ندى
جبلت النفس البشرية على ارتكاب الخطأ, ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم «كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون», ولذلك جاءت التوبة منحة ربانية ليعود العاصى، ويرجع المذنب, ويثوب المتجاوز إلى رشده, وقصص التائبين كثيرة يؤخذ منها الأمل والتفاؤل قبل العظة والعبرة, ومنها قصة أحد أئمة التابعين، مالك بن دينار والسبب فى توبته رؤية، يقول: فى يوم من الأيام اشتقت أن أتزوج ويكون لدى طفل، فتزوجت، وأنجبت طفلة سميتها فاطمة، أحببتها حبًا شديدًا، وكلما كبرت فاطمة زاد الإيمان فى قلبى، وقلت المعصية فى قلبى، ولربما رأتنى فاطمة أمسك كأسًا من الخمر، فاقتربت منى فأزاحته وهى لم تكمل السنتين، وكأن الله يجعلها تفعل ذلك، وكلما كبرت فاطمة زاد الإيمان فى قلبى وكلما اقتربت من الله خطوة ابتعدت شيئًا فشيئًا عن المعاصى.
وظل على تلك الحال حتى توفيت فاطمة فى سن ثلاث سنوات، وكان لوفاتها أعظم الأثر فى حياته، فلم يكن لديه من الإيمان ما يجعله يصبر على ذلك الابتلاء الشديد، فما كان يتصور فراقها يومًا، وما إن ماتت حتى انقلبت حياته رأسًا على عقب، وعاد أسوأ مما كان، وأصبح لا يفارق الخمر، حتى جاء يوم قال له شيطانه: «لتسكرن اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل».
يقول: «فعزمت أن أسكر وظللت طوال الليل أشرب وأشرب، فرأيتنى تتقاذفنى الأحلام حتى رأيت تلك الرؤيا، رأيت كأن يوم القيامة وقد أظلمت الشمس، وتحولت البحار إلى نار وزلزلت الأرض، واجتمع الناس إلى يوم القيامة والناس أفواجًا وأفواجًا، وأنا بين الناس وأسمع المنادى ينادى: فلان ابن فلان هلم للعرض على الجبار، فأرى فلانًا هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شدة الخوف، حتى سمعت المنادى ينادى باسمى هلم للعرض على الجبار، فاختفى البشر من حولى، وكأن لا أحد فى أرض المحشر، ثم رأيت ثعبانًا عظيمًا يجرى نحوى فاتحًا فمه، فجريت أنا من شدة الخوف فوجدت رجلًا عجوزًا ضعيفًا فقلت له أنقذنى من هذا الثعبان، فقال لي: يا بنى أنا ضعيف لا أستطيع ولكن اجر فى هذه الناحية لعلك تنجو, فجريت حيث أشار لى والثعبان خلفى فوجدت النار تلقاء وجهى، فقلت: أأهرب من الثعبان لأسقط فى النار؟ فعدت مسرعًا أجرى والثعبان يقترب، فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدنى أنقذنى، فبكى رأفة بحالى، وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شىء ولكن اجر تجاه ذلك الجبل، لعلك تنجو فجريت للجبل والثعبان سيخطفنى، فرأيت على الجبل أطفالًا صغارًا، فسمعت الأطفال كلهم يصرخون: يا فاطمة أدركى أباك أدركى أباك, فعلمت أنها ابنتى، ففرحت أن لى ابنة ماتت وعمرها ثلاث سنوات تنجدنى من ذلك الموقف، فأخذتنى بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى، وأنا كالميت من شدة الخوف، ثم جلست فى حجرى كما كانت تجلس فى الدنيا وقالت لى يا أبت: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ»؟.
فقلت يا بنيتي: أخبرينى عن هذا الثعبان، قالت هذا عملك السيئ أنت كبرته ونميته، حتى كاد يأكلك، أما عرفت يا أبى أن الأعمال فى الدنيا تعود مجسمة يوم القيامة؟ وذلك الرجل الضعيف هو العمل الصالح أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك، لأنه لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئًا، ولولا أنك أنجبتنى ولولا أنى متُّ صغيرة ما كان هناك شىء ينفعك.
يقول: فاستيقظت من نومى وأنا أصرخ: قد آن يا رب، قد آن يا رب، نعم: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ»، فاغتسلت وخرجت لصلاة الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله، لأدخل المسجد فإذا بالإمام يقرأ نفس الآية: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ».
باب التوبة مفتوح فلنسرع بالدخول قبل فوات الأوان.