«البكالوريا».. تطوير أم جباية
خبير تربوي: فكرة طموح تحتاج إلى وضوح وتخطيط وتدريب
«ائتلاف أولياء الأمور»: يواجه تحديات ويتطلب آليات تنفيذ واضحة
خبراء: استبيان التعليم تجربة تربوية تعزز الوعى والمشاركة المجتمعية
مع تزايد الحديث حول تطوير منظومة التعليم فى مصر، طرحت وزارة التربية والتعليم مقترحًا لتطبيق نظام «البكالوريا» كنموذج بديل أو موازٍ لنظام الثانوية العامة، الذى يمثل كابوسًا للطلاب وأولياء الأمور. وقد أثار هذا المقترح اهتمامًا واسعًا، حيث يُنظر إليه كفرصة لإصلاح التعليم، لكنه يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتعاونًا مشتركًا بين الوزارة والمدارس وأولياء الأمور.
وبما أن المعلمين هم حجر الأساس فى أى إصلاح تعليمى، فلا بد من تأهيلهم وتدريبهم بشكل جيد، ليس فقط على المناهج والأنظمة الجديدة، بل ينبغى أيضًا إخضاعهم لاختبارات نفسية وأخلاقية لضمان توافر معلمين أسوياء نفسيًا وذوى أخلاق رفيعة. ففساد معلم واحد قد يؤدى إلى إفساد جيل بأكمله، بينما صلاحه قد يكون مفتاحًا لنهضة جيل.
هذا التحول أثار العديد من التساؤلات فى المجتمع من بينها: هل نحن على أعتاب تغيير جذرى فى بنية التعليم؟ أم أن هذا النظام الجديد يحمل تحديات تفوق قدرة المنظومة الحالية؟
وفى إطار السعى للإجابة عن هذه التساؤلات، أجرت وزارة التربية والتعليم استطلاعًا للرأى شمل مجموعة من أولياء الأمور والطلاب والمعلمين، فى محاولة لرصد توجهات المجتمع وآرائه حول نظام البكالوريا الجديد.
ورأى عدد من أولياء الأمور وبعض الخبراء التربويين أن خطوة الاستبيان تعكس شفافية الوزارة وحرصها على إشراك المجتمع فى عملية تطوير التعليم، مشيدين بفتح قنوات اتصال مباشرة مع الطلاب وأولياء أمورهم.
وأكدوا أن هذا النهج يُعد تحولًا نوعيًا فى صياغة السياسات التعليمية، حيث يُمنح الطلاب وأسرهم فرصة للتعبير عن آرائهم وتقديم مقترحاتهم، مما يُسهم فى تعزيز شعورهم بالانتماء والمشاركة الفعالة فى رسم مستقبل أفضل لأبنائهم.
مستقبل مجهول
التقت «الوفد» عددًا من أولياء الأمور والطلاب عقب طرح وزارة التربية والتعليم استمارة استطلاع الرأى فى المدارس، حيث تقول هالة، ولي أمر لطالب فى الصف الثالث الإعدادي: «نظام البكالوريا يبدو أفضل، لكن قد تكون هناك مشكلة فى التكلفة وقلة المدارس التى تطبقه فعليًا. وأخشى ألا يتناسب مع قدرات ابنى، فاختيار النظام صعب».
ويرى عبد الله، ولى أمر آخر: «النظام يعزز التفكير، لا الحفظ مثل الثانوية العامة، لكنه يحتاج إلى تدريب للمدرسين ودعم مالى للأسر المتوسطة».
وقالت نور، طالبة: «أعجبتنى فكرة البكالوريا، لأنها تتيح حرية فى اختيار المواد، وليس فيها توتر مثل الثانوية العامة».
أما سحر، ولي أمر لطالب بالصف الثالث الإعدادى، فقالت: «فكرة استطلاع الرأى رائعة، لكننا نواجه صعوبة فى استيعاب تفاصيل نظام البكالوريا الجديد، سواء من حيث أهدافه أو كيفية تطبيقه. نحتاج إلى شرح مبسط وواضح من الوزارة، من خلال ندوات أو فيديوهات تعليمية أو منشورات بلغة سهلة».
وترى ماجدة والدة طالبة بالصف الثالث الاعدادى، أن نظام البكالوريا بيشجع على الفهم مش الحفظ، مضيفة: «ده بيخلى ولادى يركزوا أكتر على التفكير والتحليل بدل التلقين، وده مهم جدًا لسوق العمل بعد كده».
وذكر محمد ولى أمر طالب بالصف الثالث الاعدادى، أن «النظام معقد جدًا ومش مناسب لكل الطلبة، خصوصًا أن فيه مواد كتير وتقسيمات تسبب ضغط نفسى كبير على أولادنا».
أما أحمد طالب بالشهادة الإعدادية، قال: «لسه مش قادر أحكم، محتاجين نشوف تجربة دفعات كاملة عشان نعرف فعلًا إذا كان أفضل من النظام التقليدى ولا لأ»، أما علياء فقالت: «الفكرة كويسة، لكن تطبيقها فى مدارسنا صعب لأن مفيش الإمكانيات الكافية، لا من ناحية المدرسين ولا من ناحية الأدوات اللى بتدعم النظام ده».
آن الأوان
قدمت داليا الحزاوى، مؤسسة ائتلاف أولياء الأمور والخبيرة الأسرية، رؤيتها بشأن نظام البكالوريا، معتبرة أن الوقت قد حان لتطوير نظام الثانوية العامة، لكنها شددت على ضرورة دراسة النظام الجديد بعناية.
وأشادت الحزاوى بجوانب إيجابية فى النظام، منها: القضاء على رهبة الامتحانات، حيث يتيح نظام التحسين فرصة ثانية للطالب، ومرونة التعليم وتعدد المسارات الدراسية، تقليل عدد المواد الدراسية لتخفيف الضغط على الطلاب.
أبدت الحزاوى تحفظات شملت، احتمالية تكرار صراع المجاميع بسبب غياب ضوابط واضحة، والعبء المالى الإضافى على الأسر، والاستعجال فى التغيير دون انتظار تشكيل المجلس الوطنى للتعليم والتدريب، بالإضافة إلى نقص الكوادر والبنية التحتية.
وطرحت رئيس اتحاد أولياء الأمور، تساؤلات منها، هل هناك عدالة فى تطبيق نظامين تعليميين فى فترة واحدة؟.. كيف سيتم ضمان تكافؤ الفرص؟.. من أين سيتم توفير المعلمين والفصول اللازمة؟
الاستبيان.. بين الإيجابية والارتباك
رغم إيجابية الاستبيان، ترى الحزاوى أن الوزارة تجاهلت مقترحات الحوار المجتمعى، وأشارت إلى وجود ارتباك بين أولياء الأمور الذين اعتقدوا أن الاستبيان تقرير مصير، مؤكدة أن نظام البكالوريا يحمل فرصًا للتطوير، لكنه يحتاج إلى حوار حقيقى مع كافة الأطراف، لضمان أفضل تطبيق ممكن.
وأضافت أن تقليص عدد المواد سيساهم في تخفيف الضغط عن الطلاب، لكنه قد يزيد من الأعباء المالية على الأسر بسبب اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على جودة مخرجات التعليم الثانوي.
وأبدت الحزاوي تحفظها على بعض التعديلات في هيكلة المناهج، مثل استبعاد اللغة الإنجليزية من الصف الثالث الثانوي، وتهميش اللغة الثانية، لما لذلك من تأثير سلبي على قدرات الطلاب ومنافستهم في سوق العمل، وكذلك على فرصهم في الالتحاق بكليات الألسن والآداب والتربية.
واقترحت استبدال مادة الإحصاء لطلاب الشعبة الأدبية بمادتي علم النفس والفلسفة (مستوى رفيع)، مشيرة إلى أن الإحصاء لا يخدم ميول طلاب الأدبي. كما انتقدت إدراج البرمجة خارج المجموع في الصف الأول الثانوي ثم داخل المجموع في المسار الهندسي، معتبرة أن ذلك يعيق التراكم المعرفي المطلوب.
وتساءلت الحزاوي عن سبب عدم انتظار اكتمال تطوير منظومة التعليم التي وصلت حاليًا للصف الأول الإعدادي، قبل تطبيق البكالوريا، وكذلك عن غياب دور المجلس الوطني للتعليم والتدريب في رسم السياسات التعليمية الجديدة.
كما شددت على ضرورة تدريب المعلمين وتأهيلهم، خاصة في مسارات البرمجة والأعمال، وتوفير معامل كمبيوتر حديثة، مشيرة إلى أن نجاح النظام الجديد مرهون بحلول جذرية لمشكلات التعليم، مثل عجز المعلمين، الغش، وارتفاع أسعار الكتب الخارجية. واقترحت إطلاق مبادرة قومية لبناء مدارس جديدة بالشراكة مع القطاع الخاص.
واختتمت الحزاوي حديثها بالتأكيد على أهمية الاستماع إلى مقترحات أولياء الأمور والمهتمين بالتعليم خلال الحوار المجتمعي، لضمان تطبيق أفضل لنظام البكالوريا، الذي يمثل خطوة جيدة لكن يحتاج إلى معالجة بعض التحفظات.
يرى الدكتور مصطفى كامل، الخبير التربوى، أن شهادة البكالوريا المصرية تمنح الطالب أكثر من فرصة امتحانية فى الصفين الثانى والثالث الثانوى، ويُحاسب على أعلى الدرجات، موضحا أن مجموع الطالب سيكون من 700 درجة، بواقع 100 درجة لكل مادة، وتُعد مادة التربية الدينية أساسية تُضاف إلى المجموع.
وحدد «كامل» مسارات النظام، وهي:«الطب وعلوم الحياة، الأعمال، الهندسة وعلوم الحاسب، الآداب والفنون»، مشيرا إلى أن اللغة الأجنبية الثانية أصبحت مادة تخصص فى مسار الآداب والفنون، كما تشمل فلسفة البكالوريا: تنمية المهارات الفكرية والنقدية، التعلم متعدد التخصصات، التقييم المستمر، تقسيم المواد على عامين، فرص امتحانية متعددة.
ووجه عدة تساؤلات لوزارة التعليم حول نظام البكالوريا، تتضمن: ماذا إذا لم يحصل الطالب على مجموع يؤهله لكليته المختارة؟.. ما أسس اختيار نظام لم تُختبر نتائجه بعد؟.. هل تم التنسيق مع التعليم العالى حول القبول الجامعي؟.. هل جرى إعداد المعلم والإدارة المدرسية وفقًا للنظام الجديد؟.. هل تم إشراك المعلمين والتربويين فى تقييم النظام؟.. ما استطاعه طالب فى الإعدادية أو ولى أمره إبداء رأيه فى نظام مجهول؟
خطوة نحو الوعي
تقول د. إلهام مهدى، خبيرة تربوية، إن مواقع التواصل شهدت تفاعلًا واسعًا بعد إعلان توزيع استبيان حول البكالوريا على طلاب الإعدادية، معتبرة الخطوة مؤشرًا على شفافية الوزارة، مؤكدة أن الاستبيان يعزز الشعور بالانتماء، ويتيح للطلاب وأسرهم المشاركة فى مستقبل التعليم، مشيرة إلى أهمية تبسيط المعلومات لأولياء الأمور غير المتعلمين.
واعتبرت «مهدي»، أن إشراك الطلاب فى الاستبيان يعزز التفكير النقدى والقدرة على اتخاذ القرار، وأن هذه المبادرة التعليمية تستحق التقدير والدعم، ويعتبر الاستبيان خطوة إيجابية نحو تطوير المنظومة التعليمية.
وترى أن هذه الخطوة تعكس جدية الوزارة فى إشراك المجتمع قبل اتخاذ قرارات مصيرية، وتُعد خطوة إيجابية نحو تطوير التعليم بشكل تشاركى مدروس، مشيرة إلى أهمية إعطاء الطلاب الفرصة لتكوين آرائهم بناءً على ما يطرح لهم من معلومات ومشاورات.
وأشارت إلى أن هذا النوع من المبادرات يساهم فى تنمية مهارات التفكير النقدى لدى الطلاب، ويعزز قدرتهم على التعبير عن الرأى، كما أن تدريب الطلاب على المشاركة فى القضايا التربوية الكبرى يساعد فى إعدادهم لمستقبل أكثر وعيًا، مشددًة على أن الاستبيان ليس مضيعة للوقت، بل هو تجربة تعليمية بحد ذاتها تستحق التقدير والدعم.
وبذلك، اعتبرت هذا الاستبيان خطوة إيجابية نحو تطوير التعليم بشكل تشاركى، تُبرز جدية الوزارة فى أخذ آراء المجتمع التعليمى بعين الاعتبار قبل تطبيق أى نظام جديد.
جهود التعليم لطرح «البكالوريا»
تكثف وزارة التربية والتعليم جهوده فى عقد لقاءات بمختلف محافظات الجمهورية، لمناقشة نظام البكالوريا مجتمعيا، بعد طرحه أمام مجلس النواب والنخبة المصرية، لمعرفة مدى رضا أولياء الأمور على النظام، وتوعيتهم حول مفهومه وأهميته فى تطوير العملية التعليمية.
شبرا الخيمة
أعلنت الإدارة التعليمية بحى غرب شبرا الخيمة فى محافظة القليوبية، عن عقد لقاءات حوارية مجتمعية مع عدد كبير من أولياء الأمور والطلاب تدور حول نظام البكالوريا للثانوية العامة الجديدة قال هشام العتمونى، مدير تعليم غرب شبرا الخيمة، فى تصريحات له، أن الحوارات المجتمعية تجريها الادارة وتتضمن لقاء أولياء الأمور وطلبة من مدارس مختلفة حول مفهوم البكالوريا وكيفية الاستفادة منها وأهم مميزاتها بالمقارنة بنظم التعليم الأخرى.
وأكد «العتمونى» أهمية هذه اللقاءات للاستماع لمختلف الآراء حول التفاصيل الخاصة بمقترح «البكالوريا»، لافتا إلى أن نظام البكالوريا الجديد يعتمد على عدة محاور منها تنمية المهارات الفكرية والنقدية بديلًا عن الحفظ والتلقين، مما يهدف لتطوير طريقة تفكير الطلبة ليصبح ناقدًا وموضوعيًا ومنطقيًا كما يعتمد على دمج المواد العلمية والأدبية والفنية.
الغربية
عقد ناصر حسن، وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية، لقاء تحاوريا موسعا بمدرسة الرواد الخاصة للغات، أكد حسن على ضرورة نشر مقترح البكالوريا المصرية فى جميع المدارس الإعدادية والثانوية وترشيح أفضل المعلمين للمشاركة فى فعاليات الحوار، مشيرًا إلى دور المعلمين الشرفاء فى تحقيق التغير الإيجابى، حيث إنهم الركيزة الأساسية فى تنفيذ أى خطة إصلاحية فى النظام التعليمى، لما يمتلكونه من مهارات ومعارف مميزة، وأن هذا اللقاء يهدف إلى توضيح الصورة، ومناقشة المقترحات والآراء حول النظام الجديد فى منظومة التعليم الثانوى بمصر.
البحيرة
أما تعليم البحيرة تواصل تنظيم اللقاءات الحوارية المكثفة والمستمرة حول نظام البكالوريا المصرية وذلك انطلاقا من حرص وزارة التربية والتعليم واهتمامها بتفعيل مشاركة المجتمع فى تطوير النظام التعليمى للثانوية العامة والاستماع لكافة المقترحات وتوضيح الرؤية بما يساهم فى نجاح خطط التطوير.
وأكدت «تعليم البحيرة» أن هذه اللقاء تهدف إلى توضيح الصورة ومناقشة المقترحات والآراء حول النظام الجديد فى منظومة التعليم الثانوى بمصر، ولابد من تكاتف الجهود بين الجميع من طلاب وأولياء أمور ومجالس الأمناء لتحقيق افضل بيئة تعليمية من خلال التقييمات الأسبوعية والشهرية للطلاب لتطوير مستواهم الأكاديمى.
أسيوط
أما فى محافظة أسيوط، عقدت جامعة أسيوط، ورشة عمل: نظام الثانوية العامة الجديد ـ البكالوريا–ورؤية جامعة أسيوط»،؛ لإتاحة الفرصة للطلاب وأولياء الأمور لاستيعاب آليات النظام الجديد بشكل واضح، وذلك فى إطار حرص الدولة المصرية؛ على تطوير المنظومة التعليمية بما يتماشى مع المعايير الدولية، ويعزز من كفاءة الطلاب وتأهيلهم لسوق العمل.
