رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

البيانات‭ ‬القوية‭ ‬التى‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬ضد‭ ‬تصريحات‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭, ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬جاءت‭ ‬قوية‭ ‬وحاسمة‭, ‬لكنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خطوات‭ ‬قانونية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭.‬
لقد‭ ‬كشفت‭ ‬تصريحات‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬تفكير‭ ‬العقلية‭ ‬التوسعية‭ ‬التى‭ ‬تتحكم‭ ‬فى‭ ‬سياسات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلى‭, ‬وتستند‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬توراتية‭ ‬وأساطير‭ ‬قديمة‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬ولا‭ ‬سند‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭. ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬التى‭ ‬جاءت‭ ‬فى‭ ‬ذروة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭, ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬محاولة‭ ‬لإحياء‭ ‬أوهام‭ ‬صهيونية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬حقيقة‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭.‬
إن‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬التى‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬هى‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتوسيع‭ ‬الاستيطان‭, ‬عبر‭ ‬إحياء‭ ‬أسطورة‭ ‬توراتية‭ ‬تزعم‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬النيل‭ ‬إلى‭ ‬الفرات‭ ‬هى‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الميعاد‮»‬‭. ‬وينسف‭ ‬التاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الادعاءات‭ ‬من‭ ‬جذورها‭;‬‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬العبرية‮»‬‭ ‬الحديثة‭ ‬لم‭ ‬تنشأ‭ ‬إلا‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬عقود‭, ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬الذى‭ ‬جرى‭ ‬اقتلاعه‭ ‬بالقوة‭ ‬من‭ ‬أرضه‭, ‬أما‭ ‬التصورات‭ ‬التوراتية‭ ‬فليست‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬استعمارى‭ ‬قديم‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬نفسه‭ ‬بوجه‭ ‬جديد‭, ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬ميزان‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭.‬
ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العربية‭ ‬جاءت‭ ‬واضحة‭ ‬وقوية‭. ‬فقد‭ ‬أصدرت‭ ‬مصر‭ ‬بياناً‭ ‬رسمياً‭ ‬أعربت‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬رفضها‭ ‬التام‭ ‬لهذه‭ ‬التصريحات‭, ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭ ‬التوسعية‭ ‬تهدد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمى‭ ‬وتتناقض‭ ‬مع‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولى‭. ‬موقف‭ ‬مصر‭, ‬التى‭ ‬تمثل‭ ‬رمانة‭ ‬الميزان‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭, ‬كان‭ ‬رسالة‭ ‬بأن‭ ‬القاهرة‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬بتمرير‭ ‬خطابات‭ ‬توسعية‭ ‬تصب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار‭. ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬الأردن‭ ‬رفضها‭ ‬القاطع‭, ‬ووصفت‭ ‬التصريحات‭ ‬بأنها‭ ‬استفزازية‭ ‬وخطيرة‭, ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مساعى‭ ‬السلام‭. ‬أما‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فقد‭ ‬انضمت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬ببيان‭ ‬حاد‭ ‬اللهجة‭, ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أى‭ ‬محاولة‭ ‬لإحياء‭ ‬أوهام‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬لن‭ ‬تلقى‭ ‬سوى‭ ‬الفشل‭, ‬وأن‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمى‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬رهينة‭ ‬لرؤية‭ ‬متطرفة‭ ‬ومعزولة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭. ‬كما‭ ‬توالت‭ ‬بيانات‭ ‬الرفض‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭ ‬عدة‭, ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭, ‬فى‭ ‬مشهد‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬العربى‭ ‬الموحد‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قوياً‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭.‬
لكن‭, ‬ورغم‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭, ‬فإن‭ ‬الخطوة‭ ‬المقبلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الاستنكار‭ ‬اللفظى‭. ‬إن‭ ‬التصدى‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عبر‭ ‬مسارات‭ ‬قانونية‭ ‬دولية‭, ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحريك‭ ‬دعاوى‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭, ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬متهم‭ ‬بجرائم‭ ‬حرب‭ ‬ومطلوب‭ ‬للمساءلة‭ ‬الدولية‭, ‬كما‭ ‬أن‭ ‬توظيف‭ ‬الأدوات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العربية‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬بات‭ ‬ضرورة‭ ‬قصوى‭, ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬عملية‭ ‬تفرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬العربية‭ ‬والفلسطينية‭.‬
المجتمع‭ ‬الدولى‭ ‬أيضاً‭ ‬مدعو‭ ‬إلى‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬شأن‭ ‬داخلى‭ ‬إسرائيلي‮»‬‭, ‬فحين‭ ‬يتحدث‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الاحتلال‭ ‬عن‭ ‬ارتباطه‭ ‬بمفهوم‭ ‬توسعى‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬نصوص‭ ‬دينية‭, ‬فهو‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬تبرير‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭. ‬إن‭ ‬الصمت‭ ‬الدولى‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬هو‭ ‬مشاركة‭ ‬فى‭ ‬تكريس‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتغذية‭ ‬نزعة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬التى‭ ‬يسعى‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬إحيائها‭;‬‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الرد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سياسياً‭ ‬وقانونياً‭ ‬واقتصادياً‭, ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬وردع‭ ‬دبلوماسى‭ ‬حقيقى‭.‬
ما‭ ‬قاله‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬جديداً‭, ‬لكنه‭ ‬خطير‭ ‬فى‭ ‬توقيته‭, ‬لأنه‭ ‬يأتى‭ ‬بينما‭ ‬يعيش‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أقسى‭ ‬مراحل‭ ‬العدوان‭ ‬والحصار‭. ‬لقد‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬رسالة‭ ‬لمؤيديه‭ ‬داخل‭ ‬الكيان‭ ‬بأنه‭ ‬متمسك‭ ‬بالخطاب‭ ‬التوراتى‭ ‬المتشدد‭, ‬وأنه‭ ‬يواصل‭ ‬‮«‬حلم‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسين‮»‬‭, ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭, ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬يكشف‭ ‬مأزق‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيونى‭ ‬كله‭, ‬ويثبت‭ ‬أنه‭ ‬مشروع‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساطير‭ ‬متداعية‭ ‬وأطماع‭ ‬لا‭ ‬سقف‭ ‬لها‭, ‬ويصطدم‭ ‬بحقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬وبإرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التى‭ ‬ترفض‭ ‬أن‭ ‬تُمحى‭ ‬هويتها‭ ‬أو‭ ‬تُصادر‭ ‬أرضها‭.‬
أخيراً‭, ‬إن‭ ‬تصريحات‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬تدوير‮»‬‭ ‬لوهم‭ ‬توراتى‭ ‬قديم‭, ‬يفتقر‭ ‬لأى‭ ‬أساس‭ ‬تاريخى‭ ‬أو‭ ‬واقعى‭. ‬الرد‭ ‬العربى‭ ‬الرافض‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬مهمة‭, ‬لكنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعزز‭ ‬بتحركات‭ ‬قانونية‭ ‬جادة‭ ‬فى‭ ‬أروقة‭ ‬مؤسسات‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭. ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الأطماع‭, ‬ليس‭ ‬مطلوباً‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الانفعال‭ ‬أو‭ ‬التهويل‭, ‬بل‭ ‬الهدوء‭ ‬الصارم‭ ‬المبنى‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬والعدل‭, ‬والتشبث‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لها‭ ‬شعوبها‭ ‬وهويتها‭ ‬وتاريخها‭, ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬يوماً‭ ‬ساحة‭ ‬مفتوحة‭ ‬لأوهام‭ ‬توسعية‭ ‬عابرة‭. ‬إن‭ ‬أطماع‭ ‬العدو‭ ‬الصهيونى‭ ‬ستظل‭ ‬أوهاماً‭ ‬فى‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭, ‬بينما‭ ‬تظل‭ ‬الأرض‭ ‬لأصحابها‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الاحتلال‭, ‬ومهما‭ ‬كثرت‭ ‬الأساطير‭.‬