«ترامب» يهدد العالم بـ«القبة الذهبية»

أطلق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أمس الأول، مشروعًا دفاعيًا يعد الأضخم من نوعه فى التاريخ العسكرى الأمريكي، تحت مسمى «القبة الذهبية»، وهو نظام متكامل للدفاع الصاروخى مصمم لاعتراض التهديدات القادمة من الجو والفضاء على امتداد نصف الكرة الأرضية. وقد تم تعيين الجنرال مايكل جوتلين، نائب رئيس عمليات الفضاء فى قوة الفضاء الأمريكية، على رأس القيادة التنفيذية للمشروع، مما يعكس البعد الفضائى الواضح للمبادرة.
فيما أعربت الصين عن «قلقها البالغ» إزاء مشروع «القبة الذهبية» وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، خلال مؤتمر صحفى صباح أمس: «ينتهك هذا النظام الهجومى بدرجة عالية مبدأ الاستخدام السلمى للفضاء الخارجي». وأضافت أن المشروع «يزيد من خطر تحويل الفضاء إلى ساحة معركة، ويهدد بإطلاق سباق تسلح جديد، كما يهز أسس الأمن الدولى ونظام الحد من التسلح»، حسب موقع «نيوزويك».
وتابعت: «الولايات المتحدة، من خلال وضع مصالحها أولا وهوسها بالسعى وراء أمن مطلق، تنتهك مبدأ الأمن المتبادل وتضعف أمن الجميع، مما يزعزع التوازن والاستقرار الاستراتيجى العالمى».
واختتمت المتحدثة: «نشعر بقلق بالغ حيال هذا الأمر، ونحث الولايات المتحدة على التخلى عن تطوير ونشر النظام فى أقرب وقت، واتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الدول الكبرى، والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجى العالمي».
وفى تصريحات من المكتب البيضاوي، أكد «ترامب» أن المشروع سيبدأ بتمويل مبدئى قدره 25 مليار دولار، مشيرًا إلى أن المبلغ سيكون جزءًا من مشروع قانون ضخم للميزانية وصفه بـ»الجميل والكبير»، والذى لم يقر بعد من قبل الكونجرس. وأوضح أن كلفة النظام قد ترتفع إلى 175 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع احتمال أن تتجاوز هذا الرقم على المدى الطويل، خاصة مع تعقيد التكنولوجيا المطلوبة.
وصف «ترامب» المشروع بأنه استكمال لحلم الرئيس الراحل رونالد ريجان فى الثمانينيات، يهدف إلى بناء منظومة دفاع جوى وصاروخى تتفوق على كل الأنظمة الحالية، وتكون قادرة على صد الصواريخ فرط الصوتية (أسرع من الصوت بعدة مرات)، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وأنظمة القصف المدارى الجزئى (FOBS) القادرة على إطلاق رؤوس حربية من الفضاء، وكذلك الطائرات والصواريخ المجنحة من الجيل التالى.
واضاف: «لدينا اليوم التكنولوجيا التى لم تكن متاحة فى زمن «ريجان»، قال «ترامب»، مضيفًا: «نحن لا نبنى مجرد درع، بل نعيد تعريف الدفاع الوطنى الشامل».
بحسب المعلومات الرسمية، سيعتمد نظام «القبة الذهبية» على شبكة مترابطة من أجهزة الاستشعار، وأقمار صناعية متقدمة، وصواريخ اعتراضية تطلق من الفضاء والطائرات والسفن والمنصات الأرضية. سيتيح هذا النهج متعدد المستويات تدمير الصواريخ المعادية فى كل مرحلة من مراحل طيرانها، بدءًا من الإطلاق، مرورًا بالتحليق، وحتى الاقتراب من الهدف.
وتم التأكيد على أن مركز قيادة موحد سيدير تشغيل النظام، ما يعكس دروسًا مستخلصة من الأنظمة المجزأة التى أظهرت محدوديتها أمام التهديدات الحديثة.
وخلال الإعلان، كشف» ترامب» أن كندا أبدت رغبتها فى المشاركة بالمشروع. وفى هذا السياق، أشار إلى أن بلاده ترحب بالشراكة الكندية، ولكنها تتوقع أن تتحمل أوتاوا «نصيبها العادل» من التكاليف. وكان وزير الدفاع الكندي، بيل بلير، قد صرح خلال زيارة سابقة إلى واشنطن أن الانضمام إلى هذا النوع من البرامج «منطقى ومفيد للمصلحة الوطنية الكندية»، خاصة لحماية المجال الجوى والفضائى فى القطب الشمالى.
أثار المشروع اهتمامًا واسعًا فى قطاع الصناعات الدفاعية. فقد أعلنت شركة لوكهيد مارتن أنها ستقدم مقاتلات F-35 الشبحية، ورادارات Sentinel A4، وأنظمة قيادة وتحكم متقدمة، كجزء من مساهمتها. وعلّق فرانك سانت جون، الرئيس التنفيذى للعمليات، قائلاً: «لن ينجح المشروع إلا إذا اجتمع فيه الأفضل من كل شركة رائدة فى التكنولوجيا».
أما شركة بوز ألين هاميلتون فكشفت عن نظام يدعى «الأسراب الرائعة»، وهو جيل جديد من الأقمار الصناعية الهجومية والدفاعية مستوحى من فكرة «الحصى الرائعة» التى طُرحت فى عهد «ريجان». النظام يتصور نشر أسراب من الأقمار قادرة على رصد وتدمير الصواريخ فى الفضاء قبل أن تدخل الغلاف الجوى.
شركات مثل أندوريل إندستريز وبالانتير تكنولوجيز وسبيس إكس تعمل أيضًا على وضع تصورات لمكونات رقمية وفضائية، تشمل الذكاء الاصطناعى والتحليل اللحظى لمسارات التهديدات.
وعلى الرغم من تقدير « ترامب « كلفة المشروع الإجمالية بـ175 مليار دولار، فإن تقديرات مكتب الميزانية فى الكونغرس أشارت إلى أن التكاليف قد تصل إلى 542 مليار دولار خلال العقدين المقبلين إذا شملت العناصر الفضائية والتقنيات المتقدمة بالكامل. وأبدى محللون فى مجتمع الأمن القومى تحفظات على هذه الأرقام، مشيرين إلى صعوبة تنفيذ مشروع بهذا الحجم والسرعة، خاصة بالنظر إلى سوابق فشل أنظمة مشابهة جزئيًا.
يرتكز المشروع على قناعة الإدارة الأمريكية بأن خصومها، وعلى رأسهم الصين وروسيا، باتوا يمتلكون قدرات صاروخية خارقة يمكنها تجاوز أنظمة الدفاع الحالية. وقد أظهرت تقارير استخباراتية أن الدولتين تطوران نماذج متقدمة تستهدف نقاط الضعف فى الدرع الأمريكى. وأشار» ترامب «إلى أن «لا وجود فعليًا اليوم لنظام دفاع متكامل»، موضحًا أن البنية الحالية تقتصر على مواقع محددة وحلول مؤقتة.
وفيما اعتبره بعض الخبراء تفاؤلاً مفرطًا، أكد «ترامب» أن «القبة الذهبية» ستصل إلى «نسبة نجاح تقترب من 100%» فى التصدى لأى هجوم صاروخي، مبديًا ثقته فى قدرة النظام على اعتراض أى صاروخ، سواء أُطلق من الأرض أو الفضاء، وفى أى وقت.
وختم «ترامب» حديثه بالقول: «إنه استثمار فى مستقبل أمريكا، وأمانها، وتفوقها. لقد حان وقت بناء درع حقيقى لا يهاب المستقبل».