عصف ذهنى
عقود طويلة تمثل الايجارات القديمة صداعا مزمنا، بعد ان فشلت الحكومات المتعاقبة فى علاج هذا الصداع، فهناك مالك يقدر عقاره بالملايين ولا يأخذ سوى الملاليم، وفى المقابل مستأجر دفع ثمن الشقة مقدما (كمقدم ايجار وتشطيب)، رغم دخله المحدود وورث عقد الايجار عن ابيه، والان ليس لديه القدرة للاقامة فى سكن بديل!!
هكذا ظل الايجار القديم عقدة الملاك والمستأجرين، حتى صدر قبل أيام حكم تاريخي من المحكمة الدستورية العليا، يقضى بعدم دستورية الفقرة الاولى فى كل من المادتين (١و٢) من القانون رقم 126 لسنه 1981 فى شان الاحكام الخاصة بتأجير الاماكن، وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما يخص ثبات الاجرة السنوية للاماكن المخصصة لاغراض السكن.
وجاء بحيثيات الحكم ان هذا الثبات يشكل عدوانا على قيمة العدل واهدارا لحق الملكية، لذلك اصبح لزاما على البرلمان ان يعدل هذا القانون قبل انقضاء دور انعقاده الخامس، بهدف اعادة التوازن بين الطرفين من خلال حوار ونقاش، وصولا لقانون توافقى يرضى الطرفين.
وعلى هامش النقاش الدائر حاليًا بين مختلف الاطراف، لنا بعض الملاحظات ربما يكون من المفيد طرحها قبل ان يصدر القانون المقترح فى صيغته النهائية من أهمها:
< أولا: التأكيد على احترام حكم الدستورية وكافة الاحكام الاخرى التى صدرت من قبل، لصالح المالك أو المستأجر للعمل من خلالها حتى لا يخرج القانون المقترح، حاملا شبهة عدم الدستورية ونعود إلى المربع صفر فى اول طعن عليه.
< ثانيا: اعادة حقوق الملاك تدريجيا من خلال حصر الشقق المؤجرة، وتصنيفها بين شقق ساكنة وأخرى مغلقة وثالثة تم تحويلها إلى نشاط تجارى أو ادارى، وهنا يجب فسخ عقد الايجار للشقق التى تم تحويلها إلى نشاط اخر بالمخالفة لعقد الايجار.
< ثالثا: بالنسبة للشقق السكنية يجرى تقدير قيمتها الايجارية، فى صورة شرائح وعلى عدة سنوات، استنادا إلى مساحة الشقة وموقعها والحى الكائنة فيه، فليس مقبولا ان يتساوى التقييم لشقتين احدهما بالزمالك والاخرى ببولاق
< رابعا: بالتوازى مع منح الملاك حقوقهم يجب الحفاظ على المستأجرين فى اماكنهم مراعاة لظروفهم المعيشة، وقدرتهم المالية للوفاء بالزيادة المقترحة خاصة وانهم دفعوا ثمن هذه الشقق، كمقدم ايجار وقاموا بتشطيبها وهى على (الطوب الأحمر)٠
< خامسا: يجب ملاحظة ان تلك الشقق المأهولة بالسكان، تضم على الاقل اكثر من ثمانية ملايين نسمة لابد من الحفاظ على استقرارهم، وعلى الحكومة ان تطرح نسبه مقبولة من مشروعاتها السكنية لصالح المستأجرين، بتسهيلات مغرية تدفعهم لترك شققهم القديمة ٠
< سادسا: ان معظم سكان الشقق القديمة من قاطنى الاحياء الشعبية، واغلبهم من محدودى الدخل واصحاب المعاشات، الذين لا يستطيعون تحمل الايجار الجديد مما يفرض مساعدتهم من خلال صندوق دعم المستأجرين، الذى يجرى تمويله من عائد الضريبة العقارية
تلك ملاحظاتنا ربما تفيد فى اعادة التوازن بين الطرفين، لانه بصراحة كلاهما ظالم وفى نفس الوقت مظلوم، بعد ان كان ولازال الايجار القديم عقدة الملاك والمستأجرين!!