التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر على أجندة القمة التنموية في بغداد
في ظل عاصفة من التحديات العالمية من الحروب الجيوسياسية إلى انهيار سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة – تتحول العاصمة العراقية بغداد إلى منصة لإطلاق رؤية عربية جديدة تعيد تعريف أولويات الأمة بين التنمية والأزمات.
انطلقت أمس أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري، كمقدمة للقمة العربية التنموية الخامسة المقرر عقدها في 17 مايو الجاري، والتي تعد الأكثر شمولاً منذ إطلاق السلسلة عام 2013.
هذه القمة لا تناقش "الشكليات الدبلوماسية"، بل تطرح أسئلة وجودية: كيف يواجه العرب اختناقات الأمن الغذائيفي ظلّ حرب أوكرانيا؟ هل يمكن تحويل الاقتصاد الأزر إلى حلّ لأزمة الطاقة؟ وما مصير منطقة التجارة الحرة العربية في زمن الانقسامات؟ الأسئلة التي يطرحها الوزراء اليوم ستحدد ملامح "الرؤية العربية 2045"، التي تعد فرصة لإنقاذ حلم التكامل والتعاون الاقتصادي
أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أهمية التوصل إلى رؤى جماعية عربية للتعامل مع الاضطراب الخطير في النظام الاقتصادي الدولي، في ظل الانحسار المتسارع للعولمة وتصاعد الإجراءات الحمائية.
وهنأ أبو الغيط وزير التجارة العراقي أثير داوود سليمان على ترؤس بلاده للقمة، معربًا عن تمنياته بالتوفيق في هذه المهمة، وموجهًا التحية إلى لبنان على رئاسة الدورة السابقة.
وأوضح أن التعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية يتطلب تعزيز التعاون الإقليمي لضمان ازدهار الأسواق وسلامة سلاسل الإمداد، مشددًا على أن العمل العربي المشترك يمكن أن يكون أكثر فاعلية إذا ما تبنى نهجًا تشاركيا مرنًا لا يقصي أحدًا.
وأشار الأمين العام إلى أن مشروع جدول أعمال القمة يتضمن موضوعات تمس مجالات حيوية، أبرزها التكامل الاقتصادي، والطاقة، والحماية الاجتماعية، والصحة، والتعليم، وتمكين المرأة والشباب، والتمويل المستدام، والرؤية العربية 2045، بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الجامعة العربية.
وأكد أن تحقيق الحياة الكريمة للمواطن العربي يتطلب تلبية احتياجاته الأساسية، وصون حقوقه وحريته وكرامته، لافتًا إلى أن عدة دول عربية حققت تقدمًا لافتًا في هذا المسار من خلال استراتيجيات وطنية متكاملة.
ودعا إلى تبادل الخبرات بين الدول العربية للاستفادة من التجارب الناجحة، بما يعزز فعالية المنظومة العربية ويطور أداءها الجماعي.
ومن جانبه أكد وزير التجارة العراقي أثير داوود سلمان رئيس الاجتماع الوزاري التحضيري للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الخامسة أن هذه القمة تمثل لحظة مفصلية في مسار العمل العربي المشترك، وخطوة استراتيجية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية في العالم العربي.
جاء ذلك في كلمة الوزير العراقي التي ألقاها خلال افتتاح اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الوزاري التحضيري للقمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي تعقد في بغداد، في ١٧ مايو الجاري بالتزامن مع القمة العربية العادية الرابعة والثلاثين.
وقال إن العراق، حكومةً وشعبًا، يعتز باستضافة أعمال القمتين، مشيرًا إلى أن الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال تعكس أولويات المرحلة الحالية، بدءًا من الأمن الغذائي العربي والتكامل الصناعي، وصولًا إلى المبادرات الصحية والتعليمية والاجتماعية.
ودعا سلمان إلى تحويل الحدود إلى جسور، والمنافسة إلى تكامل، والتجزئة إلى وحدة اقتصادية عربية حقيقية، من خلال إنشاء مناطق اقتصادية مشتركة، وتعزيز الاستثمارات البينية، وتطوير آليات التعاون الفعال، مؤكدًا أن ذلك أصبح ضرورة تمليها الظروف الراهنة وتفرضها التحديات الإقليمية والدولية.
وشدد على أهمية الصناعة باعتبارها قاطرة التنمية، لافتًا إلى أن القطاع الصناعي يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحسين الميزان التجاري، وتوفير فرص العمل، والحد من البطالة، مما يستدعي دعم هذا القطاع وتحديث بنيته التحتية في إطار مشروع تنموي عربي متكامل.
وأشار وزير التجارة العراقي إلى ضرورة مواكبة الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي، والاستثمار في الابتكار والطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، مع التركيز على تمكين الشباب والمرأة والفئات الهشة، بما يعزز القدرات الإنتاجية ويؤسس لاقتصاد معرفي عربي واعد.
من جانبه دعا وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني الدكتور عامر بساط إلى تسهيل انسياب الصادرات اللبنانية إلى الأسواق العربية ورفع القيود الجمركية والإدارية، بما يسهم في تنشيط الاقتصاد اللبناني، والحد من الهجرة، وتعزيز صمود الشعب اللبناني في أرضه، مؤكداً أن لبنان يرحب دومًا بأشقائه العرب في وطنهم الثاني.
وأضاف، في كلمته خلال اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري، في إطار التحضير للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، أن الحكومة اللبنانية تعمل على تنفيذ خطة نهوض وطنية شاملة، ترتكز على إعادة الإعمار، وتفعيل مؤسسات الدولة، والإصلاحات في مختلف القطاعات الحيوية، خاصة في مجال الطاقة والكهرباء، إلى جانب الإصلاحات القانونية والمؤسساتية لمكافحة الفساد وتقليص الاقتصاد النقدي وضبط التهريب، وإعادة التوازن للمالية العامة بما يضمن حقوق المودعين ويعيد إحياء القطاع المصرفي.
وأشار إلى أن الحكومة اللبنانية اتخذت خيارين استراتيجيين حاسمين: الأول يتمثل في عودة لبنان إلى بيئته العربية، والثاني في اتساق استراتيجية الإصلاح مع مسار التحديث والنمو في المنطقة، مؤكدًا أن العلاقة بين لبنان والعالم العربي يجب أن تكون علاقة “رابحة للطرفين”.
ولفت إلى أن لبنان يمتلك عناصر قوة مهمة، من بينها العمالة الماهرة، والقطاع الخاص النشط، والموقع الجغرافي الفريد، ما يؤهله لأن يكون محركًا مهمًا للنمو العربي المستدام.
وتحدث الوزير عن حجم التحديات التي واجهها لبنان خلال السنوات الأخيرة، من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وما نتج عنها من دمار واسع وهجرة للكفاءات، فضلًا عن العدوان الإسرائيلي المتكرر الذي ألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.
وأكد أن هذه التحديات لم تنل من عزيمة اللبنانيين، بل عززت إصرارهم على إطلاق ورشة إصلاح شاملة، مشددًا على أن القدرة على التكيف والصمود جزء من الهوية اللبنانية المتجذرة في التاريخ.
أشار بساط إلى أن لبنان، كرئيس للقمة التنموية الرابعة التي عقدت في بيروت عام 2019، يواصل متابعة تنفيذ مقررات تلك القمة، لافتًا إلى ما تحقق من تقدم في مشاريع الربط الإلكتروني بين الدول العربية، والمنطقة العربية للابتكار، ومبادرات دعم المرأة، والصحة الوقائية، واستراتيجية الحد من مخاطر الكوارث.
وشدد في ختام كلمته على أن عودة لبنان إلى واجهة العمل العربي المشترك ليست مجرد شعار، بل خيار استراتيجي راسخ، مؤكدًا أن الدولة اللبنانية، رغم ما تمر به من أزمات، لا تزال قادرة على النهوض والاضطلاع بدور فاعل في بناء مستقبل عربي أكثر استقرارًا وازدهارًا.

