رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

محمد محمود.. صمت الجسد ونبض الحلم من "الشموت" إلى ملاعب أوروبا

محمد كريستيانو
محمد كريستيانو

 من بين الحقول الهادئة لقرية الشموت بمحافظة القليوبية، خرجت حكاية لا تشبه غيرها، بطلها شاب لم يعرف الصوت، لكنه تحدث إلى العالم بقدميه، وأثبت أن المعجزات لا تحتاج إلى كلمات.. محمد محمود عبد الرحيم، ذلك الاسم الذي صار عنوانًا للفخر في قريته، لم يولد ليسمع الهتاف، لكنه كبر ليكون الهتاف ذاته، يكتبه بالأهداف، ويحكيه بلغة الصمت التي فهمها الجميع.

 في عالم لا يرحم المختلفين، نشأ محمد فاقدًا للسمع، لكنه لم يفقد الأمل، لم يُقِم جدارًا بينه وبين الحياة، بل كسر جدار الصمت بكرة، وشغف، وحلم لا يعرف المستحيل. وعلى أرضية ترابية، وبين أطفال لا يعرفون حجم ما يحمل، بدأت رحلته الكروية، يداعب الكرة بتلقائية، يُقلّد نجوم العالم دون أن يسمعهم، لكن بعينين تحفظان تفاصيلهم، وجسد يعيدها بشكل مدهش.

 موهبته ظهرت سريعًا، ولفتت الأنظار في نادي السلام ببنها، حتى طرق باب منتخب مصر للصم والبكم، وهناك كانت البداية الحقيقية. ارتدى قميص المنتخب الوطني، وسجّل حضورًا قويًا في البطولات الإقليمية والعالمية، وشارك في كأس العالم مرتين، قبل أن يصنع المجد مع الفريق بالحصول على المركز الثاني عالميًا، وهو إنجاز تاريخي للكرة المصرية في هذه الفئة.

 لكن محمد لم يتوقف، فالطموح لم يكن محليًا. جاءته الفرصة من إسبانيا، وهناك حمل الحلم إلى أبعد من الحدود، حيث انضم إلى ديبورتيفو لاكورونيا، ثم انتقل إلى هويلفا الإسباني، وحقق معهما بطولات محلية وأوروبية، ليكون أول لاعب مصري من فئة الصم والبكم يحترف خارجيًا، ويثبت أن الموهبة لا تعرف الإعاقة ولا الحواجز.

 يقول محمد، بلغة الإشارة، ويترجمها شقيقه عبدالرحيم، الذي كان مرافقًا له في كل خطواته، إن حلمه منذ الطفولة كان تمثيل مصر، وأنه لم يسمع هتافات الجماهير يومًا، لكنه شعر بها داخله، مؤكدًا أن الإنجاز لا يحتاج إلى سمع أو نطق، بل إلى قلب مؤمن بما يفعل.

 عبد الرحيم لم يكن مجرد شقيق، بل كان صوت محمد حين يلزم الكلام، ويده حين يحتاج الترجمة، ومرافقه الدائم في المعسكرات والسفر والمباريات. يصف أخاه بأنه لا يسمع العالم، لكنه يسمع نفسه جيدًا، ويمضي خلف حلمه دون توقف، موضحًا أنه كان يشاهد محمد يقلّد كريستيانو رونالدو أمام شاشة التلفاز، ولم يكن يتخيل أنه سيصبح يوماً "كريستيانو المصري"، يحترف في أوروبا ويضع بصمته هناك.

 في قرية الشموت، لم يعد محمد مجرد ابنٍ عادي، بل صار فخرًا للبيوت وأيقونة أمل للأطفال. يقول أحد جيرانه، الحاج رجب عبد العليم، إن محمد كان طفلًا مختلفًا، لا يتحدث لكنه يُبدع، فيما يروي صديقه أحمد رضا أنه كان يقلّد أهداف ميسي ورونالدو بدقة عجيبة، ويعيدها في الشارع كما لو كانت مسجلة، أما الحاجة أم مصطفى، جارته العجوز، فتقول بفخر إن ابن قريتهم شرفهم ورفع اسمهم عاليًا، وتتمنى أن يعود يومًا لتحتفل به القرية بأكملها.

 ورغم كل ما قدمه محمد، يبقى التهميش يطارد أبطال الصم والبكم، فالدعم شحيح، والاهتمام الرسمي والإعلامي لا يليق بإنجازات بحجم ما يحققونه. محمد يطالب، عبر شقيقه، بأن تلتفت الدولة إلى هؤلاء النجوم، وتوفر لهم ملاعب جيدة، معسكرات منتظمة، ودعمًا حقيقيًا، مؤكدًا أنهم يمثلون مصر كما يفعل أي منتخب آخر، بل وأكثر، لأنهم ينتصرون على ضعفهم كل يوم.

 قصة محمد محمود ليست قصة لاعب عادي، بل ملحمة تحدٍ تُروى بصمت، وتُقرأ بالعيون، وتُترجم بالأقدام، وهو نموذج حي على أن الإعاقة الحقيقية لا تسكن الجسد، بل العقول التي تستسلم، أما من يؤمن بنفسه، فيصنع المجد حتى من قلب الصمت.