أوراق مسافرة
حبيبتى، كما كنت فى طفولتى حلمى، وفى شبابى منتهى طموحى أن أصبح كيانًا على بلاطك صاحبة الجلالة بثوبك الورقى البهى، ستظلين وجعى وأنا أراك تتوارين ضعفًا أمام شراسة الشاشات والمواقع الإلكترونية، وقد طرحت فى ثلاث مقالات سابقة المشاكل التى تواجه الصحافة الورقية مع بعض الحلول المتعلقة بتعظيم موارد الدخل، خاصة العودة للإعلانات المبوبة، الاعتماد على الكفاءات وإغلاق أبواب الوساطة فى تعيين الصحفيين، تركيز المنتج الصحفى على استهداف الشباب، توقف الصحف الورقية عن إنشاء مواقع ويب مجانية لها وأن تكون تلك المواقع باشتراكات تصب فى موارد الصحيفة الورقية، مع ضرورة القبول بأن نموذج عمل الصحف القديم قد انتهى ويجب التطوير.
وأصل هنا إلى خطوات أخرى أساسية للنهوض بالمنتج الصحفى الورقى لمحاولة استعادة التواجد على الساحة ولو نسبيًا بعيدًا عن قرارات الإغلاق للإفلاس، وتتمثل الخطوات فى، أولا: تغطية كل المجتمع، أي أن تعكس المادة الصحفية الورقية احتياجات ومصالح مجتمعاتها بدءًا من القاعدة للقمة، مع تنوع تلك الخدمات المقدمة ما بين الأخبار، الرأى، الترفيه، ثانياً: تطوير المادة الصحفية لتتماشى مع بساطة العصر دون لغة معقدة أو معلومات مركبة، ليسهل فهمها خاصة بين الشباب، ثالثاً: مراعة التنوع والتعددية المجتمعية المختلفة من الأعراق، الثقافة، الاقتصاد، الدين، وهو ما يستوجب إعطاء مساحات أكبر للمراسلين بالمحافظات لتغطية أخبار أبناء المحافظات سواء فى التعليم، الاقتصاد، الثقافة، أعمال التنمية، الكشف عن الفساد، أخبار المنظمات الأهلية والمؤسسات الخيرية والشركات، وهكذا، كل هذا له تماس اهتمام بالقراء، وسيدفعهم لشراء الصحيفة الورقية.
رابعًا، يجب أن تتميز المادة الصحفية الورقية بالجرأة فى تقديم الخبر والمعلومة والنقد دون أى خوف وأن يسهم نظام الدولة فى تلك الحرية، مع التزام الصدق والموضوعية لكسب ثقة القارئ، مما يجعلها قوية ومقنعة، ولا يتم فى ذلك إهمال عوامل الجذب فى الإخراج الصحفى من عناوين بارزة ومثيرة للاهتمام، الصور الرسومات، تصميم الصفحات وهكذا، خامسًا: التركيز على المادة الصحفية الإرشادية التى ترشد القارئ لطرق سهلة وسريعة للتغلب على مشاكل الحياة، وتدعم من طاقتهم الإيجابية، وتوعيهم بحقوقهم وواجباتهم، سادسًا : يجب أن تركز الصحف الورقية على المواد الصحفية المحفزة للمشاعر ودفع القارئ إلى التحرك بإيجابية تجاه الأحداث، وإلى التعبير عن الرأى وعدم السلبية، وهو ما يجعل الصحيفة لصيقة بالقارئ وكأنها جزء منه معبر عنه وخادم لاحتياجاته فى الحياة.
سابعاً: من الضرورى أن تحافظ الصحيفة الورقية على اتساقها فى جودة المادة المقدمة فى كل قسم، أى يجد فيها كل قارئ على اختلاف اهتمامه ما يشبع هذا الاهتمام بصورة متعادلة لا خلل فى الكم، الكيف ولا تمييز، مع التجديد وعدم التكرار، والتركيز على القصة الخبرية، فالأخبار لم تعد ملائمة للورقى أمام سيل الصحف الإلكترونية سريعة التحديث اللحظى للأخبار، ثامنا: ضرورة التركيز على القضايا العالقة التى لم يتم حلها فى المجتمع، والسعى إلى نشر الأطروحات والآراء التى تساعد على حل تلك القضايا، وإن لم يكن بشكل جماعى فبشكل فردى، وهو ما يجعل الصحيفة بمثابة المستشار أو المرشد الاجتماعى للقارئ.
تاسعًا: أن يكون هناك جسر تواصل دائم بين القارئ والصحيفة فى سلاسة دون تعقيد أو فوقية فى التعامل، كأن يكون للصحيفة خط ساخن مخفض التكلفة تتلقى من خلاله مكالمات القراء وتعليقاتهم ومشاكلهم وتتفاعل معها وتستجيب لها فى الأعداد التالية للصحيفة بالنشر، وهو أمر يسعد القارئ ويشعره بأن الصحيفة بيت آخر له يستقبل مشاكلة وتعليقاته وآرائه، وهو ما يقوى العلاقة بين القارئ والصحيفة وبين كتاب الصحيفة أيضًا، عاشرًا: أن تفاجئ الصحيفة القراء بالتغيير اللطيف بين وقت وآخر، سواء فى الأبواب، شكل الصفحات، المنتج الصحفى بالتطوير، لأن القولبة تؤدى إلى ملل القارئ، والملل والاعتياد يؤدى إلى الانصراف وبحث القارئ عن بديل أكثر إثارة.
ما كتبته محصلة دراسات بحثية إنجليزية وعربية فى إطار إنقاذ الصحافة الورقية من الموت، فلا ترحل حبيبتى ولا تُخرب بيوت العاملين بها.
[email protected]