصهيونية أن عددها يتراوح بين ٣٥ إلى ٤٠ ألفاً. ونتيجة لذلك فإن معادلة معركة الأقصى هى شخص واحد مقابل ١٨ شخصاً فى أدنى الأحوال.
وفى مقاربة تاريخية يقول الباحث الإيرانى «سجاد مرادى كلارده» أنه فى معركة كربلاء يزيد هو رمز الظلم والقسوة، وفى حرب غزة، نتنياهو، رئيس وزراء النظام الصهيونى، هو فى الواقع ممثل يزيد فى حادثة كربلاء. وكثير من أفعال يزيد بن معاوية على يد سفاحه الحجاج بن يوسف الثقفى، مثل استشهاد الإمام الحسين (ع)، وحرق الكعبة وتدنيسها، وقتل أهل المدينة، تقارن مع أفعال السفاح الصهيونى نتنياهو فى قتل أكثر من ٣٨ ألفاً من أهل غزة، واستهداف المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين.
عبدالله بن الحسين بن على بن أبى طالب، المعروف بعبدالله الرضيع أو على الأصغر. هو أصغر قتيل بين قتلى معركة كربلاء، وهو الملاك الذى فتح باب الجنة للأطفال الفلسطينيين شهداء انتفاضة الأقصى الذين لحقوا به بعد قرون عديدة، ليسأل سفاحيهم يوم القيامة بأى ذنب قتلوا؟
فقد قتل عبدالله بن الحسين بن على بن أبى طالب مع والده واخوانه وعمه العباس بن على بن أبى طالب فى يوم عاشوراء وعمره حوالى ستة أشهر فى معركة كربلاء بسهم من حرملة بن كاهل الأسدى الكوفى حسب روايات الشيعة والسنة ودفن فى كربلاء.
ووفقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن أكثر من ١٥ ألف طفل لقوا حتفهم فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى. صرح فيليب لازارينى، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فى أبريل ٢٠٢٤: «إن مقتل هذا العدد من الأطفال فى غزة هو أكثر من جميع الضحايا فى جميع أنحاء العالم فى السنوات الأربع الماضية». الأمر غير مسبوق سواء من حيث الإحصائيات أو مستوى الدمار.
ووفقاً لبيانات الأونروا، فى مايو ٢٠٢٤، اعتباراً من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، يفقد ٣٧ طفلاً أمهاتهم يومياً. كما تواجه أكثر من ١٥٥٫٠٠٠ امرأة حامل أو مرضعة مشاكل حادة فى إمدادات المياه والصرف الصحى. وفى الوقت نفسه، لا يزال عدد كبير من الأمهات وأطفالهن مدفونين تحت الأنقاض.
يكتب الإمام الحسين وصيته الأخيرة إلى أخيه محمد الملقب بمحمد بن الحنفية جاء فيها: أنّى لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فى أُمّة جدّى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن قبلنى بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضى الله بينى وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
اللهم انصر إخواننا فى فلسطين بالحق، واجعل استشهاد الإمام الحسين عترة آل بيت النبوة حقاً ونبراساً وطريقاً لكل حر يدافع عن أرضه وعرضه وولده.