رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

الداعية الإسلامى الشيخ أحمد ربيع الأزهرى :

الحج..مدرسة إيمانية لضبط النفس

بوابة الوفد الإلكترونية

الإسلام ربط الشعائر الكبرى بقيم وغايات نبيلة

 

الحج شعيرة الإسلام الكبرى، وفريضة الإسلام الفُضلى، ومدرسته التربوية وواحته التهذبية، تُبنى فى رياضه النفوسَ، ويُزكى فى رحابه الوجدان، وتُحصل فيه المنافع والمصالح، وينقى به كل مقصر وطالح..، تصعد القلوب إلى عرفات قبل الأبدان، وتذوق حلاوة الطواف والمسعى والصلاة خلف المقام، وترتشف ماء زمزم وهى معلقة بأستار الغفرآن، وتقذف فى رميها أدران النفس والهوى مع الشيطان، وتتنقل بين التلبية والتكبير شكرا للعلى القدير أن يسر لهم المسير وأعطهم قوة العزيمة والتشمير، وذبحوا مع الهدى شهوات نفوسهم، وختم لهم بطواف الوداع بعدما أحسن إليهم بمغفرة فى الحال ومتاع بالجنة فى المآل، وكل ذلك يقتضى فقه تدبر للأركان والبحث عن مقاصد الشرع فيما شرع من أحكام لنصلح ما فى واقعنا من مفاسد وأدرآن ونفتح القلوب والعقول لدين الإسلام. «الوفد» التقت بفضيلة الشيخ أحمد ربيع الأزهرى الباحث المقاصدى والمفكر والعالم الأزهرى صاحب الأطروحات الفكرية والكتابات الرصينة لتحاوره عن المقاصد والغايات والدروس والعبر المستفادة من شعيرة الحج من خلال رؤية عصرية تربط بين النصوص والأحكام من ناحية والواقع وعوالمه ومشاكله من ناحية أخرى، وهذا نص الحوار:

< الإحرام هو الركن الأول من أركان الحج؟ فما هى المعانى والمقاصد التى يهدف إليها؟

<< الإحرام فى الحج ليس ركنًا عاديا بل هو بداية مناسك الشعيرة وعلى القصد والنية تنبنى الأحكام فالمفرد بالحج غير القارن بين الحج والعمرة وغير المتمع بينهما، وإجمالا نأخذ من ركن الإحرام خمس معاني:وهى (التطهر، التجرد، الترك، إلتزام الحد، تعظيم حرمة العورة.) فالحاجُ يغسلُ البدنَ بالماءِ، والقلبَ بالصفاءِ، والسريرةَ بالنقاءِ.ويتجردُمن ثيابِالدنيا وزينتها ويلتحفُ بلحافٍ أقرب إلى الكفن، فَجَرَدَ قلبه وبدنه وأقبل على ربه بقلب لم يسكن فيه شيء من الدنيا.والترك للمال والولد والسلطة ويتلبس بثوبِ المقبلين على الله والتاركين لما سواه، كما أن بياض ثياب الإحرام رمزه النقاء والصفاء؛الإحرام بضابطه المكانى والزمانى فيه إظهار لإقامة الحد والوقوف على أمر الرب والالتزام التام، وبيان لفقه الاصطفاء للمكان والزمان والأشخاص.

< ما دلالة التلبية فى الحج؟ ولماذا قدم الحمد على النعمة فى صيغة التلبية على الرغم من أن الحمد يكون بعد النعمة وليس العكس؟!

<< التلبية صيغتها:(لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ، لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ): وهى صوت مُحب يُجيب دعوة محبوبه، وعاشق شغوف متعلق بالقرب من معشوقه، كما أنها إعلان عن وحدانية الله والتبرء مما سواه، فهو صاحب الإنعام والملك ولاشريك له، ومن لطائف التلبية أنه قدم فيها الحمد على النعمة (إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ) رغم أن العقل يقول بأن النعمة تسبق الحمد ومرد ذلك إلى أن المُلبى أدرك أنه مما اصطفاهم الله فأسمعه صوت إبراهيم فأعلنها أن الحمد لك، لكنه أدرك فى نفس اللحظة أن كون الله رزقه نعمة الحمد، فهذه نعمة ما بعدها نعمة لعظم ثواب الحامدين فأردف قائلا (وَالنِّعْمَةَ، لَكَ) ثم تأمل فى نفسه وفى الكون من حوله فأردف قائلا ليست النعمة فقط بل الملك أيضًا فنطق اللسان (والملك).

< لماذا يبدأ الحاج فى السعى بالصفا وليس بالمروة؟ وهل لذلك من دلالة؟

<< نبدأ بالصفا لأن الله بدأ به فى قوله تعالى: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ  فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ» {البقرة: 158}. ودلالة ذلك أن نتعلم «فقه البوصلة» إن صح التعبير، فبصلة أفعالنا وأقولنا لابد أن يكون مؤشرها منضبط بمراد الله وملتزم بحكمه ومنهاجه فنبدء بما بدء وننتهى بما انتهى كلامه وشرعه وحكمه. كما أن هناك دلالة أخرى وهى أننا لن نحوز الرٍى والسُقى – المروة–إلا إذا كنا من أهل الصفاء والنقاء، وعليه فهذه الأمة لن تستحق الري–ودلالته فى عصرنا النصر والمعية والتأييد من الله–إلا إذا صفت القلوب ونقيت الصدور ونزعت الأحقاد.

< يوم التروية هو اليوم الذى يسبق الصعود على عرفات؟ لماذا سمى بهذا الاسم؟ وهل من معانى فى هذا الشأن؟

<< يوم التروية: هو اليوم الثامن من ذى الحجة وسمى بذلك لأن الحجاج قديمًا يذهبون إلى (منى) ليرتوا ويروا دوابهم بالماء ويملؤاقرابهم لمشقة رحلة صعودهم لجبل عرفات، وفى هذا معنى عظيم وهو فقه التزود، فلن نستطيع أن نصل إلى القمة إلا إذا تزونا بمسالك المعرفة والتقدم كما أننا لن نحوز الفوز فى الأخرة إلا إذا تزودنا بالتقوى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ {البقرة: 197}.

< بماذا يذكرنا الصعود إلى جبل عرفات؟

<< الصعود إلى عرفات:يذكرنا برحلة صعود الأنبياء, فموسى صَعد إلى الجبل (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِى وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ... الآية) {الأعراف: 143}، وعيسى–عليه السلام- صُعد به إلى السماء- ونبينا صلى الله عليه وسلم صُعد به إلى ما بعد سدرة المنتهى فى رحلة الإسراء والمعراج، فكأن الله يلبس الحجيج نفحات من نفحات الترقى والصعود التى رزق بها الأنبياء دلالة على أن الله أدخلهم فى زمرة أهل الأصطفاء والتى تجمع الأنبياء والصالحين والأولياء.{هذا والله أعلم}

< ما هى أهم الدلالات والمعانى والمقاصد التى نتعلمها من الوقوف بعرفة؟

<< الوقوف بعرفة:لحظة افتخار للإنسان الذى قالت الملائكة عنه لربها (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ){البقرة:30}، فهو قد أثبت عكس ما قالته الملائكة، فها هو ربنا يباهى الملائكة بولد آدام، كما أنه انتصر على الشيطان بدليل هذا المشهد العظيم للموحدين، وسبحان الله! جعل الله لحظة الانتصار فى نفس المكان الذى التقى فيه آدم وحواء «جبل عرفات» والذى سمى بذلك لتعارف آدام وحواء عليه وجعل الوقف به هو ركن الأعظم فى أكمل رسالة لكونها الخاتمة والقائمة ليوم الدين وفى هذا إشارة لا تخفى فى مدلولها.

كما أنه لم يشرع للحجيج صيام يوم عرفة؛ لأن الصيام فيه حرمان ونحن فى لحظة انتصار على الشيطان الذى حرم أبوكم آدام وأمكم حواء الجنة وطعام الجنة، فأنتم لن تحرموا الطعام بل وتقووا به على الذكر والحمد والدعاء لتفوزوا بالجنة والرضوان ليعود أدم وتسكن ذريته الجنة، لكنها ليست كتلك الجنة التى طرد منها بل أعظم لأنها جنة الخلد والنعيم المقيم.

< ما دلالات الحلق والتقصير؟ ولماذا لم يجعل المرأة تحلق رأسها كالرجل؟

<< للحلق والتقصير دلالاته عظيمة، فالساعى إلى الله هو العبد المنكسر الطامع فى عفو سيده، يأخذ بناصية رأسه–يمحو رمز الزينة والتفاخر- إعلانا عن معاقبة نفسه لتقصيره فى جناب الله، كما أن دوران الموس على الرأس يدلل خضوعه وإنقياده وتسليمه التام للربهإن شاء عذب وإن شاء قبل هذا القربان.

كما أن الحلق بالذات دعا النبي–صلى الله عليه وسلم- ثلاثا لمن يقوم به؛ لأنه أبلغ فى زيادة التذلل لله والإنسكار والخضوع من ناحية ومن ناحية أخرى نريد أن نقطع صلتنا بزمن المعصية حتى أننا نحلق الشعر من جذوره حتى ينبت فى زمن الطاعة والغفران.

أما كون المرأة لا تحلق رأسها كالرجل بل تقوم بأخذ قدر (أنملة) من أنامل أصابع اليد من أطراف شعرها،وهو ما تفعله النساء عادة بين الحين والأخر؛ لأن هذا أدعى لنمو شعرها أفضل وأقوى، وعدم أمره للمرأة بالحلق كالرجل دليل على أن الآمر هنا هو الصانع سبحانه وتعالى، فالله هو من خلق المرأة ويعلم بأن شعرها تاج على رأسها يدخل الفرح على نفسها وعلى قلب زوجها، وتخيل لو أنه طلبها بالحلق فسوف تمتنع الكثير منهن عن أداء الشعيرة بل وقد يمنع الزوجُ الزوجةَ من أجل ذلك.. فسبحان من رفع الحرج وأمر بعلمه بما صنع.

< ما حكم تشريع طواف الوداع؟

<< طواف الوداع: هو مسلك من مسالك الـأدب مع الله فقد حللت فى بيته وحرمه وأحسن ضيفتك وشملك بفضلة وكرمه، وعليه فعند الإنصراف لابد من الإستئذان من صاحب البيت توقيرًا له واعترافا بفضله؛ ولأن المفارق لمكة يسكنه الحزن والبكاء وتنتبه مشاعر الخشية والرجاء فلابد من نظرة أخيره يطوف فيها ببيت محبوبه تغرس فى ذاكرته جنباته–ولن يفعل بعد ذلك شيئا- لتظل الصورة لقطتها الأخيرة حاضرة فى الإذهان ليتجدد الشوق والحنين لهذا المكان وما أعظمه من مكان، كما أن لم يذق مرارة الفراق لم يتذوق ما حلاوة اللقاء.

< الحج مدرسة لضبط النفس، وصناعة الإنسان المزكى المتصالح مع بقية الأكوان كيف ذلك؟

<< الحج مدرسة عظمى للتدريب على الانضباط والتحكم فى النفس ومنعها عن اللذات والشهوات، كما أنها مدرسة لتهذيب الطباع فى التعامل مع بقية الكائنات من الحشر والشجر والحجر فقد حرم عليك وأنت محرم أن تقتل الحشرات أو تتعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح أو حتى الإشارة إليه أو لدلالة عليه سواء كان مأكول اللحم أو محرمه، كما يحرم عليك قطع أشجار الحرم أو قلعها أو إتلافها وكذلك كل نابت فى الأرض، وهذا يعد نموذجًا فريدًا لما تعارفت عليه البشرية حديثا وأسمته بـ»المحميات الطبيعية» فالإسلام سبق فى ربط شعائره الكبرى بهذه القيم وتلك الغاية النبيلة منذ أكثر من 1400سنة.