تأملات
ما أقوله فى هذه السطور ليس سوى تأكيد لفكرة قائمة وليس ابتكارا لها، وهى فكرة ربما يتفق عليها كل من يتابع تطورات الحرب فى غزة منذ وصول الرئيس الأمريكى ترامب إلى الحكم فى يناير الماضى. باختصار لم يعد الموضوع قضم غزة وتهجير سكانها فى خطوة على طريق تصفية القضية الفلسطينية وإنما أصبحت غزة مجرد خطوة أصغر فى مخطط أمريكى إسرائيلى أشمل يستهدف تغيير الشرق الأوسط والعالم.
وإذا كان من الصعب الفصل بين الأهداف الأمريكية والإسرائيلية فى ضوء التداخل الشديد بينهما، فإن الجانب الأول وهو تغيير الشرق الأوسط يصب فى خدمة مصالح إسرائيل بالأساس، فيما يصب تغيير العالم فى مصلحة الولايات المتحدة.
لقد وسّع فوز ترامب دائرة الطموحات الإسرائيلية، فى ضوء التلجيم الذى كانت تفرضه إدارة بايدن رغم كل التحفظات عليها. بعبارة أخرى فتح شهية تل أبيب لمزيد من الهيمنة والسيطرة وعدم الاكتفاء بالهدف المتعلق بالقضاء على حماس والمقاومة فى غزة، على طريق إخضاع القطاع بالكامل حيث أصبح نتنياهو يعلن دون مواربة سعيه للتهجير الطوعى لسكان غزة وفق «خطة ترامب»!
وفى محاولة لتوسيع نطاق الأهداف الإسرائيلية لا يمكن تجاهل عملياتها فى لبنان والتى تمثل نوعا من التحرش به فى ضوء ضعف قدرات حزب الله، وكذلك استغلال تطورات الأوضاع فى سوريا لمزيد من أضعافها. وربما يأتى فى إطار تنسيق الأدوار قيام الولايات المتحدة بالنيابة بشن غارات مكثفة على الحوثيين للقضاء على التهديد الذى كانوا يمثلونه لإسرائيل.
فى المحصلة تسعى تل أبيب لتوسيع دائرة سيطرتها دون توقف ويأتى استكمالا لهذا الجانب تحريضها واشنطن على إيران، الأمر الذى ينذر بمواجهة يمكن لها أن تغير فعلا شكل الشرق الأوسط، أيا كانت نتيجة المواجهة سواء بخضوع طهران لإملاءات ترامب بشأن قدراتها النووية أو حتى عمليات عسكرية ستكون إيران الخاسرة فيها بعيدا عن حجم الأضرار التى تستطيع أن تلحقها بالولايات المتحدة أو إسرائيل أو حتى حلفاء واشنطن فى المنطقة.
يتوازى مع هذا المخطط الشرق أوسطى، مساعى ترامب لطرح أجندة مختلفة تماما للسياسة والاقتصاد الدوليين بهدف استعادة هيمنة بلاده مرة ثانية على مقدرات النظام الدولى، وهو ما يبدو فى المساعى الأخطبوطية لفرض تعريفات جمركية على قطاعات واسعة من معاملات أمريكا مع العديد من دول العالم وعلى رأسهم حلفاؤها، وكذا مساعى ضم جرينلاند، وإذابة الصراع مع روسيا فى تغيير لقواعد اللعبة فى النظام الدولى منذ الحرب العالمية الثانية لصالح تصعيده مع الصين القوة الدولية البازغة التى تهدد عرش الهيمنة الأمريكية.
التأمل فى مسار جبهتى الصراع، الشرق الأوسط والعالم، يشير إلى أن كل طرف من الطرفين، واشنطن وتل أبيب، يدخل فى مواجهة شاملة مع الكل، فى الحالة الأولى إسرائيل تواجه دول الإقليم بالكامل تقريبا، وفى الحالة الثانية الولايات المتحدة تواجه كل الدول الفاعلة فى النظام الدولى.
رغم تشابه الأهداف ومسار المواجهة لمسارى الصراع، إلا أن النتائج ربما تختلف بعض الشىء، فى الحالة الأولى، فإن إسرائيل ربما تخرج منتصرة بحكم دعم الدولة العظمى لها وبفعل ترتيبها مع بعض القوى الفاعلة فى الشرق الأوسط التى من المفترض أنها فى عداد الخصم، وكذلك بفعل صمت القوى الدولية المناوئة لحليفتها واشنطن، فيما أنه فى الحالة الثانية ربما يكون الفشل هو مصير ترامب فى إخضاع العالم لتكون مساعيه أحد مسامير نعش القوة الأمريكية وهو ما نأمل أن يلقى بتأثيره على حال الهيمنة الإسرائيلية فى تجلٍ واضح لمقولة «جت من عند ربنا» لتبرير الضعف العربى فى المواجهة!