برغم القانون حقوق المرأة على مائدة الدراما المصرية
دائما ما كانت الدراما مرآة للمجتمع، وتؤثر الدراما فى عقول وقلوب الملايين، وتخترق عوالمهم، وتترك أثرًا مباشرًا فى نظرتهم لمختلف أمور وإشكاليات الحياة.
وتستهدف الدراما فى السنوات الأخيرة، إبراز قضايا المرأة المصرية، ومناقشة المعاناة التى تعيشها داخل مجتمعنا، بهدف تصحيح الأفكار الخاطئة والعادات والتقاليد الخطأ التى نشأ عليها المجتمع، والعمل على تمكينها والتوعية بإسهاماتها ودورها فى مختلف المجالات.
وتناولت العديد من المسلسلات قضايا المرأة، كان آخرها مسلسل «برغم القانون» الذى يعرض حاليا على شاشة الفضائيات المصرية وحقق نجاحا ضخما، لإثارته قضية مهمة وهى صعوبة إثبات النسب دون وجود الزوج أو قسيمة الزواج، كما يتطرق للعديد من القوانين الخاصة بالمرأة، ولا يعتبر هذا هو العمل الأول الذى يتم تقديمه لمناقشة قضايا المرأة ولكن سبقه العديد من الأعمال الناجحة والتى كانت سببا فى تغيير بعض التشريعات والقوانين الخاصة بحقوق المرأة، خاصة قضايا، الوصايا على الأبناء، التعليم، المساواة، تمكين المرأة، والميراث والتمكين السياسى، والزواج المبكر، وختان الإناث، واقتحام المرأة مجالات العمل غير التقليدية، وواكبت الدراما التليفزيونية، توجهات الدولة التى تولى المرأة اهتمامًا كبيرًا ودعمًا غير مسبوق فى شتى المجالات الحياتية.
ومن أبرز الأعمال الدرامية التى ناقشت قضايا المرأة، مسلسل «تحت الوصاية» الذى ناقش تشريعات الوصايا للأسرة بعد وفاة الأب، أيضا مسلسل «خلى بالك من زيزى» لأمينة خليل والذى فتح الباب أمام مرض نفسى خطير وهو ADHD، والذى جعل الأهالى يتعرفون على مرض لم يكونوا يعلمون عنه شيئًا يتعرض له أبناؤهم، ويؤثر بشكل اساسى على الحياة الزوجية وصعوبتها، أيضا مسلسل «عملة نادرة» الذى ناقش قضايا الثأر والميراث فى الصعيد، وكذلك مسلسل «ستهم»، المستوحى من قصص حقيقية، الذى قدمت فيه الفنانة روجينا نموذجا واقعيا من المرأة التى قررت التخلى عن أنوثتها، كذلك مسلسل «حضرة العمدة» الذى ناقش قضية تمكين المرأة فى حق الحصول على منصب العمودية، كما ناقش المسلسل قضية تزويج القاصرات، وهى إحدى القضايا التى تنتقص من حقوق المرأة، وقبلها مسلسل «القاصرات» الذى ناقش فى القضية بعمق النجم الراحل صلاح السعدنى، بالإضافة إلى مسلسل «ليه لأ» لمنة شلبى الذى ناقش قضية تبنى المرأة للاطفال دون زواج.
النقاد: الدراما قادرة على تغيير القانون
وذهبنا إلى رأى النقاد حول مدى قدرة تلك الأعمال على التأثير فى المجتمع، وقال الناقد طارق الشناوى: «إننا ما زلنا نحتاج للمزيد من الأعمال الدرامية لدعم قضايا المرأة»، مؤكدا أن المجتمع الذى تكون فيه المرأة هى البطل هو مجتمع صحيح، وأنه من غير المعقول أن بعض الدول المرأة فيها تحكم الدولة، والمرأة لدينا لم تحصل على كامل حقوقها، موضحا أن دور الفن يبرز كأحد أهم العناصر الفاعلة فى بناء المستقبل، فمنذ فجر التاريخ، كان للفن تأثير عميق على المجتمعات، فهو لسان حال الشعوب، ومعبر عن ثقافاتهم، ومرآة تعكس آمالهم وطموحاتهم.
وأوضح أن الأعمال التى تطرح هى أعمال متباينة المستوى وبها تناقض، ولا نستطيع أن نقول إن جميعها قدمت مشكلات المرأة بشكل جيد وصحيح، ولكن هذا هو حال الدراما والتباين جزء طبيعى من الحالة الفنية، مؤكدا أن أقوى الأعمال الفنية التى ناقشت مشكلات وقضايا المرأة كان فيلم «أريد حلا» والذى عرض عام 1975، من بطولة الفنانة فاتن حمامة والفنان رشدى أباظة، وكانت له نتائج هائلة فى المجتمع، كما أن مسلسل «تحت الوصاية» للفنانة منى زكى، من أفضل الأعمال الفنية التى طرحت فى السنوات الأخيرة لمناقشة القضايا الاجتماعية للمرأة، سواء من ناحية الكتابة أو الإخراج، وهناك أعمال أخرى ناقشت قضايا المرأة ولكن كان بها بعض المشكلات الفنية فى طرح القضية مثل مسلسل «حضرة العمدة»، وعن مسلسل «برغم القانون» الذى يعرض حاليا، قال إنه لم يشاهده حتى الآن.
وأوضح أن فيلم «رفعت عينى للسماء» والذى حصد جائزة العين الذهبية مناصفة كأفضل فيلم تسجيلى، من أهم الأفلام الحديثة التى ناقشت قضايا المرأة، وسلط الضوء على القضايا التى تؤرقهن كالزواج المبكر والعنف الأسرى وتعليم الفتيات، وسرد عددا كبيرا من المشاكل وطرح عددا من القضايا التى تواجه الفتيات والمرأة.
وأكد أن الدراما ما زالت محتفظة للمرأة بقوتها ومكانتها، لذلك نجد أن نحو 50% من الأعمال الدرامية بطولات نسائية، لأن الدراما التليفزيونية تقدم الحياة بشكل واقعى، وذلك على عكس السينما التى هزمت المرأة فيها، ولكنها انتصرت على الشاشة الصغيرة، خاصة أن العديد من الأعمال الدرامية تطرح عددًا من المشكلات المختلفة.
وقالت الناقدة ماجدة خير الله: «إن الدراما تقدم أنواعا من القضايا المختلفة لدعم المرأة ومناقشة مشاكلها وانجازاتها»، لافتة إلى أن الدراما تشهد صحوة كبيرة فى تصدير القضايا النسائية التى تهم أكبر شريحة فى المجتمع، والتى تعبر عن صدق مقولة «المرأة نصف المجتمع» وما تلعبه من دورٍ كبير وجاد فى الحياة الاجتماعية، والتى تناقش ما يشغل المرأة وطرح قضاياها مثل تأخر سن زواج الفتيات أو المرأة المعيلة وحالها بعد الطلاق، أو تعرضهن للتحرش والقهر الاجتماعى.
وأكدت أن الدراما قدمت العديد من نماذج المرأة مثل المرأة المحامية التى لديها مشكلاتها، مؤكدة أن الدراما ليست مقصرة، والدراما ليست دورها أن تحل أزمات المرأة على أرض الواقع، ولكن دورها مناقشة القضية وإلقاء الضوء عليها، وأنه ينبغى على الجهات المعنية ووسائل الإعلام والإعلاميين على منابرهم الإعلامية أن يقوموا بالتنبيه ودعم قضايا المرأة والعمل على حلها.
وتابعت أن مرآة الدراما تعكس تمثيلًا واقعيًا لقضايا النساء ومشكلاتهن، ومحاولات لمعالجة هذه المشكلات، ونلاحظ أن الدراما تنتصر للمرأة فى النهاية، وتنصفها و تؤازرها، لما تلعبه من دورٍ كبير فى دعم ومساندة المرأة المصرية.
مؤلفة «برغم القانون»: عبرنا عن هموم المرأة بواقعية
وقالت الكاتبة نجلاء الحدينى، مؤلفة مسلسل «برغم القانون»، إنها عند كتابة شخصية «ليلى» حرصت على أن تكون قريبة من غالبية النساء، بحيث يجدن فيها ما يعبر عن مشاعرهن وهمومهن وأفكارهن، وخوفهن على أطفالهن، وتعكس الشخصية تحملهن للكثير فى سعيهن نحو الأمان، والتضحيات التى قد لا تكون دائمًا فى محلها، بالإضافة إلى إصرارها على الوصول إلى بر الأمان، كما أرادت إظهار قوتها فى مواجهة الظلم الذى تتعرض له، وعدم استسلامها حتى تنال حقها.
وقالت، إنها لم تتوقع أن يحقق المسلسل النجاح الكبير بعد اذاعة عدة حلقات منه، لافتة إلى أن فكرة المسلسل بدأت عندما تحدث المنتج ريمون مقار فى عرض فكرة المسلسل، ما أثار حماسها للعمل عليه، لافتة إلى أنها استغرقت أكثر من عام فى كتابة المسلسل، وهو ما أتاح لها الفرصة لتطوير حبكة قوية وإضافة تفاصيل تغنى العمل دراميًا، ما أعطى للشخصيات والأحداث عمقًا ومصداقية ظهرا بوضوح فى المسلسل.
وأوضحت أن الحفاظ على الحبكة المشوقة وتماسك الأحداث مع الحفاظ على سرعة الإيقاع وجاذبية الموضوع كان من أبرز الصعوبات التى قابلتها، خاصة أن العمل يمتد إلى 30 حلقة، كما أنها كانت حريصة على رسم الشخصيات بشكل متسق من حيث الدوافع والسلوك، وتطور الأحداث، وأن يكون لكل شخصية أسلوب حوار يعكس مستواها الاجتماعى ونشأتها، كما أن هناك صعوبة واجهتها فى دمج الخطوط الدرامية ومشاهد المواجهة بين الشخصيات، بالإضافة إلى البحث المكثف حول شخصية المرأة البورسعيدية وطبيعتها هناك، فضلًا عن المراجعات القانونية لضمان دقة المعلومات المقدمة فى العمل.
مؤلفا تحت الوصاية: كشفنا حقائق خطيرة عن تشريعات المواريث
وتحدث مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، خالد دياب وشيرين دياب، عن بعض كواليس كتابة العمل الذى حقق نجاحًا كبيرا، خلال موسم رمضان الماضى 2023، من بطولة الفنانة منى زكى.
وقالا كتابة المسلسل استغرقت 6 أشهر، تقاسم خلالها شيرين وخالد الأدوار، إذ تولى كل منهما خطوطًا درامية داخل السيناريو، ثم تبادلا الأدوار، ليضيف كل منهما وجهة نظره على ما كتبه الآخر، ويؤكد خالد دياب عدم وجود توافق بينهما فى الكتابة، لكن فى النهاية كان يتم حسم الأمر لصالح القصة، وبدورها، تقول شيرين دياب إنها تتولى كتابة الجزء الخاص بالمرأة فى كل أعمالهما الفنية المشتركة، مشيرة إلى أنها كانت معنية فى المسلسل بالعلاقة بين حنان وشقيقتها، وأطفالها، والنساء اللاتى تلتقيهن.
وأضافت شيرين، حكاية مسلسل تحت الوصاية حكايتى الشخصية، وكل المشاهد اللى عاشتها البطلة فى المسلسل مشاهد حقيقية 100%، تخوفنا ألا يتحمس أى شخص لفكرة مسلسل «تحت الوصاية»، وكانت فرصة «هايلة»، لأننا تخيلنا أن الموضوع صعب لأى منتج أن يتحمس له فى ظل منافسة رمضان الشديدة.
واستكملت شيرين دياب فى تصريحاتها عن المسلسل: «فى الغالب مسلسلات قضايا المرأة تُعرض خارج رمضان والشركة المنتجة هى التي اختارت طرحها فى موسم رمضان»، والحمد لله ان الجمهور تفاعل معه بشكل كبير وحاز على العديد من الجوائز بسبب واقعيته، وبالفعل قضية إرجاع المال للمجلس الحسبى قضية خطيرة وتشريع يحتاج إلى مناقشة.
وعلق المخرج والمؤلف خالد دياب، على حديث شقيقته قائلًا: «عمرنا ما كنا هنعمل المسلسل لو لم نمر بهذه التجربة فى عائلتنا، وأعتقد أن جزءًا من نجاح المسلسل هو ذهول الناس من اكتشاف هذه الحقائق».
وعلى الرغم من مأساوية القضية التى يطرحها المسلسل، فإنه لم يقع فى فخ الميلودراما، حسب خالد دياب الذى يشير إلى أنه اتفق مع المخرج على تقديم الحلقات كما لو كانت 15 فيلمًا سينمائيًا، لكل منها بداية ووسط ونهاية.
مدحت العدل: احترام المرأة قانونى فى الكتابة
أكد الدكتور مدحت العدل، الكاتب والشاعر والسيناريست، أن احترامه للمرأة تعلمه من والدته، خاصة أنها كانت سيدة قوية.
وقال، إن مسلسلات «عملة نادرة» و«لأعلى سعر» و«حارة اليهود» كانت تتحدث عن المرأة، لافتا إلى أنه يؤمن بأن المرأة هى أساس الحياة وليس الرجل، وأن الحرية مرأة والكرامة مرأة وكل شىء جميل هو المرأة.
واستطرد العدل، أنه يرى أن المرأة العربية سيدة قوية جدا وأنه لولاها لما نجحت كل هذه الأوطان، لافتا إلى أن المرأة العربية تعمل أكثر من الرجل، هى التى تعمل وتربى وتخلق أجيالا ربما أفضل من الرجل العربى، مشيرا إلى أن والدته كانت مُعلمة وأن تأثيرها عليه وعلى أشقائه قوى جدا، وأنها مثال بالنسبة له وكتب عنها قصائد كثيرة، قائلا: «المرأة المصرية والعربية تتحط فوق الراس، أرفع لها القبعة وأقول لها لولاكِ ما كان هناك أى نجاح ولا أى شىء إيجابى لهذا الوطن لولا المرأة»، مؤكدا أنه منحاز للمرأة فنا وفكرا ومشاعر وكل شيء.
أساتذة الإعلام: التركيز الدرامى وصف المرأة كسلعة لسنوات طويلة
ورصدت الدكتورة نسرين عبدالعزيز، أستاذة الإعلام والباحثة فى مجال المرأة والدراما، وقالت: «منذ بداية الألفية الثانية، كان التركيز الدرامى على المرأة بوصفها سلعة لإرضاء الرجل، وعُرضت أعمال لم تكن منصفة للمرأة من قبيل مسلسل كـ(الحاج متولي)، الذى جعل حياة بطلاته منافسة للفوز برضا الزوج، وجمع الرجل أربع زوجات فى بيت واحد، واستطاع أن يتزوج من يريد بماله، وهى رسائل استمرت فى أعمال تالية مثل (العطار والسبع بنات) و(الزوجة الرابعة).
وأضافت «عبدالعزيز»: «الوضع بدأ يتغير مع تركيز الدراما على مشكلات المرأة فى محاولة للتصالح معها، وإن لم يكن الوضع سيئًا طوال الوقت، حيث ظهرت أعمال على فترات تناقش قضايا المرأة ودورها فى الحياة».
وتؤكد تقارير رسمية سلبية نظرة الدراما للمرأة فى السنوات السابقة، ففى دراسة عرضتها الدكتورة سوزان القلينى، مقررة لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة، بداية العام الماضى، تناولت صورة المرأة فى الدراما فى الفترة من 2016 إلى 2020، قالت سوزان القلينى: «إن الدراما لم تواكب التطور فى قضايا المرأة واقعيًا، ولم تعكس الإنجازات والنجاحات التى حققتها، وركزت على أدوارها التقليدية وأحيانًا السلبية».
لكن يبدو أن هذا الوضع تغير مؤخرًا، حيث أشار تقرير لجنة الإعلام بالمجلس القومى للمرأة المصرية، والذى تضمّن رصدًا للأعمال التى قُدمت فى رمضان الماضى، والبالغ عددها 26 مسلسلًا عرضت على المحطات المصرية كافة، إلى أن الصورة السلبية للنساء فى معظم المسلسلات تحولت إلى إيجابية فى النصف الثانى من رمضان، لتظهر قدرة النساء على مواجهة التحديات.