رئيس جامعة الأزهر: التغريب والتغييب جريمتان في حق الأجيال.. والنجاة بالعودة للأصالة

قال الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، في كلمته الافتتاحية خلال المؤتمر السادس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية، أن التغريب والتغييب يمثلان جريمتين فكريتين تهددان الهوية العربية والإسلامية، مشددًا على أن النجاة تكمن في العودة إلى الجذور الأصيلة للتراث والفكر الإسلامي.
وأوضح داود أن المؤتمر يحمل عنوانًا مهمًا وضروريًا في زمن تتعرض فيه ثقافتنا لمحاولات مستمرة للطمس والتشويه، وهو: "التغريب في العلوم العربية والإسلامية: المظاهر، الأسباب، سبل المواجهة".
وأشاد بحسن اختيار كلية الدراسات الإسلامية والعربية لهذا العنوان، الذي يعكس وعيًا عميقًا بقضية مركزية تواجه الأمة.
واستشهد رئيس الجامعة بقصة الدكتور زكي نجيب محمود، الذي عندما سافر إلى أوروبا وانبهر بما وصلت إليه من تقدم، ألّف كتابًا أسماه "شروق من الغرب"، لكنه ما لبث أن عاد إلى مصر، فقرأ تراثها الحضاري واطّلع على كنوز الحضارة العربية والإسلامية، فاندهش بما فيها من عمق ومعالم نهوض، مما دفعه للعودة إلى الجذور بعد أن غُيّب عنها.
وقال داود: "لقد حصل افتتان بالحضارة الغربية، رغم أن في حضارتنا أنوارًا وكنوزًا لا تُطفأ، ومهما مر الزمن، تبقى ثابتة. وكما قال الإمام عبد القاهر الجرجاني: إن لم يكن هذا جدي، فهو تعب أبي وجدي".
وأضاف: "إني على يقين أن فساد الحياة الفكرية يعود إلى أمرين: التغريب والتغييب، وهما وجهان لعملة واحدة. فالتغريب هو الافتتان بالغرب، ليس فقط في علومه، بل حتى في مأكله ومشربه وملبسه، وما تبعه من انفلات أخلاقي وسلوكي. أما التغييب، فهو تغييب فكرنا وتراثنا عن أجيالنا الناشئة، مما أفرغهم من هويتهم، وأضعف صلتهم بدينهم وثقافتهم".
وأوضح أن التغريب أدى إلى تغييب التراث، فتكونت أجيال لا تعرف نحوًا ولا فقهًا ولا أدبًا. واستنكر ما آل إليه حال بعض المؤلفات الحديثة التي تدّعي التجديد، في حين أنها تُكتب بلغة لا تُفهم، وتُدرّس بمصطلحات لا علاقة لها بجذور العلم، مؤكدًا أنه فتح كتابًا حديثًا في البلاغة فلم يفهم حتى الصفحة الأولى، رغم كونه متخصصًا.
ووجه الدكتور داود نقدًا لاذعًا لبعض دعاوى التجديد التي تُبنى على هدم الثوابت، مشبهًا إياها بـ"التقدم إلى الخلف"، كما قال الأخفش قديمًا. وأضاف: "رحم الله شيخنا الدكتور محمد حسن جبل، الذي كان يدعو إلى العودة إلى الأصالة لا الانبهار بالتغريب".
وفي ختام كلمته، دعا رئيس جامعة الأزهر إلى أن يكون التصدي لرياح التغريب الهوجاء عبر العودة إلى التراث، والاستمساك بالأصالة، والبناء على ما تركه الأوائل من علماء الأمة الذين صنعوا مجدها ورفعوا رايتها بين الأمم.