رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

اتركوها‭ ‬لأهلها‮ ‬

الدراما لاتدار باللجان..بل تصنع بالعقول

بوابة الوفد الإلكترونية

الفن‭ ‬رسالة‭ ‬وليس‭ ‬للترفيه‭... ‬و«الرئيس‮»‬‭ ‬وضع‭ ‬روشتة‭ ‬العلاج

 

لم‭ ‬تكن‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬يومًا‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬لجان‭ ‬أو‭ ‬اجتماعات‭ ‬أو‭ ‬موائد‭ ‬حوار،‭ ‬كما‭ ‬أصبحنا‭ ‬نرى‭ ‬اليوم‭. ‬فهى‭ ‬ليست‭ ‬أزمة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمرات‭ ‬ومداولات‭ ‬مطولة،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مباشر‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭. ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬التى‭ ‬قررت‭ ‬التدخل‭ ‬استمعت‭ ‬جيدًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬السيد‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى،‭ ‬وإلى‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬المهتمون‭ ‬بالشأن‭ ‬الفنى،‭ ‬لاكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬بسيط‭ ‬وواضح‭.‬

الرئيس‭ ‬تحدث‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬حاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬نظيفة،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الهلس‭ ‬والألفاظ‭ ‬غير‭ ‬اللائقة‭ ‬والعنف‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭. ‬دراما‭ ‬تقدم‭ ‬محتوى‭ ‬يبنى‭ ‬المجتمع‭ ‬ولا‭ ‬يهدمه،‭ ‬تجعل‭ ‬القدوة‭ ‬شخصًا‭ ‬سويًا‭ ‬نفسيًا‭ ‬وأخلاقيًا‭ ‬وليس‭ ‬بلطجيًا،‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬الأسرة‭ ‬المصرية‭ ‬وتليق‭ ‬بها،‭ ‬فتتناول‭ ‬مشاكلنا‭ ‬بعمق‭ ‬دون‭ ‬خدش‭ ‬للحياء‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬للغرائز‭.‬

إذن،‭ ‬لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات‭ ‬واللجان؟‭! ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬طالب‭ ‬به‭ ‬الرئيس‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التعقيد‭. ‬ببساطة،‭ ‬امنعوا‭ ‬مشاهد‭ ‬العنف‭ ‬غير‭ ‬المبرر،‭ ‬وهذبوا‭ ‬الحوار،‭ ‬وأعيدوا‭ ‬الدراما‭ ‬إلى‭ ‬بساطتها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬الماضى،‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬القضايا‭ ‬تُطرح‭ ‬وتُعالج‭ ‬دون‭ ‬تطرف‭ ‬أو‭ ‬ابتذال،‭ ‬ودون‭ ‬الوقوع‭ ‬فى‭ ‬فخ‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬بأى‭ ‬ثمن‭. ‬لقد‭ ‬قدمت‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عقود‭ ‬أعمالًا‭ ‬صنعت‭ ‬أكبر‭ ‬مكتبة‭ ‬درامية‭ ‬ربما‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬ناقشت‭ ‬كل‭ ‬المشكلات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسقط‭ ‬فى‭ ‬فخ‭ ‬الابتذال‭ ‬أو‭ ‬التجاوز،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سيناريو‭ ‬محترم‭ ‬ملىء‭ ‬بالمشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬المشاعر‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وحين‭ ‬كان‭ ‬البطل‭ ‬إنسانًا‭ ‬مصريًا‭ ‬طبيعيًا،‭ ‬لا‭ ‬بلطجيًا،‭ ‬وكان‭ ‬الحق‭ ‬يعود‭ ‬بالقانون‭ ‬وليس‭ ‬بالعضلات‭ ‬والسلاح‭ ‬الأبيض‭. ‬المطلوب‭ ‬الآن‭ ‬واضح‭ ‬تمامًا‭: ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الدراما‭ ‬الحقيقيين،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬وأثره‭ ‬فى‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعى،‭ ‬لإعادة‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬مسارها‭ ‬الصحيح‭...‬

نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬والسباعى‭ ‬وإدريس‭ ‬وعبدالقوى‭ ‬لم‭ ‬يحتاجوا‭ ‬لخبراء‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬لتقييم‭ ‬اعمالهم‭ ‬ومصر‭ ‬بها‭ ‬اعمال‭ ‬ادبية‭ ‬امتدادا‭ ‬للعمالقة‭ ‬الكبار‭.‬

أين‭ ‬كنتم؟

اين‭ ‬كنتم‭ ‬عندما‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الدرامى‭ ‬المؤلم؟‭... ‬ولماذا‭ ‬التزمت‭ ‬الكثير‭ ‬منكم‭ ‬الصمت،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى،‭ ‬وطالب‭ ‬بضرورة‭ ‬تقديم‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬البناء؟

للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬انتقدوا‭ ‬المشهد‭ ‬الدرامى‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تغيره‭ ‬للأفضل؟

لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬رأيهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬رأيه،‭ ‬بل إن‭ ‬البعض‭ ‬كان‭ ‬يزايد،‭ ‬ويعلن‭ ‬أننا‭ ‬نقدم‭ ‬دراما،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬فى‭ ‬صورتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كذلك،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬العنف‭ ‬والحوار‭ ‬السيئ‭ ‬المبنى‭ ‬على‭ ‬مفردات‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬للواقع‭ ‬المصرى‭ ‬بأى‭ ‬صلة‭.‬

المصريون‭ ‬ليسوا‭ ‬بلطجية‭ ‬وليسوا‭ ‬تجار‭ ‬مخدرات‭ ‬والحارة‭ ‬المصرية‭ ‬طوال‭ ‬عمرها‭ ‬تقدم‭ ‬نماذج‭ ‬مشرفه‭ ‬للمجتمع‭ ‬وكان‭ ‬للحارة‭ ‬دور‭ ‬وطنى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬مصر،‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬المناضل‭ ‬والأديب‭ ‬والصحفى‭ ‬والطبيب‭ ‬والمهندس‭ ‬والعامل‭ ‬فى‭ ‬المصنع،‭ ‬حتى‭ ‬الفتوة‭ ‬كان‭ ‬شهمًا‭ ‬يساند‭ ‬المظلوم‭ ‬وليس‭ ‬بلطجيًا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الجبايه‭.‬

أتصور‭ ‬لو‭ ‬نصف‭ ‬عدد‭ ‬الأقلام‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬الدراما‭ ‬النظيفة،‭ ‬بعد‭ ‬كلام‭ ‬الرئيس‭ ‬ساندت‭ ‬الذى‭ ‬وقفوا‭ ‬ضد‭ ‬التيار،‭ ‬أتصور‭ ‬كان‭ ‬شكل‭ ‬الدراما‭ ‬اختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬الحال‭ ‬الذى‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬والذى‭ ‬جعل‭ ‬الرئيس‭ ‬المهموم‭ ‬بمشاكل‭ ‬سياسية‭ ‬تحيط‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬اتجاه،‭ ‬يلفت‭ ‬نظركم‭ ‬بأن‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬تقدم‭ ‬ليست‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬ينشدها‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬المصرية‭.‬‮  ‬

لماذا‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬المسلسل‭ ‬زمان‭ ‬وننساه‭ ‬الآن؟

فى‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فيه‭ ‬الفضائيات‭ ‬بعددها‭ ‬المهول،‭ ‬ولا‭ ‬الصحف‭ ‬التى‭ ‬تخدم‭ ‬على‭ ‬المسلسلات،‭ ‬ولا‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬التى‭ ‬تصنع‭ ‬نجومًا‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها،‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬تحتل‭ ‬مكانتها‭ ‬فى‭ ‬قلوب‭ ‬المشاهدين‭ ‬بعوامل‭ ‬أبسط،‭ ‬لكنها‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرًا‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬هاتف‭ ‬محمول‭ ‬ينبّه‭ ‬المشاهد‭ ‬برسائل‭ ‬تشتت‭ ‬انتباهه،‭ ‬ولا‭ ‬مواقع‭ ‬إلكترونية‭ ‬تغرقه‭ ‬فى‭ ‬سيل‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬والترندات،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬المسلسلات‭ ‬تعيش‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬الناس،‭ ‬تمتد‭ ‬آثارها‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال،‭ ‬وتترك‭ ‬بصمة‭ ‬لا‭ ‬تُمحى‭.‬

حضور‭ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬الإمكانيات

قديمًا،‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬بفضل‭ ‬حسن‭ ‬اختيار‭ ‬القضايا‭ ‬المطروحة،‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬التى‭ ‬تمسّ‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وهواجسهم‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬زخم‭ ‬إنتاجى،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬قيمة‭ ‬ورسالة‭. ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬مسئول‭ ‬أمام‭ ‬المشاهد،‭ ‬والمخرج‭ ‬يهتم‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬التى‭ ‬تجعل‭ ‬العمل‭ ‬متكاملًا،‭ ‬والممثل‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬موهبته‭ ‬وحدها‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬ستجعله‭ ‬نجمًا،‭ ‬لا‭ ‬عدد‭ ‬المتابعين‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬أو‭ ‬الحملات‭ ‬الترويجية‭ ‬الضخمة‭.‬

المسلسلات‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬الشهد‭ ‬والدموع،‭ ‬ليالى‭ ‬الحلمية،‭ ‬رأفت‭ ‬الهجان،‭ ‬أرابيسك،‭ ‬لن‭ ‬أعيش‭ ‬فى‭ ‬جلباب‭ ‬أبى‭ ‬وغيرها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬أعمال‭ ‬تُعرض‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭. ‬كنا‭ ‬نناقشها‭ ‬فى‭ ‬البيوت،‭ ‬وفى‭ ‬المدارس،‭ ‬وحتى‭ ‬فى‭ ‬المقاهى‭. ‬شخصياتها‭ ‬كانت‭ ‬حقيقية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا،‭ ‬نرتبط‭ ‬بها‭ ‬ونتأثر‭ ‬بأحداثها،‭ ‬بل‭ ‬أحيانًا‭ ‬نستلهم‭ ‬منها‭ ‬مواقف‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭.‬

إنتاج‭ ‬ضخم‭ ‬وذاكرة‭ ‬ضعيفة

اليوم،‭ ‬أصبح‭ ‬لدينا‭ ‬عشرات‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية،‭ ‬وعشرات‭ ‬المسلسلات‭ ‬التى‭ ‬تُنتج‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬نذكر‭ ‬تفاصيل‭ ‬مسلسل‭ ‬شاهدناه‭ ‬قبل‭ ‬شهر؟‭ ‬هل‭ ‬نرتبط‭ ‬بالشخصيات‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نفعل‭ ‬فى‭ ‬الماضي؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬أصبحت‭ ‬سلعة‭ ‬سريعة‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬تُعرض‭ ‬وتُنسى‭ ‬فور‭ ‬انتهاء‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وكأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭.‬

هناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬لهذا‭ ‬التغير،‭ ‬أولها‭ ‬التشابه‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬الأعمال،‭ ‬نفس‭ ‬التيمات،‭ ‬نفس‭ ‬الوجوه،‭ ‬نفس‭ ‬الأداء،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬مسلسل‭ ‬وآخر‭. ‬الجميع‭ ‬يريد‭ ‬البطولة،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬لدور‭ ‬ثانٍ،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الصناعة‭ ‬تخضع‭ ‬لحسابات‭ ‬السوق‭ ‬والتسويق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالمحتوى‭ ‬والقيمة‭ ‬الفنية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬سرعة‭ ‬العصر‭ ‬الحالى‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬فى‭ ‬ذلك،‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬الإشباع‭ ‬اللحظى،‭ ‬حيث‭ ‬المشاهد‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬مسلسل‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬بلمسة‭ ‬زر،‭ ‬ومن‭ ‬منصة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬العمل‭ ‬الوقت‭ ‬الكافى‭ ‬ليؤثر‭ ‬فيه‭. ‬ومع‭ ‬وجود‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬المشاهد‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬انتظار‭ ‬الحلقة‭ ‬التالية‭ ‬لمعرفة‭ ‬الأحداث،‭ ‬بل‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬ملخصات‭ ‬وتحليلات‭ ‬وفيديوهات‭ ‬تختصر‭ ‬له‭ ‬المسلسل‭ ‬بالكامل‭ ‬فى‭ ‬دقائق‭ ‬معدودة‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬العامل‭ ‬الاساسى‭ ‬وهو‭ ‬تراجع‭ ‬مستوى‭ ‬محتوى‭ ‬العمل‭.‬

كيف‭ ‬تستعيد‭ ‬مكانتها؟

إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬الدراما‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬جوهر‭ ‬الصناعة،‭ ‬أن‭ ‬نركز‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬الجيد‭ ‬الذى‭ ‬يحترم‭ ‬عقل‭ ‬المشاهد،‭ ‬أن‭ ‬نمنح‭ ‬الفرصة‭ ‬لمواهب‭ ‬حقيقية‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬المجاملات‭ ‬التى‭ ‬تفرز‭ ‬لنا‭ ‬وجوهًا‭ ‬بلا‭ ‬بصمة‭. ‬على‭ ‬المنتجين‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الناجح‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬تسويقًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬يبقى‭ ‬فى‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وأن‭ ‬الكمّ‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬الجودة‭.‬

الجمهور‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دراما‭ ‬تمسّ‭ ‬مشاعره،‭ ‬تحكى‭ ‬عن‭ ‬قضاياه‭ ‬الحقيقية،‭ ‬تثير‭ ‬فيه‭ ‬التفكير‭ ‬والتفاعل‭. ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أعمالًا‭ ‬تُنتج‭ ‬لمجرد‭ ‬ملء‭ ‬فراغ‭ ‬البث،‭ ‬بل‭ ‬نريد‭ ‬مسلسلات‭ ‬تعيد‭ ‬إلينا‭ ‬ذلك‭ ‬الشغف‭ ‬الذى‭ ‬كنا‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬ونحن‭ ‬ننتظر‭ ‬الحلقة‭ ‬التالية‭ ‬بشوق،‭ ‬ونناقشها‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وكأننا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أحداثها‭.‬

ربما‭ ‬لن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬البساطة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تميز‭ ‬الماضى،‭ ‬ولكننا‭ ‬بالتأكيد‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬دراما‭ ‬تعيش،‭ ‬لا‭ ‬دراما‭ ‬تُستهلك‭ ‬ثم‭ ‬تُنسى‭.‬

الصامتون‭ ‬عن‭ ‬الدراما‭ ‬السيئة

عندما‭ ‬تحدثتُ‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الدراما‭ ‬المؤلم،‭ ‬وعن‭ ‬انحدارها‭ ‬نحو‭ ‬تقديم‭ ‬العنف‭ ‬والتشوهات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬القدوة‭ ‬الحسنة،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يهاجم‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬وكان‭ ‬البعض‭ ‬يزايد‭ ‬ويؤكد‭ ‬أننا‭ ‬نقدم‭ ‬دراما‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬انعكاس‭ ‬لصورة‭ ‬مشوهة،‭ ‬مليئة‭ ‬بمشاهد‭ ‬العنف‭ ‬والإدمان‭ ‬والبلطجة،‭ ‬وكأن‭ ‬مصر‭ ‬كلها‭ ‬غارقة‭ ‬فى‭ ‬الجريمة‭ ‬والانحراف‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬وجه‭ ‬مصر‭ ‬الحقيقى،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬تربينا‭ ‬عليها،‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬تنقل‭ ‬صورة‭ ‬المجتمع‭ ‬بواقعية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنحدر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭. ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬حديث‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تقديم‭ ‬دراما‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬البناء،‭ ‬رأينا‭ ‬كثيرًا‭ ‬ممن‭ ‬كانوا‭ ‬صامتين‭ ‬أو‭ ‬مدافعين‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الانحراف‭ ‬الفنى‭ ‬يتحولون‭ ‬فجأة‭ ‬إلى‭ ‬دعاة‭ ‬للإصلاح‭ ‬الدرامى،‭ ‬وكأنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭.‬

موقفنا‭ ‬من‭ ‬الدراما‭ ‬لم‭ ‬يتغير

‭ ‬تبنيت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬الموقف‭ ‬المساند‭ ‬للدراما‭ ‬النظيفة،‭ ‬التى‭ ‬تقدم‭ ‬قدوة‭ ‬حسنة‭ ‬للمشاهد،‭ ‬وترسخ‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭. ‬كنتُ،‭ ‬وما‭ ‬زلتُ،‭ ‬أؤمن‭ ‬أن‭ ‬البطل‭ ‬الشعبى‭ ‬ليس‭ ‬مجرمًا‭ ‬أو‭ ‬تاجر‭ ‬مخدرات،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬الشخص‭ ‬الذى‭ ‬يساند‭ ‬الخير،‭ ‬ويقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المظلوم،‭ ‬ويجسد‭ ‬القيم‭ ‬الحقيقية‭ ‬التى‭ ‬نشأنا‭ ‬عليها‭.‬

لذلك،‭ ‬كنتُ‭ ‬دائمًا‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬قدمت‭ ‬صورة‭ ‬إيجابية‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى،‭ ‬خصوصًا‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬تناولت‭ ‬الحارة‭ ‬الشعبية‭ ‬وصعيد‭ ‬مصر،‭ ‬فقدمت‭ ‬لنا‭ ‬نماذج‭ ‬مشرفة،‭ ‬وكان‭ ‬أبطالها‭ ‬يجسدون‭ ‬الشهامة‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدل،‭ ‬وليس‭ ‬العنف‭ ‬والإجرام‭.‬

‮ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭.. ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬الحارة‭ ‬والصعيد‭ ‬رمزًا‭ ‬للنخوة‭ ‬والشهامة

إذا‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬قليلًا،‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬قدمت‭ ‬نماذج‭ ‬رائعة‭ ‬للحارة‭ ‬الشعبية‭ ‬والصعيد،‭ ‬وأبرزت‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬فيهما‭. ‬فقد‭ ‬رأينا‭ ‬فى‭ ‬مسلسلات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الوتد‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الأسرة‭ ‬المصرية،‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬الريف‭ ‬والصعيد،‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التماسك‭ ‬والترابط،‭ ‬وكانت‭ ‬الأم،‭ ‬مثل‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬فاطمة‭ ‬تعلبة‮»‬‭ ‬التى‭ ‬جسدتها‭ ‬هدى‭ ‬سلطان،‭ ‬رمزًا‭ ‬للحكمة‭ ‬والقوة‭ ‬فى‭ ‬آنٍ‭ ‬واحد‭.‬

وفى‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬العصر‮»‬،‭ ‬شاهدنا‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الحارة‭ ‬الشعبية‭ ‬رمزًا‭ ‬للنضال‭ ‬ضد‭ ‬الفساد‭ ‬والظلم،‭ ‬وقدمت‭ ‬شخصيات‭ ‬تنتمى‭ ‬للمجتمع‭ ‬بصدق،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬البلطجى‭ ‬التى‭ ‬صارت‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الدرامى‭ ‬الحالى‭.‬

أما‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬الضوء‭ ‬الشارد‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬أعطانا‭ ‬صورة‭ ‬رائعة‭ ‬عن‭ ‬الصعيد‭ ‬المصرى،‭ ‬حيث‭ ‬القيم‭ ‬الحقيقية‭ ‬مثل‭ ‬الشرف‭ ‬والكرامة‭ ‬والعزة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬المليئة‭ ‬بالثأر‭ ‬والدموية‭ ‬التى‭ ‬باتت‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الحديثة‭ ‬تروجها‭ ‬عن‭ ‬الصعيد‭.‬

وفى‭ ‬‮«‬ليالى‭ ‬الحلمية‮»‬،‭ ‬تابعنا‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬الحارة‭ ‬المصرية‭ ‬مليئة‭ ‬بشخصيات‭ ‬مؤثرة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬سليم‭ ‬البدرى‭ ‬إلى‭ ‬سيد‭ ‬كشرى،‭ ‬حيث‭ ‬قدم‭ ‬المسلسل‭ ‬نموذجًا‭ ‬واقعيًا‭ ‬لصراع‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬المبتذل،‭ ‬بل‭ ‬ناقش‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بعمق‭ ‬ورقى‭.‬

بل‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تناولت‭ ‬الدراما‭ ‬حياة‭ ‬الخارجين‭ ‬عن‭ ‬القانون،‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬‮«‬البشاير‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تمجّد‭ ‬المجرمين،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تقدمهم‭ ‬كنماذج‭ ‬سلبية‭ ‬يجب‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنها،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬دومًا‭ ‬خط‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬بين‭ ‬البطل‭ ‬الذى‭ ‬يجسد‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة،‭ ‬وبين‭ ‬المجرم‭ ‬الذى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬عقابه‭.‬

كيف‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬تشويه‭ ‬للمجتمع؟

مع‭ ‬الأسف،‭ ‬تراجعت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الإيجابية‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬نماذج‭ ‬مثل‭ ‬عبدالله‭ ‬وحمدى‭ ‬غيث،‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬مدبولى‭ ‬وفريد‭ ‬شوقى‭ ‬ونور‭ ‬الشريف‭ ‬ومحمود‭ ‬ياسين‭ ‬وحسين‭ ‬ومصطفى‭ ‬فهمى،‭ ‬ويحيى‭ ‬الفخرانى‭ ‬ومحمود‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ومديحة‭ ‬كامل‭ ‬وليلى‭ ‬علوى‭ ‬وإلهام‭ ‬شاهين‭ ‬وأحمد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬وعفاف‭ ‬شعيب‭ ‬وصلاح‭ ‬السعدنى‭ ‬صفية‭ ‬العمرى‭ ‬ومحسنة‭ ‬توفيق‭ ‬وحسن‭ ‬يوسف‭ ‬ويوسف‭ ‬شعبان‭ ‬وخالد‭ ‬زكى‭ ‬وماجدة‭ ‬زكى‭ ‬وعبدالحفيظ‭ ‬التطاوى‭ ‬ومحمد‭ ‬الدفراوى‭ ‬ومحمد‭ ‬توفيق‭ ‬ومحمد‭ ‬وفيق‭ ‬وجميل‭ ‬راتب‭ ‬ومحمد‭ ‬صبحى‭ ‬وسمية‭ ‬الالفى‭ ‬وفاروق‭ ‬الفيشاوى‭ ‬وأمينة‭ ‬رزق‭ ‬وعزيزة‭ ‬راشد‭ ‬وعزت‭ ‬العلايلى‭ ‬وفردوس‭ ‬عبدالحميد‭ ‬ونورا‭ ‬وتهانى‭ ‬راشد‭ ‬وكرم‭ ‬مطاوع‭ ‬وسهير‭ ‬المرشدى‭ ‬ومحمد‭ ‬شوقى‭ ‬وعايدة‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ومحمد‭ ‬رضا‭ ‬وفؤاد‭ ‬المهندس‭ ‬ومجدى‭ ‬وهبه‭ ‬وابراهيم‭ ‬سعفان‭ ‬وسيد‭ ‬عبدالكريم‭ ‬وسيد‭ ‬زيان‭ ‬والمنتصر‭ ‬بالله‭ ‬وحيد‭ ‬سيف‭ ‬ورشدى‭ ‬الشامى‭ ‬وصلاح‭ ‬قابيل‭ ‬محمود‭ ‬الجندى‭ ‬وحسن‭ ‬مصطفى‭ ‬وحسن‭ ‬عابدين‭ ‬وليلى‭ ‬طاهر‭ ‬وعمر‭ ‬الحريرى‭ ‬وعبدالعظيم‭ ‬عبدالحق‭ ‬واحمد‭ ‬سامى‭ ‬عبدالله‭ ‬وأحمد‭ ‬كمال‭ ‬وعايدة‭ ‬رياض‭ ‬وشريف‭ ‬منير‭ ‬ووائل‭ ‬نور‭ ‬القائمة‭ ‬تطول،‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬صورة‭ ‬أصيلة‭ ‬للحارة‭ ‬المصرية،‭ ‬أو‭ ‬الواقع‭ ‬المصرى‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬أصبحنا‭ ‬نشاهد‭ ‬مسلسلات‭ ‬تُظهر‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬فى‭ ‬الحارة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬إما‭ ‬تاجر‭ ‬مخدرات‭ ‬أو‭ ‬بلطجيًا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬تتناول‭ ‬الصعيد‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقدم‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تميزه،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬تركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والثأر،‭ ‬وكأن‭ ‬الصعيد‭ ‬المصرى‭ ‬مجرد‭ ‬ساحة‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سوى‭ ‬الدماء‭ ‬والانتقام‭.‬

لماذا‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نرى‭ ‬أعمالًا‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ذئاب‭ ‬الجبل‮»‬،‭ ‬التى‭ ‬قدمت‭ ‬صورة‭ ‬مشرفة‭ ‬للصعيد،‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أرابيسك‮»‬،‭ ‬التى‭ ‬جسدت‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬الشعبية‭ ‬برقي؟

الجواب‭ ‬ببساطة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬توجهًا‭ ‬غريبًا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬نحو‭ ‬تقديم‭ ‬العنف‭ ‬كجزء‭ ‬أساسى‭ ‬من‭ ‬الدراما،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬البطل‭ ‬الشعبى‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬الذى‭ ‬يفرض‭ ‬سيطرته‭ ‬بالقوة،‭ ‬ويعيش‭ ‬حياته‭ ‬بين‭ ‬المخدرات‭ ‬والسلاح‭ ‬والدماء،‭ ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬القدر‭ ‬المحتوم‭ ‬للمجتمع‭ ‬المصرى‭.‬

اليوم،‭ ‬بعد‭ ‬حديث‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى،‭ ‬بدأنا‭ ‬نسمع‭ ‬أصواتًا‭ ‬تنتقد‭ ‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬لكن‭ ‬أين‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬نحذر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات؟‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يدعموا‭ ‬الأصوات‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تنادى‭ ‬بضرورة‭ ‬عودة‭ ‬الدراما‭ ‬الهادفة،‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬ضد‭ ‬تيار‭ ‬الإسفاف‭ ‬والانحدار‭ ‬الأخلاقي؟

لو‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬الأقلام‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الدراما‭ ‬النظيفة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬دعمت‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬لربما‭ ‬كان‭ ‬شكل‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ولما‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الذى‭ ‬جعل‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬نفسه،‭ ‬رغم‭ ‬انشغاله‭ ‬بالقضايا‭ ‬السياسية‭ ‬الكبرى،‭ ‬يتدخل‭ ‬ليعيد‭ ‬توجيه‭ ‬البوصلة‭ ‬نحو‭ ‬الفن‭ ‬الهادف‭.‬

المسئولية‭ ‬مجتمعية

الفن‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ترفيه،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مسئولية‭ ‬مجتمعية‭ ‬وأداة‭ ‬قوية‭ ‬لتشكيل‭ ‬وعى‭ ‬الأجيال‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الدراما‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬القدوة،‭ ‬وتسهم‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬تدميره‭ ‬فكريًا‭ ‬وأخلاقيًا‭.‬

إننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للبطل‭ ‬الشعبى‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬الخير،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يجسد‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭. ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مسلسلات‭ ‬تعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬المصريين،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬دائمًا‭ ‬رمزًا‭ ‬للنخوة‭ ‬والشهامة‭ ‬والعزة،‭ ‬وليسوا‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬فى‭ ‬أيدى‭ ‬صناع‭ ‬المحتوى‭ ‬الردىء‭ ‬الذى‭ ‬يروج‭ ‬لصورة‭ ‬مغلوطة‭ ‬عنهم‭.‬

الدراما‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مشهد‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬انعكاس‭ ‬للواقع،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مرآة‭ ‬تعكس‭ ‬صورة‭ ‬مشرقة،‭ ‬أو‭ ‬تصبح‭ ‬أداة‭ ‬لتشويه‭ ‬المجتمع‭. ‬واليوم،‭ ‬بعد‭ ‬حديث‭ ‬الرئيس،‭ ‬الفرصة‭ ‬قائمة‭ ‬لإعادة‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬مسارها‭ ‬الصحيح،‭ ‬فهل‭ ‬نغتنمها‭ ‬أم‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬الصمت؟

الحارة‭ ‬المصرية‭ ‬طوال‭ ‬عمرها‭ ‬تقدم‭ ‬نماذج‭ ‬مشرفه‭ ‬للمجتمع‭ ‬وكان‭ ‬للحارة‭ ‬دور‭ ‬وطنى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬مصر،‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬المناضل‭ ‬والأديب‭ ‬والصحفى‭ ‬والطبيب‭ ‬والمهندس‭ ‬والعامل‭ ‬فى‭ ‬المصنع،‭ ‬حتى‭ ‬الفتوة‭ ‬كان‭ ‬شهم‭ ‬يساند‭ ‬المظلوم‭ ‬وليس‭ ‬بلطجى‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الجبايه‭.‬

العنف‭. ‬متى‭ ‬تجاوزت‭ ‬الحارة‭ ‬خطوطها‭ ‬الحمراء؟

لم‭ ‬تكن‭ ‬الحارة‭ ‬المصرية‭ ‬يومًا‭ ‬مجرد‭ ‬بيوت‭ ‬متراصة‭ ‬وأزقة‭ ‬ضيقة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬دائمًا‭ ‬رمزًا‭ ‬للقيم‭ ‬والعادات‭ ‬التى‭ ‬شكلت‭ ‬وجدان‭ ‬المجتمع‭. ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬عقود،‭ ‬قدمت‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬صورة‭ ‬لهذه‭ ‬الحارة،‭ ‬حيث‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬يتصارعان،‭ ‬لكن‭ ‬بحدود‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬الإنسانية‭.‬

اليوم،‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬مشاهد‭ ‬صادمة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مألوفة‭ ‬فى‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬شخص‭ ‬ينتقم‭ ‬بإحراق‭ ‬آخر‭ ‬حيًّا،‭ ‬وأم‭ ‬تدفع‭ ‬ابنها‭ ‬ليكون‭ ‬بلطجيًّا،‭ ‬ورجل‭ ‬يجبر‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬ارتداء‭ ‬ملابس‭ ‬نسائية‭ ‬للإذلال‭. ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬درامية،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬سردية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الصدمة‭ ‬قبل‭ ‬أى‭ ‬شىء‭ ‬آخر‭.‬

الدراما‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬انعكاس‭ ‬للواقع،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬أداة‭ ‬تشكيل‭ ‬وعى‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬والجريمة‭ ‬موجودان‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬لكن‭ ‬تقديمهما‭ ‬بهذه‭ ‬القسوة،‭ ‬وبدون‭ ‬أى‭ ‬طرح‭ ‬عميق‭ ‬للمعالجة،‭ ‬يخلق‭ ‬تطبيعًا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬تحريضًا‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬تقليدها‭.‬

فى‭ ‬الماضى،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الحارة‭ ‬المصرية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تحتكم‭ ‬لقيم‭ ‬العدل‭ ‬والنخوة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الشخصيات‭ ‬السلبية‭ ‬لها‭ ‬دوافع‭ ‬واضحة،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تنال‭ ‬جزاءها‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فهناك‭ ‬اتجاه‭ ‬متزايد‭ ‬لجعل‭ ‬العنف‭ ‬والعشوائية‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة،‭ ‬وكأنها‭ ‬الخيار‭ ‬الوحيد‭ ‬للنجاح‭ ‬أو‭ ‬البقاء‭.‬

المسئولية‭ ‬هنا‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬صناع‭ ‬الدراما،‭ ‬الذين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬أعمالهم‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المشاهدة،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬ليشكل‭ ‬وجدان‭ ‬أجيال‭. ‬الحارة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬موقع‭ ‬تصوير،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬المجتمع،‭ ‬وعلينا‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬صورتها‭ ‬المتوازنة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المبالغات‭ ‬التى‭ ‬تقتل‭ ‬روحها‭ ‬الحقيقية‭.‬

قوة‭ ‬مصر‭ ‬الناعمة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تُقهر

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬والأغنية‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لمصر،‭ ‬حيث‭ ‬نجحتا‭ ‬فى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الوجدان‭ ‬العربى،‭ ‬وتشكيل‭ ‬الوعى‭ ‬الجمعى‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭. ‬فمنذ‭ ‬عقود‭ ‬أسهمت‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬نقل‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬بل‭ ‬وخلق‭ ‬حوارات‭ ‬ثقافية‭ ‬ممتدة‭ ‬تجاوزت‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭.‬

المسلسلات‭ ‬المصرية،‭ ‬بأعمالها‭ ‬الخالدة‭ ‬مثل‭ ‬ليالى‭ ‬الحلمية‭ ‬ورأفت‭ ‬الهجان،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬ترفيه،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬انعكاسًا‭ ‬للتحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية،‭ ‬مما‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬دورها‭ ‬كجسر‭ ‬للتواصل‭ ‬الثقافى‭. ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬تحظى‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬بمكانة‭ ‬متقدمة‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى،‭ ‬رغم‭ ‬المنافسة‭ ‬المتزايدة‭ ‬من‭ ‬صناعات‭ ‬أخرى‭. ‬أما‭ ‬الأغنية،‭ ‬فهى‭ ‬صوت‭ ‬مصر‭ ‬الذى‭ ‬عبر‭ ‬الأزمان،‭ ‬فقد‭ ‬حملت‭ ‬كلمات‭ ‬نزار‭ ‬قبانى،‭ ‬وألحان‭ ‬بليغ‭ ‬حمدى،‭ ‬وصوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬رسائل‭ ‬الحب‭ ‬والانتماء،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬السياسة‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأغنية‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬ترفيه،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أداة‭ ‬لبناء‭ ‬الوعى،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الهوية‭ ‬القومية،‭ ‬وتجسيد‭ ‬مشاعر‭ ‬الشعوب‭ ‬فى‭ ‬لحظات‭ ‬الانتصار‭ ‬والانكسار‭.‬

من‭ ‬الخطأ‭ ‬أن‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬الدراما‭ ‬والأغنية‭ ‬على‭ ‬أنهما‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬ترفيهية،‭ ‬فهما‭ ‬يمثلان‭ ‬قوة‭ ‬ثقافية‭ ‬مؤثرة،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬العقول،‭ ‬وترسيخ‭ ‬القيم،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬مصر‭ ‬عربيًا‭ ‬ودوليًا‭. ‬لذلك،‭ ‬من‭ ‬الضرورى‭ ‬التعامل‭ ‬معهما‭ ‬كصناعة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬تستحق‭ ‬التخطيط‭ ‬والدعم،‭ ‬لضمان‭ ‬استمرار‭ ‬تأثيرهما‭ ‬الإيجابى،‭ ‬وحماية‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬المصرية‭ ‬وسط‭ ‬المتغيرات‭ ‬العالمية‭.‬

استعادة‭ ‬الريادة‭ ‬فى‭ ‬تصدير‭ ‬الدراما‭ ‬العربية

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬رائدة‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى،‭ ‬حيث‭ ‬شكلت‭ ‬وجدان‭ ‬المشاهدين‭ ‬واحتلت‭ ‬شاشات‭ ‬التليفزيون‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭. ‬كانت‭ ‬المسلسلات‭ ‬المصرية‭ ‬تُباع‭ ‬للقنوات‭ ‬العربية‭ ‬بأسعار‭ ‬مرتفعة،‭ ‬مما‭ ‬وفر‭ ‬دخلًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وأسهم‭ ‬فى‭ ‬تعزيز‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬لمصر‭. ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تراجع‭ ‬هذا‭ ‬التفوق،‭ ‬وأصبحت‭ ‬المنافسة‭ ‬أكثر‭ ‬شراسة‭ ‬من‭ ‬إنتاجات‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬حصتنا‭ ‬فى‭ ‬سوق‭ ‬الدراما‭.‬

أسباب‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬متعددة،‭ ‬منها‭ ‬غياب‭ ‬التنوع‭ ‬فى‭ ‬الموضوعات،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬أنماط‭ ‬مكررة‭ ‬من‭ ‬الحكايات،‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الإنتاج‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬الجودة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتسويق‭ ‬الدولى‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬منصات‭ ‬البث‭ ‬العالمية‭ ‬غيرت‭ ‬معايير‭ ‬المشاهدة،‭ ‬وأصبح‭ ‬الجمهور‭ ‬العربى‭ ‬ينجذب‭ ‬إلى‭ ‬إنتاجات‭ ‬أجنبية‭ ‬ذات‭ ‬جودة‭ ‬مرتفعة،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬علينا‭ ‬تطوير‭ ‬أدواتنا‭ ‬لمواكبة‭ ‬العصر‭.‬

لإعادة‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬مكانتها،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬تشمل‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالنصوص‭ ‬القوية،‭ ‬والاستعانة‭ ‬بمخرجين‭ ‬لديهم‭ ‬رؤية‭ ‬إبداعية،‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬الإنتاجات‭ ‬التاريخية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬علامة‭ ‬مميزة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬العالمية‭ ‬والتسويق‭ ‬المدروس‭ ‬للأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬سيضمن‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬جمهور‭ ‬أوسع،‭ ‬واستعادة‭ ‬مكانتنا‭ ‬كرواد‭ ‬لهذه‭ ‬الصناعة‭.‬

‮ ‬صناعة‭ ‬الدراما‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ترفيه،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬استثمار‭ ‬استراتيجى‭ ‬فى‭ ‬الهوية‭ ‬والثقافة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وإذا‭ ‬أعدنا‭ ‬إحياء‭ ‬روح‭ ‬الإبداع‭ ‬والجودة،‭ ‬فسنتمكن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬تصدير‭ ‬أعمالنا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬عربى،‭ ‬واستعادة‭ ‬المكانة‭ ‬التى‭ ‬نستحقهو‭ ‬هنا‭ ‬يفرض‭ ‬السؤال‭ ‬نفسه‭..‬

هل‭ ‬الأمر‭ ‬يحتاج‭ ‬لجان‭ ‬لتصحيح‭ ‬المسار؟

مسلسلات‭ ‬البلطجة‭ ‬والسرسجة‭... ‬متى‭ ‬ينتهى‭ ‬هذا‭ ‬العبث؟

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬لجان‭ ‬مطولة‭ ‬أو‭ ‬مؤتمرات‭ ‬مستفيضة‭ ‬تستهلك‭ ‬الوقت‭ ‬والمال،‭ ‬فالمشكلة‭ ‬واضحة‭ ‬والحل‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭. ‬ظاهرة‭ ‬مسلسلات‭ ‬البلطجة‭ ‬والسرسجة‭ ‬تفشت‭ ‬فى‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬تهدد‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭ ‬وتساهم‭ ‬فى‭ ‬تطبيع‭ ‬العنف‭ ‬والانحراف‭ ‬الأخلاقى‭ ‬لدى‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭.‬

ما‭ ‬الذى‭ ‬يمنع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬صارم‭ ‬بوقف‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬فورًا؟‮ ‬

إن‭ ‬تأثير‭ ‬الدراما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستهانة‭ ‬به،‭ ‬فهى‭ ‬مرآة‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع،‭ ‬لكنها‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تغييره‭ ‬وتوجيهه‭. ‬وحين‭ ‬تتحول‭ ‬الشاشة‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬تمجيد‭ ‬للبلطجة،‭ ‬وتقديم‭ ‬‮«‬الفتوة‭ ‬المزيفة‮»‬‭ ‬كقدوة‭ ‬للشباب،‭ ‬فإننا‭ ‬أمام‭ ‬كارثة‭ ‬ثقافية‭ ‬يجب‭ ‬التصدى‭ ‬لها‭ ‬بكل‭ ‬حزم‭.‬

الواقع

لسنا‭ ‬ضد‭ ‬تقديم‭ ‬الواقع،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬مجتمعية‭ ‬بهدف‭ ‬معالجتها،‭ ‬وبين‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬باعتبارها‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬جذابًا‭. ‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬درامية‭ ‬راقية‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬الجماهيرى‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ألفاظ‭ ‬خارجة‭ ‬أو‭ ‬مشاهد‭ ‬عنف‭.‬

المطلوب‭ ‬ببساطة‭ ‬تدخل‭ ‬حاسم،‭ ‬قرارات‭ ‬قوية،‭ ‬وتوجيه‭ ‬الدراما‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬المجتمع،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يهدمه‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬المنتجين‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬سوى‭ ‬الأرباح،‭ ‬فإن‭ ‬الدولة‭ ‬والإعلام‭ ‬الواعى‭ ‬عليهما‭ ‬فرض‭ ‬معايير‭ ‬تضمن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفن‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬القيم‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.‬

غضب‭ ‬النقابات‮ ‬

طالما‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬قد‭ ‬صدر‭ ‬وأصبحت‭ ‬هناك‭ ‬لجنة‭ ‬للدراما،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬النقابات‭ ‬الفنية‭ ‬أن‭ ‬تُبدى‭ ‬غضبها‭ ‬واستياءها،‭ ‬فهى‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬كيانات‭ ‬رمزية،‭ ‬بل‭ ‬تمثل‭ ‬الصوت‭ ‬الشرعى‭ ‬والوحيد‭ ‬للفنانين‭ ‬المصريين،‭ ‬وتحمل‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭ ‬ومصالحهم،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بمكانتهم‭ ‬أو‭ ‬تجاهل‭ ‬دورهم‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أعمدة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬المصرية‭.‬

إن‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬للدراما‭ ‬دون‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬النقابات‭ ‬الفنية‭ ‬يُعد‭ ‬تجاوزًا‭ ‬واضحًا‭ ‬لمبدأ‭ ‬الشراكة،‭ ‬ويطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬حول‭ ‬أهداف‭ ‬اللجنة‭ ‬وآليات‭ ‬عملها‭ ‬ومدى‭ ‬ارتباطها‭ ‬بمصالح‭ ‬صُنّاع‭ ‬الدراما‭ ‬الحقيقية‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬تخص‭ ‬مستقبل‭ ‬الفن‭ ‬المصرى‭ ‬دون‭ ‬إشراك‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة؟‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬الحق‭ ‬فى‭ ‬التقييم،‭ ‬والتوجيه،‭ ‬وحتى‭ ‬الرقابة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬النقابات‭ ‬التى‭ ‬تضم‭ ‬أبرز‭ ‬الفنانين‭ ‬والكتّاب‭ ‬والمخرجين؟

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الاستعانة‭ ‬ببعض‭ ‬أساتذة‭ ‬الجامعات‭ ‬فى‭ ‬مجالى‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬تبدو‭ ‬خطوة‭ ‬مفهومة‭ ‬فى‭ ‬سياقات‭ ‬بحثية‭ ‬أو‭ ‬أكاديمية،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬صناعة‭ ‬الدراما‭. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نُعد‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬ورقة‭ ‬تحليلية،‭ ‬بل‭ ‬نصنع‭ ‬عملًا‭ ‬فنيًا‭ ‬يحمل‭ ‬رسالة‭ ‬إنسانية‭ ‬وجمالية،‭ ‬يخاطب‭ ‬المشاعر‭ ‬قبل‭ ‬العقول،‭ ‬ويُبنى‭ ‬على‭ ‬الخيال‭ ‬والبُعد‭ ‬الدرامى‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬النظريات‭ ‬والتصنيفات‭ ‬العلمية‭.‬

ما‭ ‬العلاقة‭ ‬المباشرة‭ ‬بين‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬وصياغة‭ ‬المشهد‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬الدرامية؟‭ ‬الفارق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬بحثًا‭ ‬علميًا‭ ‬عن‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يخلق‭ ‬شخصية‭ ‬درامية‭ ‬تتنفس‭ ‬وتتحرك‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭. ‬أفهم‭ ‬تمامًا‭ ‬وجود‭ ‬كاتب‭ ‬سيناريو‭ ‬ضمن‭ ‬لجنة‭ ‬الدراما،‭ ‬فهذا‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬العمل‭ ‬الفنى،‭ ‬لكن‭ ‬إدخال‭ ‬عناصر‭ ‬أكاديمية‭ ‬بحتة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التكوين‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬الدور‭ ‬المنتظر‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬نصنع‭ ‬دراما،‭ ‬أم‭ ‬نُجرى‭ ‬تحليلًا‭ ‬نفسيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬للنصوص؟

نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬لجنة‭ ‬دراما،‭ ‬نعم،‭ ‬لكننا‭ ‬بحاجة‭ ‬أكبر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬انعكاسًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬لرؤية‭ ‬العاملين‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬إدارية‭ ‬تفرض‭ ‬وصايتها‭ ‬من‭ ‬أعلى‭. ‬فالفن‭ ‬لا‭ ‬يُدار‭ ‬بقرارات‭ ‬فوقية،‭ ‬بل‭ ‬يُبنى‭ ‬بالحوار،‭ ‬والمشاركة،‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬ومبدعيها‭.‬

لقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لتصحيح‭ ‬المسار،‭ ‬والبدء‭ ‬بخطوات‭ ‬تشاركية‭ ‬حقيقية‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬الفنان‭ ‬مكانته،‭ ‬وتمنح‭ ‬النقابات‭ ‬دورها‭ ‬الطبيعى‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬مستقبل‭ ‬الدراما‭ ‬المصرية،‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬التى‭ ‬لطالما‭ ‬صنعت‭ ‬وعى‭ ‬الأجيال‭ ‬وشكلت‭ ‬وجدان‭ ‬الأمة‭.‬

أقولها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الدراما‭ ‬لا‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬مكاتب‭ ‬المسئولين،‭ ‬بل‭ ‬تُصنع‭ ‬فى‭ ‬عقول‭ ‬المبدعين‭. ‬فإن‭ ‬أردنا‭ ‬فعلًا‭ ‬نهضة‭ ‬درامية،‭ ‬فلنبدأ‭ ‬من‭ ‬هنا‭: ‬نُنفذ‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الرئيس،‭ ‬ونستعين‭ ‬بأهل‭ ‬الفن،‭ ‬ونترك‭ ‬للدراما‭ ‬أن‭ ‬تتنفس‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬دون‭ ‬لجان‭... ‬ودون‭ ‬‮«‬بصمات‭ ‬إدارية‮»‬‭ ‬تخنقها‭ ‬باسم‮«‬الإصلاح‮»‬‭.‬

منذ‭ ‬متى‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬تُصلح‭ ‬بالمؤتمرات‭ ‬واللجان‭ ‬و‮«‬الموائد‭ ‬المستديرة»؟‭! ‬ومنذ‭ ‬متى‭ ‬احتاج‭ ‬الإبداع‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬بيروقراطية‭ ‬أو‭ ‬توصيات‭ ‬إنشائية؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬البعض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬هى‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬الدراما‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬ليست‭ ‬فى‭ ‬‮«‬المنتج‭ ‬الفنى‮»‬‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬‮«‬القرار‭ ‬الإدارى‮»‬،‭ ‬وفى‭ ‬إصرار‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬دون‭ ‬فهم،‭ ‬أو‭ ‬–‭ ‬فى‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬–‭ ‬دون‭ ‬امتلاك‭ ‬رؤية‭ ‬فنية‭.‬

‮ ‬طالبت‭ ‬–‭ ‬وسأظل‭ ‬أطالب‭ ‬–‭ ‬بأن‭ ‬تُترك‭ ‬الدراما‭ ‬لأهلها‭. ‬وطالبت‭ ‬مبكرًا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬إليه‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬إنتاج‭ ‬دراما‭ ‬نظيفة،‭ ‬راقية،‭ ‬تحترم‭ ‬القيم،‭ ‬وتقدم‭ ‬القدوة،‭ ‬دون‭ ‬عنف‭ ‬فجّ‭ ‬أو‭ ‬ألفاظ‭ ‬مبتذلة‭. ‬لكن،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التنفيذ،‭ ‬فوجئنا‭ ‬بمن‭ ‬يقرر‭ ‬تشكيل‭ ‬لجان‭ ‬وفتح‭ ‬نقاشات‭ ‬مطوّلة‭ ‬حول‭ ‬أمور‭ ‬محسومة‭ ‬وواضحة‭. ‬هل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬لجنة‭ ‬لتفهم‭ ‬أن‭ ‬مشهد‭ ‬البلطجى‭ ‬لا‭ ‬يُخرج‭ ‬جيلًا‭ ‬محترمًا؟‭ ‬هل‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬كى‭ ‬نقرر‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ألفاظ‭ ‬السوقة‭ ‬تصلح‭ ‬لأن‭ ‬تُقال‭ ‬فى‭ ‬بيوت‭ ‬المصريين؟‭!‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬سلمنا‭ ‬–‭ ‬جدلًا‭ ‬–‭ ‬بمنطق‭ ‬تشكيل‭ ‬اللجان،‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يرأسها‭ ‬فنان‭ ‬كبير‭ ‬له‭ ‬تجربة‭ ‬حقيقية‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الدراما،‭ ‬وأن‭ ‬تضم‭ ‬بين‭ ‬أعضائها‭ ‬كتّاب‭ ‬سيناريو،‭ ‬وممثلين،‭ ‬ومخرجين،‭ ‬ومؤلفى‭ ‬موسيقى‭ ‬تصويرية،‭ ‬ونقادًا‭ ‬حقيقيين‭ ‬لهم‭ ‬رأى‭ ‬ورؤية‭. ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬مغلقة‭ ‬على‭ ‬‮«‬شِلة‮»‬‭ ‬واحدة،‭ ‬تُعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الفشل‭ ‬نفسه،‭ ‬وتقصى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬موقفًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬أو‭ ‬فكرًا‭ ‬مستقلًا‭.‬

الرئيس‭ ‬تحدث‭ ‬بوضوح،‭ ‬وحدد‭ ‬الهدف‭: ‬دراما‭ ‬تحترم‭ ‬عقل‭ ‬المشاهد،‭ ‬وتراعى‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتقدم‭ ‬النموذج‭ ‬الإيجابى‭ ‬لا‭ ‬المشوه‭. ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬أوضح‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬فلماذا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬اللف‭ ‬والدوران»؟‭ ‬لماذا‭ ‬نعقد‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬سيناريوهات‭ ‬حقيقية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المجتمع؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬الروح‭ ‬التى‭ ‬أنتجت‭ ‬‮«‬ليالى‭ ‬الحلمية‮»‬‭ ‬و«المال‭ ‬والبنون‮»‬‭ ‬و«ضمير‭ ‬أبلة‭ ‬حكمت»؟‭ ‬أعمال‭ ‬حفرت‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭ ‬دون‭ ‬ابتذال‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭.‬

الدراما‭ ‬المصرية‭ ‬ليست‭ ‬فقيرة،‭ ‬بل‭ ‬تعجّ‭ ‬بالمبدعين‭. ‬لدينا‭ ‬كتّاب،‭ ‬ومخرجون،‭ ‬وممثلون‭ ‬يعرفون‭ ‬تمامًا‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬دراما‭ ‬وطنية‮»‬‭ ‬وما‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬فنى‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬–‭ ‬للأسف‭ ‬–‭ ‬مستبعدون‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬بينما‭ ‬يتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بالفن‭ ‬ولا‭ ‬بالرسالة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬الكارثة‭.‬

فالمطلوب‭ ‬الآن‭ ‬ليس‭ ‬لجانًا‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬قرارات‭ ‬جريئة‭. ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬تمكين‭ ‬الفنان‭ ‬الحقيقى،‭ ‬وإزاحة‭ ‬المتسلق،‭ ‬وعودة‭ ‬الكتابة‭ ‬الجادة،‭ ‬والحوار‭ ‬الراقى،‭ ‬والرسالة‭ ‬الواضحة‭. ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬نكفّ‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬أعمال‭ ‬لا‭ ‬همّ‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬الترند‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬نوقف‭ ‬سيل‭ ‬المسلسلات‭ ‬التى‭ ‬تُخرج‭ ‬البلطجى‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬البطل،‭ ‬وتُبرر‭ ‬الانحراف‭ ‬وكأنه‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬شخصية‮»‬‭.‬

أقولها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الدراما‭ ‬لا‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬مكاتب‭ ‬المسئولين،‭ ‬بل‭ ‬تُصنع‭ ‬فى‭ ‬عقول‭ ‬المبدعين‭. ‬فإن‭ ‬أردنا‭ ‬فعلًا‭ ‬نهضة‭ ‬درامية،‭ ‬فلنبدأ‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬نُنفذ‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الرئيس،‭ ‬ونستعين‭ ‬بأهل‭ ‬الفن،‭ ‬ونترك‭ ‬للدراما‭ ‬أن‭ ‬تتنفس‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬دون‭ ‬لجان‭... ‬ودون‭ ‬‮«‬بصمات‭ ‬إدارية‮»‬‭ ‬تخنقها‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الإصلاح‮»

‬‭