«يا خبر
الحديث عن مفاوضات مباشرة بين حماس وإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى العاصمة القطرية الدوحة كان الخبر الأكثر غرابة خلال الأيام القليلة الماضية، والسؤال الأبرز هو: لماذا قرر الرئيس ترامب الاستغناء عن التواصل غير المباشر مع حركة حماس والذى ظل لفترة طويلة عبر وسطاء, واختار اللجوء إلى الحديث المباشر؟, والسؤال الثانى والذى يتوجب طرحه أيضا؟ هو: لماذا الآن وافقت حماس؟
مما لاشك فيه أن مثل هكذا خطوة أربكت حسابات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو, لاسيما بعدما تردد أنه لم يعلم بهذه المفاوضات من الولايات المتحدة, وهذا معناه أن الأخيرة لم تكن تريد وضعه فى الصورة فى هذه المفاوضات المباشرة مع حماس, قيل أن نتنياهو علم بالأمر من خلال أحد أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلى الذى كان موجودا فى الدوحة وقتذاك!
وضع الرئيس ترامب نتنياهو فى حيرة من أمره والحقيقة أن هذا ليس بالغريب على شخصية ترامب, حيث من الصعب التنبؤء بما سيفعله أو ما يروق له وما يزعجه, ففى الوقت الذى كان نتنياهو يجلس فيه مبتسما ابتسامته الصفراء الشامتة ويفتح عينيه على اتساعها منتظرا أن تفتح الولايات المتحدة أبواب جحيمها على حماس وغزة بأكملها انتقاما لربيبتها المدللة « إسرائيل»، فتحت واشنطن أبوابا أخرى، ليست جحيما وإنما أبواب محادثات مباشرة بين موفد ترامب آدم بوهلر وقياديين من حماس, وهذا معناه أن العلاقة المباشرة بين حماس وواشنطن ستتيح نقل الصورة الحقيقية بين الطرفين ولن تفلح ضغوط نتنياهو التى مارسها على واشنطن بشكل متكرر طوال الشهور الماضية بهدف إظهار حماس بأنها هى من تعرقل المفاوضات.
هذه الخطوة من جانب الرئيس ترامب لاشك لها دلالات واضحة أبرزها على سبيل المثال أن ترامب بات مستاء من نتنياهو وائتلافه اليمينى المتطرف وأدرك - ولو متأخرا- أن نتنياهو وسموتريتش لهما حساباتهما السياسية والحزبية والشخصية الضيقة للغاية، ولا يقيمان وزنًا مماثلًا لملف التفاوض، لا سيما فى شقه المتعلق بـالرهائن, والمحتجزين، بينما ترامب يعتبر هذا الملف مرتبطًا بسمعته وهيبته، وهو الذى قطع الوعد تلو الآخر، بـتحرير الرهائن وإعادتهم إلى ذويهم ويعد ذلك مهمة, حين ينجزها سيشار له عالميا بأنه صانع سالم وقد يفوز بجائزة نوبل، فقرر أخذ زمام أمره بيد موفده لشؤون الرهائن آدم بوهلر، وخرق ترامب عن سياق قرارات من سبقوه بعدم التحدث مع منظمات يصنفونها «إرهابية»، وأرسل موفده إلى الدوحة, وعدم ترك الأمر لنتنياهو, هذا من جانب, ومن جانب آخر لن يجرؤ نتنياهو ولا إئتلافه اليمينى إشهار الفيتو فى وجه أى تقدم على المسار التفاوضى المباشر، بين إدارة ترامب وحركة حماس، ولن يتمكن «بيبى نتنياهو» وشلته من عرقلته، فهم يدركون جيدا مخاطر استفزاز ترامب «رجل الصفقات» حتى ولو كان من يفعل ذلك إسرائيل طفلة واشنطن المدللة.
لك أن تتخيل عزيزى القارئ حالة نتنياهو وسيموتريتش وهما اللذان يتشدقان ليل نهار بأن الهدف الأبرز لحربهم هو محو حماس من الوجود وعدم جلوسها على أى مقعد حتى لو كان مقعد تفاوض وهى ترى حماس تأخذ الإذن الأمريكى وتطل برأسها على موائد التفاوض والعلاقات الدولية، من بوابة محمية!!
ثمة رسالة أخرى متعلقة بنتائج هذه الحرب التى اندلعت منذ 16 شهر تقريبا ومتعلقة بإقدام ترامب على التفاوض المباشر مع حماس, فترامب معروف أنه رجل شعبوى يروج لنفسه أنه شرطى العالم ويردد دائما أنه يختار أن يتعامل مع الأقوياء وإبرام الصفقات معهم دون سواهم، ولنا فى انفتاحه مؤخرا على روسيا وإهانته الصريحة لزيلينيسكى فى البيت الأبيض أكبر دليل على ذلك، ومعنى أنه اختار التفاوض مع حماس، فهذا اعتراف ولو بشكل غير مباشر أن حماس هى الأقوى فى المشهد المتعلق بغزة والحرب عليها، وأن ما يقال عن إنهاكها وتدمير قدراتها من قبل إسرائيل مجرد كلام للدعاية السياسية والإعلامية, من قبل نتنياهو وحكومته, فكان قرار ترامب أن يتعامل مع القوة الممسكة بزمام الأرض وما فوقها وما تحتها، وتحتجز الرهائن، وبيدها قرار الإفراج عنهم أو الإبقاء عليهم فى مخابئها بما ينسف رواية نتنياهو عن النصر نسفا صريحًا.
من جانبها لعبت حماس على خطوة ترامب بذكاء شديد ووجدت فى الطلب الأمريكى، فرصة للخروج من تحت ضغط نتنياهو وفريقه وحساباته، والتى كانت دائما سببًا فى عدم التوصل إلى اتفاقات نهائية، وعدم الالتزام بتنفيذ الاتفاقات المبرمة, ورأت أن قناة التفاوض المباشرة الجديدة مع واشنطن ستجعل الأخيرة تسمعها من دون تحريف وقد تتمكن من تغيير الصورة التى لطالما نقلتها إسرائيل عن حماس لواشنطن.
أخيرًا: الحوار المباشر بين حماس وإدارة ترامب، كسر للتابوهات, ونقطة تحول مهمة قد تنتهى إلى اختراق على مسار التفاوض ومكسب يسجل للحركة وتطور قد يبنى عليه.