غزة فى رمضان .. فرحة فوق الركام

صيام بلا حرب... ومقاومة مستمرة ضد تهجير أصحاب الأرض
الضفة المحتلة: تراويح مقدسية بقيود صهيونية
وَنَحْنُ نُحِبُّ الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ
وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلاَ
نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ
وَنَسْرِقُ مِنْ دُودَةِ القَزِّ خَيْطاً لِنَبْنِى سَمَاءً لَنَا وَنُسَيِّجَ هَذَا الرَّحِيلاَ
وَنَفْتَحُ بَابَ الحَدِيقَةِ كَيْ يَخْرُجَ اليَاسَمِينُ إِلَى الطُّرُقَاتِ نَهَاراً جَمِيلاَ
لم يكن الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش خياليا بل واقعيا نقل لنا صورة حقيقية لصمود الشعب الفلسطينى لمقاومة الحرب والموت والقبح ومخططات التهجير الصهيوأمريكية من أرضه.
رمضان يطل من بعيد كشمس خجولة تحمل فى أحشائها نورا بين أنقاض الدروب الذى يعانق السماء ليس شهرا من النور عليهم، بل هو قناديل من دموع المظلومين تضىء موائد غاب عنها الأحباب والأباء والأمهات تحت أنقاض الألم، رغم كل هذا فهم صابرون ويستقبلون رمضان بقلوبهم المنكسرة وموائدهم البسيطة وبصلاة تراويح أمام الركام الذى يعلى على أجساد بريئة راحت ضحية جرائم الكيان الصهيونى.
وها هى غزة المنكوبة بحرب الابادة تنفض عن وجهها الجميل ركام الحرب وتقتلع الحزن من جذوره عبر حملة «غزة أجمل فى رمضان».
أطفال ونساء وكبار يعبرون عن فرحتهم بصيام اول رمضان بدون حرب «ناويين نصوم ونقيم الليل بالإمكانيات الموجودة». وسط مشاعر مختلطة بين فقدان الأحبة ودمار البيوت والمساجد بسبب عدوان الاحتلال. ويشاركون فى فتح الطرقات ورسم الجدران لإزالة آثار حرب الابادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى صاحب الأرض التى دمرت معظم مناطق القطاع.
وعلى وقع الأغانى المصرية على أغنية بدأ شبان فى غزة فى صنع القطايف وبث الفرح فى استقبالهم للشهر الكريم فيما تخطفك الأجواء الرمضانية مع انوار الفوانيس، رغم مشاعر الفقد التى لا تزال تلاحق الكثير من العائلات حيث لا تزال اكبادها من الشهداء تحت الركام ومع ذلك نجحت فى أن تخلق مساحة من الفرح المنقوص بين الدمار، ليشعر الناس ولو للحظات بأن الحياة قد تعود رغم كل شىء.
وهرع الفلسطينيون فى الخيام لإعادة الحياة إلى شوارع غزة التى لا تزال تحمل ندبات الحروب على وجهها الجميل رغم الموت والحزن. لإظهار البهجة بحلول الشهر الكريم وتعظيم شعائر الله، مؤكدين حبهم وتعلقهم العميق بالشهر الفضيل، على الرغم من الظروف القاسية، واجتمع الأطفال على طريقتهم الخاصة لاستقبال أولي ليالى رمضان، حيث تزينت الشوارع بحركة لا تخلو من الفرح. وارتدت الأحياء والشوارع بألوان الزينة الرمضانية، من فوانيس ملونة وأضواء ساطعة، وسط مشاهد من الصمود والإصرار على الحياة.
وأدى الفلسطينيون صلاة الجمعة الأخيرة من شعبان أمس وصلاة التراويح فوق ركام المساجد بالقطاع المدمر بترميم بعضها وتجهيز البدائل.
وأكد «منذر الغمارى»، مدير عام المديريات والمساجد فى وزارة الأوقاف بغزة، إن لديهم مشروعًا بالتعاون مع المؤسسات الخيرية لإنشاء مصليات بديلة عن المساجد المدمرة تدميرًا كليًا، موضحًا أنهم اهتموا بالمناطق ذات الكثافة السكانية العالية والتى لا يُرفع فيها الأذان.
وأوضح أن الوزارة أقامت 400 مصلى لتلبية احتياجات اهالى القطاع خلال شهر رمضان المبارك.
وأشار «الغمارى» إلى أنهم وجهوا الموظفين الذين هدمت مساجدهم للعمل فى تلك المصليات لتقديم الخدمة فى رمضان للمصلين وتنظيف المصليات وفتحها والاعتناء بها.
وأوضح أن الأوقاف الفلسطينية تعانى من مشكلة عدم توفر مكبرات الصوت للمصليات بعد تدمير الأجهزة داخل المساجد، منوهًا إلى أن شهر رمضان سيختلف كليًا عن الأعوام السابقة بسبب ضعف الإمكانيات الفنية والمالية. ووفقًا لـ«الغمارى»، فإن وزارته تحتاج بشكل طارئ إلى المياه داخل المصليات، وأجهزة الصوت، بالإضافة إلى دورات المياه الحديدية، والأخشاب والشوادر، وفرش للمصليات.
وأكد على حاجة المصليات للمولدات للإضاءة، خاصة لصلاة التراويح فى شهر رمضان المبارك، قائلًا: «غالبية المساجد تعتمد حاليًا على كشافات الجوال والشموع، وهو أمر صعب مع دخول شهر رمضان وازدياد أعداد المصلين».
الجدير بالذكر أن إجمالى الخسائر والأضرار التى تعرض لها القطاع الدينى والأوقاف جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلى على القطاع، بلغت أكثر من 500 مليون دولار.
ودمر الاحتلال خلال العدوان 1109 مساجد من أصل 1244 مسجدًا فى قطاع غزة، بما نسبته 89٪، حيث بلغ عدد المساجد المدمرة كليًا 834، وتضرر 275 مسجدًا بأضرار جزئية بليغة مما جعلها غير صالحة للاستخدام، ما أثر بشكل مباشر على أداء الشعائر الدينية وإقامة الصلوات.
تزامنا مع فرض قيود على المسجد الاقصى المبارك بالضفة المحتلة ومنع دخول الآلاف من المصلين إلى اول القبلتين وثالث الحرمين خلال شهر رمضان المبارك.
وقال المتحدث باسم حكومة الاحتلال الإسرائيلى» ديفيد منسر: إن القيود الأمنية الاعتيادية ستُطبق كما هو الحال فى كل عام مبرراً ذلك بالحفاظ على الأمن العام.
تواصل سلطات الاحتلال خطة تهويد المقدسات الاسلامية بالضفة المحتلة ونقلت تل أبيب ادارة الحرم الابراهيمى من وزارة الأوقاف الفلسطينة لمكتب ارتباط الاحتلال.
وتصاعدت ردود الفعل الفلسطينية عقب قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلى نقل صلاحيات الأعمال فى صحن المسجد الإبراهيمى بمدينة الخليل إلى ما تُسمى هيئة التخطيط المدنى التابعة لحكومة الاحتلال، فى خطوة اعتبرتها الفصائل الفلسطينية والسلطة انتهاكًا صارخًا لحقوق المسلمين ومحاولة لتهويد الحرم الإبراهيمى.
ويقع المسجد الإبراهيمى فى البلدة القديمة من الخليل، المحتلة ويعيش فيها نحو 400 مستوطن تحت حماية 1500 عسكرى إسرائيلى.
وقسّمت إسرائيل عام 1994، المسجد إلى 63% لليهود و37% للمسلمين، عقب المجزرة التى ارتكبها المستوطن الإرهابى «باروخ جولدشتاين»، والتى أسفرت عن مقتل 29 مصليًا فلسطينيًّا داخل المسجد أثناء صلاة الفجر. ومنذ ذلك الوقت فرض الاحتلال قيودًا مشددة على دخول الفلسطينيين إلى المسجد، فيما سمح للمستوطنين بإقامة طقوسهم الدينية داخله، مع منع رفع الأذان فيه خلال الأعياد اليهودية.
