مع اقترابنا من يوم 9 مارس، يطل علينا "يوم الشهيد" ليذكرنا بتضحيات رجال مصر الأبطال من الجيش والشرطة، الذين قدموا أرواحهم فداء لوطنهم الغالي.
هذا اليوم ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل هو مناسبة وطنية نحتفل فيها ببطولات أشخاص صنعوا مجد مصر بأفعالهم وشجاعتهم، وعلى رأسهم الفريق أول عبد المنعم رياض، رمز البطولة والفداء، الذي ارتبط اسمه بتاريخنا العسكري الحديث وذاكرة شعبنا كله.
الفريق أول عبد المنعم رياض ولد في 22 أكتوبر 1919 بقرية سبرباي في محافظة الغربية، وترعرع في بيئة علمته الانضباط والوفاء للوطن.
منذ بداياته العسكرية، أظهر شجاعة غير عادية، فشارك في حرب 1948، وواجه العدوان الثلاثي في 1956، وتحمل صدمة نكسة 1967، لكنه لم يترك اليأس يسيطر على روحه، بل اتخذ من هذه الهزيمة وقودا لإعادة بناء الجيش المصري ليصبح أكثر قوة وعزيمة.
وعندما عين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة بعد 1967، لم يكتف بالخطط على الورق، بل كان حاضرا بين جنوده على الجبهة، يشاركهم المخاطر ويشجعهم على الثبات.
في 9 مارس 1969، وبينما كان الفريق رياض يتابع سير العمليات على جبهة قناة السويس خلال حرب الاستنزاف، أصابته شظايا قذيفة مدفعية واستشهد، فخسر الوطن قائده الملهم وجنوده روحا وطنية لا تقدر بثمن.
لكن تضحياته لم تذهب هباء، بل أصبحت منارة للأجيال، ورمزا للتضحية والفداء، يتذكره كل مصري ك "الجنرال الذهبي"، بطل لم يهاب الموت في سبيل حماية أرضه وشعبه.
يوم الشهيد هو أكثر من مجرد احتفال رسمي، فهو لحظة نتذكر فيها كل من ضحوا بحياتهم للحفاظ على أمن واستقرار وطننا، الجيش والشرطة، هؤلاء الأبطال الذين يسهرون على حماية حدودنا الداخلية والخارجية، يستحقون كل احترام وتقدير.
فكل شهيد منهم هو قصة وفاء وعمل بلا حدود، وترك إرثا من الشجاعة يتردد صداه في قلوب المصريين جميعا، كما أن يوم الشهيد يذكرنا بأن حب الوطن ليس مجرد شعارات، بل أفعال تضحية، وسهر على أمن الناس، ودفاع عن الحق والكرامة.
تعلمت من صغري في مدرسة الوفد معنى حب الوطن والاعتزاز بأرضه، كانت المدرسة مكانا غرس فينا قيم الانتماء والوفاء، وأكدت لنا أن كل لحظة نعيشها على هذا التراب يجب أن تكون فرصة لنحميه ونكرمه، وأن نحمل المسؤولية تجاه كل شبر من أرض مصر، كما حملها الشهداء قبلنا.
هذه القيم، التي تعلمتها في صغري، هي التي تجعلني اليوم أقف أمام تضحيات أبطال الجيش والشرطة بكل احترام وامتنان، وأدرك أن الوطن يحتاجنا جميعا، سواء بالحماية أو بالوفاء لذكراه.
وما أجمل أن نتذكر، ونحن نستعد للاحتفال بيوم الشهيد، أن هذه المناسبة ليست فقط لتكريم الماضي، بل لتذكيرنا بأن مسؤوليتنا مستمرة، فالجيش والشرطة ليسوا فقط درع الوطن، بل هم جزء من روح مصر التي لا تقهر.
وكل شهيد منهم، سواء كان في ميادين القتال أو في مواجهة الإرهاب، يثبت أن الحرية والسلام والأمان ليست هدايا تأتي من السماء، بل ثمنها التضحيات العظيمة التي لا تنتهي.
كما يجب علينا أن نحكي قصص هؤلاء الأبطال، لأن كل قصة منهم تحمل درسا وذكرى لا تنسى، بعضهم كان أبا، وبعضهم أخا، وبعضهم صديقا، لكنهم جميعا اجتمعوا في صف واحد: صف الدفاع عن مصر.
تضحياتهم علمتنا أن البطولة لا تقاس بعدد المعارك التي فزنا بها، بل بشجاعة من يضحون بحياتهم ليبقى الوطن آمنا ومستقرا، وهنا يظهر دور "يوم الشهيد" في ترسيخ هذه القيم، ليس فقط بين العسكريين، بل في كل بيت مصري، ليعرف الجميع أن الحرية والأمان لهما ثمن، وأن الشجاعة والفداء جزء من تاريخنا وهويتنا.
ومع كل مرور سنة، ومع كل 9 مارس، نشعر بفخر عميق بهؤلاء الأبطال، وندرك أن كلمات الشكر لا تكفي للتعبير عن امتناننا لهم، ولكن الاحتفاء بهم، وتذكر تضحياتهم، والسعي للحفاظ على الوطن، هو أقل ما يمكن أن نقدمه لهم.
فلتكن تضحياتهم مصدر إلهام لنا جميعا، لتظل مصر بلد الشهداء والبطولة، ولتظل روح الفريق عبد المنعم رياض حية في قلوبنا، تذكرنا دوما بأن حب الوطن هو واجب ومسؤولية وشرف.