صانع الكنافة اليدوي بقرية ديبي: حرفة متوارثة ونكهة رمضانية أصيلة بالبحيرة

في قلب قرية ديبي بمركز رشيد بمحافظة البحيرة، تبرز العديد من الحرف التقليدية التي توارثها الأجيال، ومن بينها صناعة الكنافة اليدوية، التي تعد من أهم مظاهر شهر رمضان المبارك، وتعتبر الكنافة من أشهر الحلويات الشرقية التي ترتبط بهذا الشهر الكريم، حيث لا تخلو موائد الإفطار والسحور منها، سواء كانت محشوة بالمكسرات أو القشطة ، أو حتى الكنافة الناعمة التي تُستخدم في تحضير أطباق مختلفة.
وسط أجواء مليئة بالتاريخ والتقاليد، يعمل سعد نبوي أبو زارع صانع الكنافة اليدوي في قرية ديبي بمهارة وإتقان، محافظًا على هذه المهنة العريقة التي تعتمد على الدقة، والخبرة، والصبر، ليقدم للناس كنافة بطعم أصيل وجودة مميزة لا يمكن مقارنتها بالكنافة المصنعة آليًا.
حيث تتوارث الحرف اليدوية جيلًا بعد جيل، يلمع اسم سعد أبو زارع كواحد من آخر صناع الكنافة اليدوية، تلك الحرفة التي تحتاج إلى دقة وصبر، والتي تأسر القلوب بنكهتها الأصيلة، بيديه الماهرتين، وبأدواته التقليدية، يحول العجين إلى خيوط ذهبية تتراقص فوق الصاج النحاسي، ليصنع الكنافة كما صنعها الأجداد منذ مئات السنين.
صناعة الكنافة اليدوية.. فن وإتقان
يقف سعد نبوي أبو زارع أمام صاجه النحاسي الكبير، ممسكًا بالكوز المثقوب، يسكب العجين بحركات دقيقة ومدروسة، لتتدفق منه خيوط الكنافة الرفيعة، التي تُطهى في ثوانٍ قليلة فوق النار المتوهجة، العملية تحتاج إلى مهارة عالية وتناسق بين اليد والعين، حتى تكون الكنافة متجانسة في السمك والطهي.
رحلة سعد أبو زارع مع صناعة الكنافة اليدوية
بدأ سعد أبو زارع مسيرته في صناعة الكنافة اليدوية منذ نعومة أظفاره، متعلمًا أسرار المهنة من والده وجده، لقد أدرك منذ البداية أهمية الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية، ليس فقط كمصدر رزق، بل كجزء من التراث الثقافي الذي يجب نقله للأجيال القادمة، على مدار سنوات عمله، اكتسب سعد شهرة واسعة في منطقته بفضل جودة منتجاته ومهارته الفائقة في إعداد الكنافة بالطريقة التقليدية.
في عالم الحلويات الشرقية، يُعد صانع الكنافة اليدوي أحد الحرفيين القلائل الذين يحافظون على تراث طويل من الإبداع والإتقان، فهذه المهنة ليست مجرد عمل، بل هي فن يحتاج إلى مهارة عالية ودقة في الحركة، حيث يقوم الصانع بصب العجينة بطريقة احترافية على صاج ساخن، لينتج خيوطًا دقيقة من الكنافة التي تحمل نكهة الماضي وأصالة الحاضر.
مهام صانع الكنافة اليدوي
يقوم صانع الكنافة اليدوي بعدة مهام تحتاج إلى خبرة وممارسة طويلة، ومن أهمها: تحضير العجينة: يخلط الدقيق بالماء والنشا للحصول على عجينة سائلة بقوام متجانس، تسخين الصاج: يتأكد من وصول الصاج إلى درجة الحرارة المثالية لضمان توزيع متساوٍ للعجينة، صب العجينة بحركات دقيقة: يستخدم قمعًا نحاسيًا مثقوبًا، يتحكم به بمهارة لرسم خيوط رفيعة ومتناسقة على الصاج، متابعة النضج: يراقب العجينة حتى تجف دون أن تتحول إلى اللون البني، ثم يجمعها بحرص لتظل محتفظة بقوامها المثالي، تجهيز الكنافة للبيع: يجمع خيوط الكنافة في رُزم متوسطة الحجم، ويحرص على تقديمها طازجة للزبائن.
أدوات صانع الكنافة اليدوي
تعتمد صناعة الكنافة اليدوية على أدوات بسيطة لكنها تحتاج إلى دقة وخبرة و مهارة عالية في استخدامها، ومن أبرزها: صاج دائري كبير: يُستخدم لطهي خيوط الكنافة بسرعة وبشكل متساوٍ، قُمع معدني مثقوب: يُملأ بالعجين ويتم تمريره فوق الصاج لصنع خيوط رفيعة ومتناسقة، موقد النار: يوضع تحت الصاج لتوفير الحرارة المناسبة لطهي الكنافة، عجينة الكنافة: تُحضّر من خليط دقيق القمح والماء، وتُترك لتتخمر قليلًا قبل الاستخدام.
خطوات صناعة الكنافة اليدوية
تمر عملية صناعة الكنافة اليدوية بعدة مراحل دقيقة، تبدأ من إعداد العجينة وحتى الحصول على كنافة جاهزة للبيع: تحضير العجينة و تُخلط المكونات جيدًا حتى تصبح متماسكة وسائلة بدرجة معينة، مما يسمح بمرورها من القُمع بسهولة، سكب العجين على الصاج: يقوم الصانع بحركة دائرية منتظمة لصب العجين على الصاج الساخن، مكونًا خيوطًا رفيعة ومتجانسة، طهي الكنافة: تُترك الخيوط لفترة قصيرة جدًا حتى تنضج، حيث لا تحتاج الكنافة إلا لثوانٍ معدودة على النار، تجميع الكنافة: تُرفع الكنافة بحرص من على الصاج وتُجمع في شكل رولات أو طبقات لتكون جاهزة للبيع.
التحديات التي تواجه صانع الكنافة اليدوية على الرغم من أن مهنة صناعة الكنافة اليدوية تُعتبر من الحرف التراثية التي تحظى بشعبية كبيرة ، إلا أن صُنّاعها يواجهون العديد من التحديات، من أبرزها:المنافسة مع المصانع الآلية: حيث تُنتج الكنافة الآلية بكميات أكبر وأسعار أقل، مما يؤثر على الطلب على الكنافة اليدوية، ارتفاع أسعار المواد الخام: خاصة الدقيق والسكر، مما يزيد من تكلفة الإنتاج، صعوبة العمل في درجات الحرارة العالية: حيث يعمل صانع الكنافة أمام الصاج الساخن لساعات طويلة، مما يتطلب قدرة جسدية عالية.
الكنافة اليدوية في رمضان: مذاق خاص وأجواء مميزة
يُعد رمضان الموسم الذهبي لصناع الكنافة في قرية ديبي، حيث يزداد الطلب عليها بشكل كبير، خاصة مع حرص العائلات على تقديمها كطبق أساسي على مائدة الإفطار والحلوى، في هذه الفترة، يبدأ صانع الكنافة اليدوي عمله من الفجر وحتى ساعات متأخرة من الليل، وسط أجواء مليئة بالحيوية والنشاط، حيث يتجمع الزبائن حوله لمشاهدة مهارته الفائقة في صنع الكنافة الطازجة.
الإقبال على الكنافة اليدوية مقابل الكنافة الآلية
على الرغم من انتشار الكنافة المصنّعة آليًا، إلا أن الكثير من الناس في قرية ديبي وخارجها يفضلون الكنافة اليدوية نظرًا لجودتها العالية ونكهتها الفريدة. ومن أهم مميزات الكنافة اليدوية:
تحديات لا توقف الشغف
رغم التحديات التي تواجهه، من ارتفاع الأسعار إلى انتشار الكنافة الآلية، يظل سعد متمسكًا بمهنته، مؤمنًا أن الحرفة الأصيلة لا تموت.
دور صانع الكنافة في الحفاظ على التراث
رغم هذه التحديات، يظل صانع الكنافة اليدوية رمزًا للإصرار والحفاظ على التراث المصري العريق، فهو لا يقدم مجرد حلوى رمضانية، بل ينقل مهارة قديمة تعكس جزءًا من هوية المجتمع الريفي المصري، حيث يتعلم الجيل الجديد هذه الحرفة من آبائهم وأجدادهم لضمان استمرارها.
يبقى صانع الكنافة اليدوي شاهدًا على عراقة المهنة وروعة التفاصيل التي تصنع الفرق بين المنتجات التقليدية والصناعية ،وبينما تتطور التكنولوجيا وتنتشر الآلات الحديثة، يبقى للنكهة اليدوية سحر خاص لا يمكن أن يُضاهى، ومع حلول شهر رمضان، يعود هذا الصانع ليملأ الأجواء برائحة الكنافة الطازجة، ليُدخل البهجة إلى قلوب الناس، ويُضفي على موائد الإفطار لمسة من الأصالة والحنين إلى الماضي الجميل.












