مرة أخرى، يضرب الاحتلال الإسرائيلى بعرض الحائط كل جهود التهدئة، ويستأنف عدوانه الهمجى على قطاع غزة، فى تصعيد عسكرى لا يحمل سوى المزيد من الدمار والمعاناة لأكثر من مليونى فلسطينى يعيشون فى ظروف إنسانية مأساوية.
هذا القرار، الذى جاء تحت ذريعة «تحقيق الأهداف»، ليس سوى استمرار لنهج الاحتلال فى تقويض كل مساعى السلام، وفرض واقع جديد بقوة السلاح، فى تحدٍ صارخ للقوانين الدولية والإنسانية.
تُعَدُّ العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة خرقًا واضحًا للقانون الدولى، خاصة اتفاقيات جنيف التى تحظر استهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية، فالقصف العشوائى الذى يطال المنازل، المستشفيات، والمدارس، يعد جريمة حرب وفقًا للقانون الدولى الإنسانى، ومع ذلك، تتعامل إسرائيل مع هذه القوانين وكأنها مجرد نصوص غير ملزمة، مدعومة بصمت دولى وتواطؤ بعض القوى الكبرى.
ويأتى ذلك رغم أن القانون الدولى واضح فى مسألة الحروب والنزاعات المسلحة، إذ ينص على حماية المدنيين فى أوقات الحرب، وعدم استهداف المرافق الحيوية التى يعتمد عليها السكان، لكن ما يحدث فى غزة هو العكس تمامًا، حيث يتم تدمير المنازل فوق رؤوس أصحابها، وقصف المستشفيات التى تعج بالجرحى، وضرب محطات الكهرباء والمياه، مما يزيد من معاناة السكان، ويدفع القطاع إلى حافة كارثة إنسانية غير مسبوقة.
والحقيقة أن أكثر من 2 مليون فلسطينى يعيشون حياة غير طبيعية فى غزة، فالكهرباء مقطوعة لساعات طويلة، والمياه الصالحة للشرب شحيحة، المرافق الصحية تعانى من نقص حاد فى الأدوية والمستلزمات الطبية، والمعابر مغلقة فى وجه المصابين الذين يحتاجون إلى علاج عاجل خارج القطاع، فالقصف الإسرائيلى المستمر يجعل الوضع أكثر سوءًا، حيث نزح عشرات الآلاف من منازلهم بحثًا عن مأوى آمن، وهو أمر أصبح شبه مستحيل فى غزة التى تعانى من تكدس سكانى هائل، ومن ثم يصبح الأطفال والنساء هم الضحايا الأبرز لهذا العدوان، حيث تحول القطاع إلى ساحة للمآسى اليومية، وسط عجز دولى عن وقف آلة الحرب الإسرائيلية.
على الجانب الآخر يكتفى المجتمع الدولى – كعادته - بإصدار بيانات الإدانة والتعبير عن «القلق العميق»، لكن دون أى خطوات فعلية لوقف العدوان الإسرائيلى، فمجلس الأمن عاجز عن اتخاذ قرارات ملزمة بسبب الفيتو الأمريكى الدائم لصالح إسرائيل، فيما تتعامل الدول الكبرى مع الأزمة وكأنها شأن داخلى يجب على الفلسطينيين تحمله.
أما على الصعيد العربى، فالمواقف تفاوتت بين إدانات رسمية، وتحركات دبلوماسية خجولة، دون ممارسة أى ضغط حقيقى على إسرائيل لوقف التصعيد، وعلى الرغم من أن بعض الدول حاولت التوسط لوقف إطلاق النار، إلا أن القرار الإسرائيلى باستئناف الحرب جعل كل هذه الجهود بلا جدوى، وأظهر بوضوح أن الاحتلال ماضٍ فى مخططاته العسكرية، غير مكترث بأى وساطة إقليمية أو دولية.
ومصر، بحكم موقعها الجغرافى ودورها التاريخى، تظل الفاعل الأهم فى أى محاولة لاحتواء التصعيد الإسرائيلى فى غزة، منذ اليوم الأول للحرب، تحركت القاهرة على عدة مستويات لوقف العدوان، سواء من خلال اتصالاتها مع الأطراف المعنية، أو عبر تقديم الدعم الإنسانى للفلسطينيين.
لكن استمرار العدوان يضع تحديات كبرى أمام الدور المصرى، خاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار القطاع، فمنذ العدوان الأخير، كانت القاهرة سبّاقة فى إطلاق مشروعات لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، لكن مع تجدد القصف، تعود المعاناة إلى نقطة الصفر، مما يجعل من الضرورى التوصل إلى حل دائم يحمى الفلسطينيين من هذه الدوامة المستمرة من التدمير وإعادة البناء، فالوضع فى غزة لم يعد يحتمل المزيد من المناورات السياسية أو الحلول المؤقتة، لذلك يجب أن يكون هناك ضغط دولى حقيقى لوقف العدوان الإسرائيلى، وإلزام الاحتلال بالقرارات الدولية التى تنص على إنهاء الحصار ووقف استهداف المدنيين.
كما أن العالم العربى مطالب بموقف أكثر صلابة، لا يكتفى بالشجب والاستنكار، بل يمتد إلى خطوات عملية تفرض على إسرائيل كلفة حقيقية لجرائمها، وعلى الصعيد الفلسطينى، يبقى إنهاء الانقسام الداخلى شرطًا أساسيًا لأى تحرك سياسى جاد لمواجهة الاحتلال.
وختاما.. ما يجرى فى غزة اليوم هو استمرار لمأساة إنسانية طويلة الأمد، يدفع ثمنها الأبرياء، وسط صمت عالمى مخزٍ، وإذا استمر هذا النهج، فإن القطاع سيظل ساحة للحروب المتكررة، دون أى أفق لحل ينهى معاناة الفلسطينيين، ويحقق لهم حقهم المشروع فى العيش بكرامة وسلام.