حدث في 30 رمضان سنة.. وفاة عمرو بن العاص

في مساء يوم الثلاثين من رمضان عام 43 هـ، الموافق 663م، أسدل الستار على حياة الصحابي الجليل عمرو بن العاص، بعد أن بلغ من العمر 94 عامًا، جاءت وفاته في ليلة عيد الفطر، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من الإنجازات السياسية والعسكرية.
وفاة عمرو بن العاص
عند احتضاره، سأله ابنه عن شعوره بالموت، فقال له كلمات مؤثرة تصف آلامه: "يا بني، والله كأنَّ جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأنَّ غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي". كما روي عنه أنه حينما كان في سكرات الموت، بكى طويلًا وحوّل وجهه إلى الجدار، قبل أن يعود ويعلن إيمانه قائلاً: "إِنَّ أَفضَلَ مَا نُعِدُّ شهادةُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَن محَمَّدًا رسول اللَّهِ".
نشأته وحياته قبل الإسلام
وُلِدَ عمرو بن العاص في قبيلة قريش، وكان من دهاة العرب وخطبائهم البارعين، أرسلته قريش إلى الحبشة لاستعادة المسلمين الذين هاجروا إليها، لكن النجاشي لم يستجب له. وبعد أن شهد فشل قريش في غزوة الأحزاب، قرر الدخول في الإسلام عام 8 هـ، وجاء إلى المدينة المنورة برفقة خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة ليعلنوا إسلامهم.
دوره العسكري في الإسلام
بعد إسلامه، قاده الرسول ﷺ في سرية "ذات السلاسل"، ثم تولى قيادة جيش أرسله أبو بكر الصديق لفتح الشام، حيث قاد المعارك في فلسطين وشارك في معركة اليرموك.
وفي عهد عمر بن الخطاب، أصر على فتح مصر، فانطلق بجيش صغير قوامه 4 آلاف مقاتل، وتمكن من تحقيق سلسلة انتصارات ضد البيزنطيين، حتى سقط حصن بابليون عام 641م، وبعدها فتح الإسكندرية.
بناء الفسطاط ومسجد عمرو بن العاص
بعد فتح مصر، اختار موقعًا جديدًا للعاصمة، بناءً على طلب عمر بن الخطاب بأن تكون بعيدة عن البحر، فأسس مدينة "الفسطاط"، والتي أصبحت مركز الحكم والتجارة، كما بنى أول مسجد في مصر وإفريقيا، جامع عمرو بن العاص، عام 642م.
استمرار الفتوحات
اتجه عمرو بن العاص بعد ذلك إلى الغرب، ففتح برقة وطرابلس دون مقاومة تُذكر، ثم أرسل عقبة بن نافع لفتح فزان، أحد أقوى الحصون البيزنطية في شمال إفريقيا. كما قام بإعادة حفر القناة التي تربط النيل بالبحر الأحمر، وأطلق عليها اسم "خليج أمير المؤمنين".
عزله وعودته إلى الحكم
استمر عمرو واليًا على مصر أربع سنوات، حتى عزله عثمان بن عفان، ليعود إلى الحكم لاحقًا عندما دعاه معاوية بن أبي سفيان ليكون واليًا لمصر بعد انتصاره في معركة صفين. وظل حاكمًا لمصر حتى وفاته عام 43 هـ.
وصيته عند الموت
عند وفاته، أوصى بعدم النواح عليه، وطلب من أهله أن يقفوا عند قبره حتى يعتاد على وحشته. وهكذا رحل أحد أبرز القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي، تاركًا بصمته في تاريخ مصر والعالم الإسلامي.