رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

بعد يومين فقط، سيحتفل العالم بذكرى ميلاد أم كلثوم، تلك الأسطورة التي ولدت في 31 ديسمبر 1898 في محافظة الدقهلية، ووضعت بصمتها الخالدة في تاريخ مصر والعالم العربي كله. 

أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة، بل كانت القوة الناعمة لمصر، وصوتا حمل حضارة بلدنا وثقافتها إلى كل أرجاء الوطن العربي، ووسيلة لتشكيل وجداننا القومي الذي ما زال يتغذى على تراثها الفني العظيم حتى اليوم.

وبتاريخ 3 فبراير 1975، رحلت أم كلثوم عن عالمنا جسديا، لكنها تركت وراءها إرثا موسيقيا لا يموت، مليئا بالأغاني الخالدة التي لم تكن مجرد كلمات وألحان، بل كانت قصائد حياة وعاطفة تعبر عن أحلام المصريين وآمالهم، عن حبهم للوطن وعن مشاعرهم اليومية.

لقد كان لصوت أم كلثوم القدرة على أن يكون جسرا ثقافيا بين مصر وبقية العالم العربي، بل وبين مصر والعالم بأسره، في كل كلمة، وكل نغمة، كان هناك جزء من مصر، من حضارتها، من روح شعبها. 

لم تقتصر مساهمتها على الترفيه، بل امتدت لتكون قوة ناعمة تعزز صورة مصر الحضارية، وتبين للعالم أن هذا البلد يمتلك إرثا ثقافيا لا يقدر بثمن. كل أغنية من أغانيها كانت نافذة إلى روح مصر، إلى همومها، إلى فرحها وحزنها، وإلى فخرها واعتزازها بتاريخها العريق.

أما من حيث تشكيل الوجدان القومي، فقد كانت أم كلثوم بمثابة نبض الجماهير، أغانيها مثل "الأطلال" و"إنت عمري" وغيرها لم تكن مجرد أغان، بل كانت مرآة لعواطف المصريين وامتدادا لوجدانهم الوطني. 

في لحظات الفرح والحزن، كانت هناك أم كلثوم تغني بما يعبر عن كل قلب مصري، وربطت الناس بموروثهم الثقافي والفني بطريقة لم ينجح فيها أحد غيرها. 

الصوت العذب، الكلمات الصادقة، والقدرة على التعبير عن أعمق المشاعر جعلت من أغانيها جزءا من الحياة اليومية، جزءا من الثقافة الشعبية التي لا يمكن فصلها عن الهوية المصرية.

أما بالنسبة للفن ودوره في التعبير عن المجتمع، فقد أثبتت أم كلثوم أن الأغنية ليست مجرد ترفيه، بل أداة قوية للتعبير عن مشاعر الناس وقيمهم. 

كل لحن، وكل كلمة كانت تحمل رسالة، سواء عن الحب، أو الحزن، أو الفخر الوطني، أو حتى الحلم بمستقبل أفضل، الفن عندها كان لغة الناس، وكان همزة وصل بين قلوبهم وتجاربهم، وجسرا بين الفرد والمجتمع. 

ومن هنا، أصبح صوتها جزءا من حياتنا اليومية، جزءا من أعيادنا، أحزاننا، انتصاراتنا، وهزائمنا، وجزءا من وجداننا الذي نحمله في قلب كل مصري.

شخصيا، تعلمت على مدرسة الوفد كيف أحب وطني، وكيف أعشق تراب مصر قبل كل شيء، هناك، بين جدران المدرسة، شعرت بأن حب الوطن ليس مجرد شعور، بل ممارسة يومية، اهتمام بكل زاوية من زوايا هذا البلد، فخر بتاريخنا، وانتماء لتراثنا. 

وما زال هذا التعليم يرافقني في حياتي اليومية، يجعلني أرى في كل نغمة لأم كلثوم انعكاسا لذلك الحب، ويجعلني أشعر بأن الفن والثقافة والتاريخ هم أدوات لحماية الوطن وتعزيز قيمه.

في النهاية، أم كلثوم ليست مجرد اسم في التاريخ، بل هي مدرسة فنية وإنسانية تعلمنا كيف نحمل الحب والفخر للوطن في صوتنا، في قلوبنا، وفي حياتنا اليومية. 

صوتها الذي ظل يتردد على مدار قرن من الزمان هو شهادة على قوة الفن في تشكيل الوجدان القومي، وعلى قدرة الإنسان على تحويل موهبته إلى إرث خالد يعبر عن أمة بأكملها. 

وفي كل مرة نستمع فيها إلى "الأطلال" أو "إنت عمري"، نتذكر أننا أمام أيقونة لم تخلد لنفسها فقط، بل خلدت روح مصر وحبها لترابها، وتجربة شعبها، وأحلام أجياله.

هكذا، تظل أم كلثوم القوة الناعمة لمصر، والصوت الذي يجمع بين الحاضر والماضي، بين الفن والسياسة، بين القلب والعقل، كل ذكرى ميلاد لها هي فرصة لنستعيد فخرنا بتاريخنا، ونشعر بالدفء الذي تمنحه أغانيها، ونتذكر أن الفن ليس ترفيها، بل هو روح الأمة، وهو اللغة التي يمكنها أن تعبر عن أعمق مشاعرنا وتصل إلى أبعد حدودنا.