حنان أبو الضياء تكتب: السينما فضحت التأمر الأمريكى والإسرائيلى فى «Ze-ro Days»

السينما دائما سابقة بخطوة أو مفسرة بكل شفافية ما يحدث فى الحرب النووية بين إيران فى جهة وأمريكا وإسرائيل فى الجهة المقابلة، خاصة فى الأفلام الوثائقية. المخرج أليكس جيبنى فى فيلم «أيام الصفر» يؤكد إن قدرات التكنولوجيا الحديثة وسهولة استخدامها سهلت فقط تنفيذ الهجمات الإرهابية، لكننا لم نرَ حتى الأن تطبيقًا سليمًا لها.
فيلم «أيام الصفر» رسالته لا تزال قائمة، وهى جديرة بالاستماع. إنه تحديث معاصر لدراما سياسية لإعادة إحياء مسلسل الإثارة والمؤامرة، والتأكيد على أننا نعيش فى زمنٍ كهذا. التهديد موجود بالفعل، وليس لدينا علاج معروف له. كل يوم هو يوم صفر.
حوالى عام ٢٠١٠، بدأ فيروس غامض يعرف باسم ستوكسنت بإصابة أجهزة الكمبيوتر الإيرانية المتصلة ببرنامج مفاعلها النووى. ويعتقد أن فيروس ستوكسنت، المحاط بسرية تامة، من صنع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو الأول من نوعه فى حرب إلكترونية إرهابية تُنذر بدمار أوسع نطاقًا.
يتناول الفيلم الوثائقى «Zero Days» للمخرج أليكس جيبنى، الصادر عام ٢٠١٦، ظاهرة ستوكسنت. المعروفة أيضًا باسم صفر يوم هى ثغرة أمنية فى برامج الكمبيوتر، غير معروفة أو غير معالجة من قِبَل الجهات المعنية بمعالجة هذه الثغرة. وإلى أن يتم معالجة هذه الثغرة، يمكن للمخترقين استغلالها للتأثير سلبًا على برامج الكمبيوتر، أو البيانات، أو الشبكة.
ربما يكون فيروس ستوكسنت أعظم عملية سرقة رقمية فى التاريخ. ومع ذلك، يشكك فى أن معظم الأمريكيين قد سمعوا به من قبل عندما انتشر على الإنترنت بجنون. كان ستوكسنت، التجسيد الحى لعبارة «الأشياء الكبيرة تأتى فى حزم صغيرة»، هى عبارة عن شفرة كثيفة ومعقدة سمحت له بأن يكون حجمه أكبر بعشرين ضعفًا من متوسط حجم الفيروس، دون أى ثغرات داخلية.
عرف «Zero Days» بأنه الحمولة المجهولة التى لا يمكن إلا لمنشئها استغلالها باستخدام محرك أقراص محمول. لذلك عندما اكتُشف هذا الفيروس الخارق، الذى يشبه جيمس بوند، لم يكن أحد يعلم ما يمكن أن يفعله أو متى.
جمع المخرج فى الفيلم أفكارا معقدة وغنية بالمصطلحات فى حزمة أنيقة، تشبه ستوكسنت بحد ذاتها. أثبت أن ستوكسنت «يتطلب موارد دولة قومية» كالولايات المتحدة. ومن هنا، يلقى فيلم جيبنى الوثائقى نظرة على مكانة أمريكا فى عالم الإرهاب الإلكترونى وتداعياته. واختراق الترسانة النووية الإيرانية وتدميرها ذاتيًا، حيث امتلك فيروس بسيط القدرة على «تعطيل وتدمير وإضعاف» دولة بأكملها.
أثبت أليكس جيبنى أنه لا يخشى مواصلة مطاردة المؤسسات الثرية والنافذة والسرية، حيث يستهدف حكومة الولايات المتحدة بفيلم «أيام الصفر». يستكشف الفيلم خلفية دودة ستوكسنت الغامضة، ويغوص فى أعماق التجسس الدولى، والقدرات النووية، والحرب الإلكترونية. وبينما تطلعنا مجموعة من المقابلات الشخصية الصريحة على المواضيع المعقدة، يبدأ شعور بالتوتر والعجز يتسلل إلى الفيلم، تاركا وراءه شعورا هائلًا بالارتياب.
فيلم «أيام الصفر» أسلوبه يجمع بيت فيلم تشويق ووثائقى فى آن واحد. مع موسيقى تصويرية قاتمة وشعارات تنبؤية عن نهاية العالم، محدثا ضجةً مدوية، لأن موضوعه مُرعبٌ بما يكفى لتبريره.
يتجلى هذا الارتياب فى الفيلم الوثائقى بأكمله، والذى يكاد جيبنى ليحوله إلى نظرية مؤامرة. يرفض العديد من الأشخاص الذين يُجرى معهم المقابلات الإجابة على أسئلة مُحددة - أهمها مدى وعى الولايات المتحدة باستخدام ستوكسنت - ويزيد افتقارهم للانفتاح من مخاوف جيبنى. من المهم ملاحظة أنه بينما يجد جيبنى أشخاصًا آخرين على استعداد للموافقة معه والانحياز إلى جانبه، فإن جيبنى هو الشخصية الرئيسية فى فيلم «أيام الصفر».
استخدم المخرج تقنيات متعددة لسرد قصته بأكبر قدر ممكن من الطبقات لجعلها مثيرة بصريًا. لقطات أرشيفية، ومقابلات مع متحدثين، وتعليق صوتى، وصور رقمية لما يبدو عليه الفضاء الإلكترونى، وإعادة تمثيل. يظهر معظم الأشخاص الذين تجرى معهم المقابلات أمام الكاميرا دون أى تعديل، لكنهم يخضعون أنفسهم لرقابة شديدة. يرفض أكثر من شخص واحد الظهور أمام الكاميرا خوفًا من توجيه اتهامات جنائية إليهم. لذا استخدم المخرج الصوت مع أولئك الذين يرغبون فى التحدث، لكنهم يخشون ذلك.
بالطبع يتمتع أليكس جيبنى بقدرةٍ لا تضاهى على إضفاء طابعٍا إنسانيا على من يُجرى معهم المقابلات. فخلال جلساته مع مسئولين حكوميين من الولايات المتحدة وإسرائيل، يتمكن من اختراق الخطابات وإجاباتٍ جاهزة للوصول مباشرةً إلى شخصياتهم. أما الرجال الآليون الذين لا يستطيعون سوى قول «لا أستطيع التعليق على ذلك»، فيقعون فريسة لجاذبيته، ويبتسمون بابتساماتٍ ثاقبة أثناء تقديم إجاباتهم المعدة. هذه الإنسانية هى ما يجعل «أيام الصفر» مرعب بشكلٍ فريد. هؤلاء الرجال ليسوا خبراء مدربين تدريبًا خاصًا أو آلات مصممة خصيصًا لخدمة قضية ما، بل هم بشر يؤدون عملهم بالطريقة التى يرونها مناسبة. مع وجود قوة جيوش العالم فى متناول أيديهم، ومع وجود مستقبل البشرية على المحك، فإن هؤلاء المسئولين رفيعى المستوى كالأطفال الذين يخشون الوقوع فى مشاكل.
يقدم فيلم «أيام الصفر» نظرة صادمة على مستقبل الحرب الدولية، عندما يتورط فى لغة الكمبيوتر وانهيارات الحوادث. يعد هذا الفيلم الوثائقى لجيبنى بمثابة جرس إنذار لصانعى السياسات الأمريكيين، ونداء لواضعى المعاهدات لوضع حد للجرائم الإلكترونية التى ترعاها الدول، وهو تذكير صادم بأنه حتى فى عالم تتوفر فيه كل معلومة فى متناول اليد، لا يزال هناك الكثير من الأسرار التى تنتظر الكشف عنها. وللأسف أن الايام الماضية أكدت أن القيادة الأمريكية كالمعتاد لم تستفيد من التحذير وضربت المنشآت الإيرانية النووية.
فى فيلم «اليوم صفر»، لم تكن الحروب بضرب القنابل، بل بتعطيل الشبكة الكهربائية للدولة أو إطلاق قنابل نووية ببضعة أسطر من الأكواد البرمجية.
تزامن انتهاء صلاحية فيروس ستوكسنت مع انتخاب الرئيس أوباما، ومع ذلك استمر المشروع بعلمه. أُصيبت الولايات المتحدة بنوع من ستوكسنت. ولكن بسبب السرية التامة، لم يكن لدى مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) ووكالة المخابرات المركزية (CIA) أدنى فكرة عن ماهيته.
فيلم «اليوم صفر» يقدم حقائق فعلية ودليلاً على قوة الإرهاب الإلكترونى واستخدام أمريكا وإسرائيل الحقير لها. يعتمد «أيام الصفر» على صور تكنولوجية تقليدية، مثل شاشة كاملة من 1 و0، بالإضافة إلى لقطات أرشيفية من حرب نووية لإثبات العواقب.
أحد استخدامات التكنولوجيا المفيدة بشكل عام هو عرض جاسوس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بتقنية البكسل. بمساعدة صوت جوان تاكر، تتيح لنا هذه المشاهد الاستماع إلى مصادر سرية متعددة فى ظل إخفاء الهوية.
فى النهاية، «أيام الصفر» هى فى أحسن الأحوال نظرية مؤامرة، وفى أسوأها مجرد شبح آخر يثير قلق الناس. قد يكون من المهم التحدث عن هذه الأمور، ولكن الأهم من ذلك أن يكون لديك ما تقوله.
