في يوم المتاحف العالمي، الذي يحتفل به العالم في الثامن عشر من مايو كل عام، يتجدد شعوري بالفخر والاعتزاز بتاريخ مصر العريق ودورها العظيم في حفظ الحضارة الإنسانية.
هذا اليوم ليس مجرد احتفال بالمتاحف، بل هو مناسبة لتذكيرنا بما تمثله مصر من ذاكرة حضارية متجددة، ودورها في نقل عبق التاريخ للأجيال القادمة، كما يعكس قيمة التعليم والمعرفة التي تتجسد في كل قطعة أثرية، وكل حجر محفور في أراضيها العريقة.
مصر، منذ آلاف السنين، كانت مهد الحضارات، وموطن الإبداع البشري الذي ما زال يدهشنا إلى اليوم، من أهرامات الجيزة التي تتحدى الزمن، إلى معبد الكرنك الذي يحكي قصة حضارة استثنائية، ووادي الملوك حيث ترقد أسرار الفراعنة، وصولا إلى متحف القاهرة والمتحف القومي للحضارة المصرية، اللذين يجمعان بين الماضي والحاضر في عرض متقن للحضارة المصرية الأصيلة.
أنا شخصيا تعلمت منذ صغري في مدرسة الوفد معنى حب الوطن، وضرورة الاعتزاز بتاريخه وترابه، هذه القيم غرست في احترام التراث والحفاظ عليه، وأدركت من خلال تعليمات معلميني أن مصر ليست مجرد أرض، بل هي حضارة حية، وذاكرة البشرية التي يجب أن نحميها ونعتز بها.
وما يزيدني فخرا أن أرى الدولة ومؤسساتها، وخاصة وزارة السياحة والآثار، تسعى بكل جدية لحماية هذا التراث، فتح المتاحف مجانا للجمهور، وتنظيم ورش عمل تعليمية، وإقامة معارض تبرز تاريخ مصر الغني، كلها جهود تؤكد أننا نعيش في وطن يقدر ماضيه ويستثمره في بناء مستقبل معرفي وحضاري.
العام 2025 شهد اكتشافات أثرية مذهلة تضاف إلى تاريخ مصر الممتد، مثل اكتشاف جزيرة مقدسة تحت معبد الكرنك في الأقصر، تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وهو اكتشاف يسلط الضوء على عبقرية المصريين القدماء في استغلال بيئتهم في بناء معابدهم.
وفي سوهاج، اكتشفت مقبرة فرعونية تعود إلى الأسرة الثانية عشرة، تحتوي على 11 دفنا مغلقا ومجوهرات ومرايا نحاسية، لتؤكد مجددا أن تاريخ مصر لا يزال يخبئ الكثير من الأسرار.
أما في الأقصر، فقد تم اكتشاف مقبرة صخرية لفرعون غير معروف بالقرب من وادي الملوك، وهي الأولى من نوعها منذ أكثر من قرن، وتعود لحوالي 3,500 عام، مما يعكس قدرة مصر الدائمة على مفاجأت التاريخ.
من خلال هذه الاكتشافات، أدركت بشكل أعمق معنى ما تعلمته عن حب الوطن في مدرسة الوفد، وعن احترام تراب مصر وحفظه كأمانة.
تعلمت من زعماء وعظماء الوفد أن الانتماء الحقيقي للوطن لا يقتصر على الكلمات، بل يظهر في الأفعال، في الحفاظ على تاريخنا، وفي حماية حضارتنا من الزوال.
كل حجر أثري وكل قطعة محفوظة في المتاحف تمثل جزءا من هويتنا الثقافية، ومن واجبنا أن نحافظ عليها بكل وسيلة ممكنة، فهي الجسر الذي يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
المتاحف ليست مجرد أماكن لتخزين القطع الأثرية، بل هي فضاءات تعليمية وثقافية، تعكس الروح الوطنية، وتعزز الهوية المصرية، فعاليات يوم المتاحف العالمي، من ورش عمل للأطفال والشباب إلى محاضرات وندوات ومعارض الاكتشافات الحديثة، جميعها تسعى لغرس قيمة الانتماء والفخر بالماضي العظيم.
هذه التجربة تجعلني أؤمن أكثر بأن مصر ليست مجرد بلد، بل هي مدرسة متكاملة للحضارة الإنسانية، مكان تتلاقى فيه المعرفة بالتاريخ، والفن بالعلم، والوطنية بالمسؤولية.
كل زيارة لمتحف أو مشاهدة لاكتشاف أثري جديد تجعلني أشعر بالفخر لا لأنني مجرد مواطن مصري، بل لأنني وريث حضارة عظيمة، تربطني بها روابط لا تنقطع، تربطني بها المسؤولية تجاه المستقبل.
وما تعلمته منذ صغري عن حب الوطن وحماية ترابه، وما استمديته من مدرسة الوفد وزعمائها وعظمائها، أصبح نهجا أتبعه في حياتي اليومية، أحرص من خلاله على أن يكون تراث مصر حاضرا في وجدان كل جيل، وأن تظل المتاحف منارات للمعرفة والفخر والهوية.
يوم المتاحف العالمي ليس مجرد مناسبة سنوية، بل هو تذكير دائم بأن تاريخ مصر وثراء حضارتها مسؤولية الجميع، وأن كل جهد في حفظ التراث، سواء من الدولة أو من المواطن، هو جزء من بناء وطن نفخر به جميعا.
وبهذا، أجد نفسي أكثر اقتناعا بأن دورنا في حماية حضارتنا وذاكرتنا الوطنية لا يقل أهمية عن أي اكتشاف أثري جديد، وأن كل زيارة لمتحف، وكل معرفة نتلقاها عن حضارتنا، هي خطوة نحو تعزيز انتمائنا وحبنا لمصر وترابها العظيم.