تسعير منتجات الصلب بين سندان زيادة التكاليف محلياً ومطرقة ارتفاع أسعار الخامات عالمياً
لو فتشتت فى المعجم عن معنى السندان- بفتح السين- والمطرقه ستجد المعنى الحرفى للجملة هو الشىء بين أمرين كلاهما مُر أو شر، وهذا التفسير ينطبق تماما على وضع صناعة الصلب فى الوقت الحالى.
تمر الصناعة منذ أكثر من ستة أشهر بعدم الاستقرار لوقوعها بين سندان زيادة التكاليف الباهظة، وبين مطرقة ارتفاع أسعار الخامات فى البورصات العالمية التى لاترحم، ولا تعترف بالتكهنات.
لو نظرنا إلى التكاليف بالمصانع ستجدها عبارة عن قائمة طويلة بدءًا من حجم العمالة الرهيب ومرتباتهم الباهظة، مرورا بأسعار المحروقات والطاقة، والتأمينات، والضرائب، والمياه، وفروق تدبير العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد الخامات والمعدات والتكنولوجيا وإنتهاءً بأسعار الخامات نفسها بالأسواق العالمية الموردة، وكذلك أسعار الشحن والتفريغ ونولون النقل.
تعد هذه التكاليف هى العامل الرئيسى الذى تحدد عليه مصانع الصلب عملية تسعير بيع منتجاتها فى السوق المحلى، أو حتى أسعار التصدير لبعض منتجاتها مع التأكيد والتوضيح أن عوامل التكلفة تختلف كليةً بالمصانع المتكاملة عن مصانع الدرفلة، فالتكلفة بالمصانع المتكاملة أو حتى شبه المتكاملة أعلى بكثير جدا من التكلفة بمصانع الدرفلة، والعائد على رأس المال بالمصانع المتكاملة أعلى بكثير من العائد على رأس المال بمصانع الدرفلة.
** أرقام وحقائق
فى ظل الفوارق الكبيرة بين مصانع الدرفلة والمصانع المتكاملة لا تستطيع مصانع الدرفلة وضع تسعيره لمنتجاتها حتى لو أسعار الكمر والزوايا إلا بعد أن تقوم المصانع المتكاملة بإعلان أسعارها، ورغم ارتفاع أسعار الخامات عالميا لم تقم المصانع المتكاملة بإعلان أسعارها الجديدة حتى كتابة هذه السطور، وكل ما يتردد بشأن زيادة الأسعار اليوم الثلاثاء الأول من أكتوبر 2024 لا أساس له من الصحة، وما يحدث من كواليس بكل المصانع نستطيع أن نلخصه فى عدة نقاط جوهرية وهى:
أولا:
أن المصانع تعكف حاليا على دراسة السوق العالمى خاصة فى دولة الصين بصفتها تنتج أكثر من نصف الإنتاج العالمى، فضلا عن كونها أكبر مستهلك فى العالم لمعرفة هل الوضع الحاصل حاليا عبارة عن فقاعات مثل فقاعات العقارات، أم أن الوضع سيمتد لأكثر من ذلك!
ثانيا:
هناك تخوف شديد من استيراد أي خامات فى الوقت الحالى لربما تعاود أسعار الخامات خاصة خام الحديد هبوطاً وتصل إلى مستويات ما قبل شهر سبتمبر.
ثالثا:
ستلجأ المصانع الكبيرة إلى إعطاء أفضلية فى الشراء لنظام الدفع بالكاش، مع إجراء تحليل لعمليات البيع ومراقبة حالة السوق.
رابعا:
سيكون هناك حذر كبير عند التعامل مع المخزونات الموجودة بالمخازن رغم حاجة كل الشركات تقريبا إلى وجود سيولة مالية.
خامساً:
قد تضطر المصانع المتكاملة التى تقوم بالتصدير إلى مراجعة أسعار التصدير خاصة لأسواق أوروبا وأسواق الخليج تحديدا مع الإشارة إلى أن بعض الشركات فى دولة خليجية قد استشاطت غضبا عندما قامت إحدى الشركات المصرية بتصدير نحو 20 الف طن لفائف سلك بسعر تنافسى، وعلى الفور قامت الشركة الخليجية بخفض أسعارها مجبرة لتفويت الفرصه على الشركات المصرية للتصدير من جديد.
جملة القول، أن هناك ترقباً حذراً فى كل المصانع المنتجة للصلب سواء المتكاملة، أو شبه المتكاملة، أو مصانع الدرفلة والأخيرة تنتظر الأسعار الجديدة للمصانع المتكاملة فى ظل حسابات معقدة وشديدة التعقيد، فهناك تكاليف باهظة فى الإنتاج والتشغيل، وأسعار خامات فى تصاعد مستمر عالميا، وتكدس بضائع محلية فى المخازن نتيجة تراجع حالة الطلب، وعدم قابلية السوق لإجراء أية زيادات سعرية كبيرة خلال الأيام الحالية.
الأمر الآخر أن الحكومة أصبحت مطالبة بالتدخل، وإجراء مزيد من التسهيلات على قطاع البناء والتشييد كما فعلت دولة الصين مؤخرا.
بقى أن نشير إلى ما صرحت به الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية حيث أعلنت فى وقت سابق عن موافقة الرئيس السيسى علي الدراسة المشتركة التي أعدتها الوزارة بالتعاون مع وزارة الإسكان بإلغاء اشتراطات البناء المعمول بها حالياً فى المدن والقرى والكفور والنجوع بمختلف المحافظات والتي كانت قد صدرت في شهر مارس 2021، والعودة للعمل بأحكام قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية بما يساهم في سهولة إصدار تراخيص البناء، وانتعاش حركة التشييد والبناء، ولو تحقق ما صرحت به الوزيرة على أرض الواقع سترى صناعة الصلب ضوءً تستطيع من خلاله الخروج من النفق المظلم الذى تمكث فيه الآن.