رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

الأزهر: تحويل القبلة دلالة على وسطية الإسلام وعلاقة المسجد الحرام بـ "الأقصى"

بوابة الوفد الإلكترونية

يُعدّ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام أحد الأحداث المحورية في التاريخ الإسلامي، إذ حمل في طياته دلالات عظيمة تؤكد وسطية الأمة الإسلامية وترابط أماكنها المقدسة، كما كان اختبارًا لصدق الإيمان وامتثال المسلمين لأوامر الله تعالى.

تحوّل تدريجي وفق الحكمة الإلهية

قبل الهجرة، كان النبي ﷺ يُصلي إلى بيت المقدس، لكنه كان يجعل الكعبة بينه وبين المسجد الأقصى كي يستقبلهما معًا، كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي وهو بمكةَ نَحْوَ بيتِ المقدسِ والكعبةُ بينَ يدَيهِ» (أخرجه أحمد).

وبعد الهجرة إلى المدينة، استمر النبي ﷺ والمسلمون في استقبال بيت المقدس نحو ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، إلى أن نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام في منتصف شهر شعبان من العام الثاني للهجرة، حيث قال تعالى:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: 144).

اختبار الإيمان والولاء لله ورسوله

جاء تحويل القبلة ليكون اختبارًا للمؤمنين، حيث كشف عن مدى إخلاصهم واستعدادهم للامتثال لأمر الله دون تردد، فقال تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} (البقرة: 143).

وبينما استجاب المسلمون للأمر الإلهي دون اعتراض، استغل المشركون والمنافقون الموقف لإثارة الشكوك، زاعمين أن النبي ﷺ قد يتراجع عن دينه كما رجع إلى قِبلتهم، إلا أن ظنونهم خابت وبقي الإسلام ثابتًا راسخًا.

إكرامٌ للنبي ﷺ واستجابة لرغبته

كان النبي ﷺ يُحب أن تكون قبلته تجاه الكعبة، وكان يتوجه بدعائه إلى الله أن يحقق له ذلك، فجاءت الاستجابة الربانية كما قال تعالى:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهَكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} (البقرة: 144).
فكان هذا الحدث دليلًا على مكانة النبي ﷺ عند ربه، ورحمة الله بأوليائه.

ترابط المسجد الحرام والمسجد الأقصى

أكد تحويل القبلة على العلاقة الوثيقة بين المسجدين المباركين، إذ إنهما يرتبطان في العديد من النصوص الشرعية. فقد سأل الصحابي أبو ذر النبي ﷺ عن أول مسجد بُني في الأرض، فقال:
"المسجد الحرام"، قُلتُ: "ثم أيٌّ؟"، قال: "ثم المسجد الأقصى"، قلت: "كم كان بينهما؟"، قال: "أربعون". (أخرجه البخاري).

كما يُذكر أن المسجد الأقصى كان قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج، مما يعكس مكانته العظيمة في العقيدة الإسلامية.

تأكيد وحدة الأمة الإسلامية

رسّخ تحويل القبلة مفهوم الوحدة بين المسلمين، حيث التزم الجميع بأمر الله دون تردد، مما يعكس قوة التلاحم المجتمعي والإيمان الجماعي. وقد شعر بعض الصحابة بالقلق على إخوانهم الذين ماتوا قبل إدراك هذا التحول، فنزلت الآية الكريمة تطمئنهم:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (البقرة: 143).

رسالة الوسطية والشهادة على الأمم

أشار هذا الحدث إلى وسطية الإسلام، حيث جمع بين قبلتين مقدستين لأتباع الديانات السماوية، وكان التحول إلى قبلة سيدنا إبراهيم عليه السلام تكريمًا للأمة الإسلامية وإعلاءً لمكانتها، كما جاء في قوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143).

 

يُعدّ تحويل القبلة حدثًا محوريًا يؤكد عمق العلاقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ويبرز وحدة المسلمين وامتثالهم لأوامر الله، كما يُجسد مكانة النبي ﷺ عند ربه. 

وهو درس تاريخي يرسخ مفهوم الطاعة والتسليم لحكم الله، ويؤكد أن العبودية الحقة ليست باتجاه المكان، بل في الامتثال لأمر الله في أي جهة كانت.