رؤية
كالعادة.. هناك فجوة كبيرة جداً تتسع يوماً بعد يوم بين ما تعيشه الحكومة وما يعانيه المواطن، الحكومة تعمل وتعيش فى وادٍ، والمواطن المطحون يلهث وراء لقمة العيش فى وادٍ آخر، حكومة لا تشعر بمعاناته ولا يشغلها سوى البقاء على الكراسى، أما المواطن فله رب يحميه.
ما حدث أمس الأول على الطريق الإقليمى أمام مركز أشمون بمحافظة المنوفية من كارثة أودت بحياة 18 فتاة والسائق كفيل بإقالة حكومة فى دول تحترم آدمية المواطن، وتعرف قيمة الأرواح التى تزهق لإهمال مسئول مات ضميره ولم يتقِ الله فى تنفيذ العمل الموكل إليه على أكمل وجه، أو شركة لا يهمها سوى تحقيق الأرباح ولو على حساب المواطن وحياته، تلك هى القضية التى أدت إلى مثل هذه الكارثة التى لن تكون الأخيرة طالما انعدمت الضمائر وخربت الذمم.
الحادث وقع والكارثة فجعت قلوب المصريين، إلا الحكومة التى كانت خارج العاصمة الإدارية، لأنها طارت لقضاء «الويك إند» فى العلمين، وما أدراك ما العلمين، حيث القصور الفارهة والحياة المترفة اصطحبوا أسرهم لقضاء أمتع الأوقات هناك، بعيداً عن المواطن وهمومه وشكاواه المستمرة.
الغريب أننا لم نرَ مسئولاً كلف خاطره و«عَصر على نفسه لمونة» ذهب إلى موقع الكارثة ليخفف من وطأتها، بل شاهدها معنا على شاشات التلفاز.
والأغرب، أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى توجه صباح أمس إلى مدينة العاشر من رمضان لافتتاح أول مصنع فى مصر وإفريقيا لشركة ألمانية.
يا رئيس الوزراء.. نحن لسنا ضد أن تضع الدولة التنمية فى مقدمة الأولويات، لكننا مواطنون يجب أن تهتم بنا الحكومة أيضاً، بل فى الدول المتقدمة المواطن هو ركيزة التنمية.
المواطن الذى يفقد حياته فى سبيل لقمة العيش التى تعينه على الحياة بعد أن أصبحت العيشة صعبة على الجميع بفعل بعض القرارات الخاطئة التى تتبعها حكومتك الرشيدة التى تسير عكس تكليفات الرئيس التى تراعى مصلحة المواطن أولاً وأخيراً.
لم يكلف رئيس الوزراء نفسه بالذهاب إلى موقع الحادث أو إرسال وزير من وزرائه، بل مرت الكارثة مرور الكرام ليفاجئنا رئيس الوزراء بوجوده فى العاشر من رمضان لافتتاح مصنع ومستودع!
أعتقد أن شهداء الكفاح ولقمة العيش أولى من المصنع والمستودع، وأن الشهيدات الـ18 وراء كل منهن مأساة، وهؤلاء هن مستقبل مصر، ولنا فى الشهيدة «شيماء» طالبة الهندسة العبرة والعظة، لأنها أوجعت قلوب المصريين الذين قضوا ليلة حزينة ولم ترَ أعينهم النوم!
لكن يبدو أن الكارثة مرت على الحكومة كأنها قضاء وقدر، وأن الجانى هو العنصر البشرى وأن الحكومة بريئة من دم الضحايا، بدليل أن رئيس الوزراء استيقظ مبكراً وطار من العلمين إلى العاشر من رمضان!