بين الركن الخامس وصحة الأم وطفلها.. هل يجوز للحامل والمرضع أداء الحج؟

مع اقتراب موسم الحج، تتزايد تساؤلات النساء الحوامل والمرضعات عن مدى جواز أداء مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام، وسط مخاوف تتعلق بالقدرة الصحية والبدنية، وحفاظًا على سلامة الجنين أو الرضيع. هذا السؤال وجّهته سيدتان إلى دار الإفتاء المصرية: عن الشوق إلى بيت الله الحرام، لكن حمل إحداهما وإرضاع الأخرى أثار لديهما التردد.
الإجابة جاءت واضحة عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء من فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، الذي أوضح أن "لا مانع شرعًا من حج الحامل أو المرضع ما دامت مستطيعة ماديًّا وبدنيًّا، بشرط عدم وجود ضرر عليها أو على جنينها أو رضيعها"،وفي حال وجود خطر متوقَّع، أو مشقة غير معتادة، فإن تأجيل الحج أولى حفاظًا على النفس، وهو مقصد شرعي أصيل.
الاستطاعة شرط لا يُهمل
وضحت دار الإفتاء أن الحج كما ورد في النصوص الشرعية، فرض بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، لكنه مشروط بالاستطاعة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، وهذا يعني أن الحامل أو المرضع ليست مطالبة بالحج إلا إذا تحققت القدرة الجسدية، إلى جانب أمان الطريق والقدرة المالية.
وقد شدّد الدكتور شوقي علام على أن تقييم الاستطاعة يمكن أن يُستند فيه إلى شعور المرأة نفسها أو رأي طبيب ثقة. فإذا أقر الطبيب بوجود خطر على صحتها أو صحة الجنين، فقد انتفى شرط الاستطاعة، ويتأجل الحج دون إثم.
سُنة نبوية تؤكّد الجواز
فتوى المفتي استندت إلى واقعة تاريخية تؤكد جواز حج الحامل، وهي قصة السيدة أسماء بنت عُميس، زوجة الصديق أبي بكر، التي حجّت وهي في آخر أيام حملها، وولدت قبل أن تُحرم. ورغم ذلك، أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال والإهلال بالحج، دون نهي أو منع.
يقول الإمام النووي تعليقًا على هذه الرواية في شرحه لصحيح مسلم: "فيه صحة إحرام النفساء والحائض، واستحباب اغتسالهما للإحرام، وهو مُجمَعٌ على الأمر به".
رؤية طبية وشرعية متكاملة
الفتوى لم تهمل أهمية الرأي الطبي، بل جعلته ركنًا في تقييم مدى استطاعة المرأة. فإن قرر الطبيب أن رحلة الحج قد تمثل خطرًا على الأم أو طفلها، أصبح الامتناع عن الحج واجبًا لا خيارًا، حفاظًا على الحياة.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة منى الشاذلي، أخصائية النساء والتوليد: "رحلة الحج مرهقة حتى للأصحاء، فما بالك بامرأة تحمل جنينًا أو ترضع؟ كثير من هذه الحالات تحتاج إلى متابعة دقيقة ومراقبة مستمرة للعلامات الحيوية، وهو أمر يصعب توفره أثناء أداء المناسك".
الحكم بين الشوق والاحتياط
في الختام، تُجسّد هذه الفتوى توازنًا رفيعًا بين الشوق الروحي لأداء فريضة الحج، والحفاظ على الجسد الذي كرّمه الإسلام وجعل حفظه من مقاصد الشريعة، وعلى الحامل أو المرضع أن تستشير طبيبها، وتزن قدرتها بصدق، ثم تقرر، بعقل وقلب مطمئن، فالعبادات في الإسلام لا تُؤدى على حساب النفس، بل تؤدى في رحمة وسعة، امتثالًا لقوله تعالى:﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].