عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نداء القلم

لمّا قال ابن عربى:
(مقام النبوة فى برزخ … فويق الرسول، ودون الوليّ)
قالوا : كفر الرجل يُفضل الأولياء على الأنبياء! 
ولكنهم لو فكروا قليلاً لعلموا أنه لا يوجد تفضيل على الإطلاق. 
هذه مقامات عليا فى شخصه، وفى ذاته، صلوات الله وسلامه عليه، مقامات عليا فى نورانية الحقيقة المحمديّة، ولتساءلوا: أيهما أفضل على فرض إنْ كان هناك تفضيلُ فى مقاماته الشريفة: محمد النبيّ أم محمد الولي؟ وهل النبوة والرسالة قائمة فينا إلى يوم الناس هذا أم انقطعتا بوفاته؟
وما معنى قول ابن عربى:
(مقامُ النبوة فى برزخ … فويق الرسول، ودون الولىّ)
يعنى أن: (١) مقام النبوة يعطى للأخذ عن الله بواسطة وحى الله. 
(٢) ومقام الرسالة يعطى تبليغ ما أمره الله به للعباد. (٣) ومقام الولاية الخاصّة يعطى الأخذ عن الله بالله من الوجه الخاص. 
يعنى أنه صلوات ربى وسلامه عليه يأخذ عن الله بالله من الوجه الخاص، من حيث روحانيته، من حيث كونه رحمة للعالمين، ومن حيث إنّ قَدْره غير معروف سوى لربه، فلا يعلم قدره إلا الله، ولذلك قال : (أنا القاسم والله مُعطي). وقد صدق البوصيرى حين قال: (فإنّ فضل رسول الله ليس له، حدُّ فيُعربَ عنه ناطقٌ بفمٍ).
وهذه الحقائق الثلاث (الرسالة، النبوة، الولاية) كلها موجودة فيمن كان رسولاً فافهم، أى موجودة فى شخص الرسول، لا فى شخص أحدٍ سواه؛ فمرتبة الولاية فيه أفضل المراتب وأعلاها قدراً، وأكملها وأدومها وأبقاها، وأدلّها على روحانيته، وعلى حقيقته، وهى (الوجه الخاص). 
ولا تظن أنّ أحداً من أهل الله تعالى يعتقد تفضيل الولاية على النبوة وعلى الرسالة، من حيث كون الولاية منسوبة لسواه، فليس يُعقل أن يتقدّم المفضول ويتأخر الفاضل، ولا أن تتقدّم رتبة الولاية، وهى منسوبة إلى أشخاص سواه، فى حين تتأخر النبوة لتفضلها الولاية بتلك النسبة إلى ما دونه، وهو صلوات الله وسلامه عليه، مُمدُّ الهمم بالجود الأكرم، وهو مدد الأولياء جميعاً بغير استثناء.
وعليه، فمقام النبوة من حيث الترتيب الروحى فويق الرسول، لأن الرسول يعطى تبليغ ما أمره الله به للعباد، أدى الرسالة وحمل الأمانة، وجاهد فى الله حق جهاده على الكمال المُحقق فى شخصه صلوات ربى وسلامه عليه.
ومقام النبوة دون الوليّ فى شخصه هو؛ لأن مقام الولاية أكمل فيه، ولأن النبوة والرسالة قد انقطعتا بانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ولم تنقطع عن العوالم كلها ولايته، لأنه لو انقطعت الولاية كما انقطعت النبوة والرسالة لتحول العالم كله بما فيه ومن فيه كله إلى عدم. فالولاية فى شخصه من حيث روحانيته عليه السلام أكملٌ من النبوة ومن الرسالة لأنها أبقى وأدوم.
هذه الولاية هى نورانيته، وهى روحانيته، والعالم كله محكوم بأسماء الله الحُسنى وصفاته العُلى، وسيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من حيث روحانيته هو النور الذاتيّ والسر السارى سرّه فى سائر الأسماء والصفات، هو النور الذاتى لأنه أفتتح به الخلق، الفاتح لما أغلق من الأكوان، والسابق للخلق نوره، وهو أبو الأنبياء تحقيقاً وإمامهم، وهو خاتمهم، والموكب الخالد من الأنبياء من لدن آدم إلى محمد عليه السلام، قبسٌ من شعاع نوره الأصلى، لإظهار الحقائق الإلهيّة. 
مَنْ اندرجت النبيون تحت لوائه فهم منه وإليه، فاللهم صل وسلم وبارك عليه. وقد أحسن أبو حنيفة النعمان رضوان الله عليه، إذ قال فى قصيدته  (يا سيد السادات): 
(والأنبياءُ وكل خَلقٍ فى الورى  والرسل والأملاك تحت لواك).
لم يخطئ ابن عربى بل أخطأ الذين حجّروا الفهم وقصروه، وضيقوا منافذ الروح الطليقة مع التحجير والتضييق. 
حقاً! لا يعرف قدر رسول الله سوى مولاه. جاءت الصلاة عليه أمراً إلهياً وفريضة مفروضة، وهى أمر للمؤمنين دون غيرهم، أمر مباشر (للذين آمنوا).
والذين يرفضون الحقيقة المحمديّة فى بُعدها الروحى لا تحقيق لديهم من هذه الفريضة ولا يقومون بواجباتهم تجاهها؛ لأنهم لو قاموا بواجباتهم معها؛ لظهرت لديهم بالعمل والاختبار والتحقيق هذه الحقيقة المحمدية نوراً تاماً كاملاً فى قلوبهم ولذاقوا من معطياتها ما يؤهلهم للإيمان بها مفهوماً لدى الأولياء المحققين.