"لا تخف وكن ككليم الله.. تعلم الثقة من قصة موسى عليه السلام

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الثقة بالله سبحانه وتعالى ركيزة أساسية في إيمان المسلم، وهي صِلة وثيقة بين العبد وربه، تجعل المؤمن يتيقن بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأنه سبحانه فعالٌ لما يريد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقال جمعة، في حديث إيماني مؤثر عبر صفحته الرسمية على موقع الفيسبوك، إن القرآن الكريم نزل هدايةً للعالمين إلى يوم الدين، محذرًا من أن يدخل الشك إلى قلب المؤمن في وعد الله ونصره، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾، وقوله: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
قصة موسى.. نموذج القوة والخوف والإيمان
وأوضح مفتي الجمهورية السابق أن قصة سيدنا موسى عليه السلام نالت حيزًا كبيرًا من الذكر في القرآن الكريم لما فيها من عِبَر وحِكَم تُصلح حياة الأفراد والمجتمعات، خاصة أنها تُبرز معاني الثقة بالله في أشد المواقف صعوبة.
وبيَّن أن موسى كان يتمتع بقوة جسدية هائلة، كما في قوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾، وهي "وكزة" واحدة أودت بحياة الرجل، مما يدل على شدته. لكنه، رغم هذه القوة، كان يشعر بالخوف في مراحل مختلفة من حياته، منها:
بعد القتل: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾
عند خروجه من المدينة: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾
عندما أُمر بمواجهة فرعون: ﴿إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾
وعند مواجهة السحرة: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى﴾
"لا تخف".. وعد رباني دائم
وأضاف جمعة أن موسى عليه السلام خاف رغم كونه "كليم الله"، وهذا يعني أن الخوف لا ينافي الإيمان، بل يدفع المؤمن إلى مزيد من التوكل، فالله طمأنه في لحظة المواجهة بقوله: ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى﴾.
وأشار إلى أن القرآن الكريم أقرَّ قاعدة راسخة تُورث الطمأنينة في قلب كل مؤمن، فقال تعالى:
﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾،
وهي آية تؤكد أن التمكين الدنيوي للظالمين لا يعني رضا الله عنهم، بل قد يكون استدراجًا، والله قادر على إزالة جبروتهم في لحظة.
عامل لله.. وثق بأنك لست وحدك
واختتم جمعة حديثه برسالة إيمانية للمؤمنين قائلاً:"وإن وقع الخوف في قلبك، فلا تيأس، فقد خاف موسى وهو كليم الله. فكن ككليم الله موسى في الثقة والتصديق بأمر الله، ولا تخف. اجعل حياتك لله: هو مقصودك.. وناصرك.. واعتمادك.. وذكرك.. وتوجهك، حتى لو لم يكن معك أحد."
واستشهد بحديث نبوي يشير إلى أن النبي قد يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، وربما ليس معه أحد، لكنه عمل لله وحده، وهو ما يجب أن يتحلى به المسلم: العمل بإخلاص، والثقة في وعد الله، وانتظار نصره حتى لو تأخر في نظر الناس.