رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إيران بين الوجه المعلن وثقافة مستترة..  من هم الفرس الجدد؟

بوابة الوفد الإلكترونية

دائما ما يكون للحقيقة وجهان، أحدهما معلن ظاهر والآخر خفي مستتر، يعلو أحدهما على الآخر، وحسب الصوت الأعلى وتصدر المشهد يبرز أحد الوجهين ليصبح هو العنوان الأهم للمشهد والصورة.
يقول عالم الإيرانيات ريتشارد نلسون فراي "كان مجد إيران دوماً في ثقافتها"، فقد تميزت الثقافة الإيرانية رغم مرورها بالعديد من المؤثرات الثقافية سواء في العصر القديم أو الحديث بتمسكها بهويتها القومية، فاستفادت من الثقافات المختلفة، ولذلك أقامت لنفسها صرحاً ثقافياً يتماشى مع هويتها القومية.
ولأن نظرتنا كثيرا ما تتأثر للتراث الثقافي والحضاري للدول بالوضع السياسي وتكون منطلقاً للحكم على ممارساتها السياسية، فقد تجلى هذا الأمر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن بصرف النظر عن الممارسات السياسية والحكم عليها فإن إيران تتمتع بتاريخ حضاري وثقافي قلما يوجد للكثير من الدول في العالم، وهو ما يجعلنا نتساءل عنه، عن ذلك الجانب الخفي من المشهد، إيران ثقافيا وحضاريا، من هو الإيراني، الفارسي الجديد، أهو ذلك المشاكس الذي لا يملك من القوة سوى نوويتها، ويفتح دوما صدره للعالم متباهيا بما يملك، أم أن له وجها ثقافيا وحضاريا لا يعرفه الكثيرون، حتى ناء واستتر تحت وطأة الوجه الأعلى صوتا والذي فرضه عليه التوجه السياسي؟

يجيبنا عن ذلك التساؤل الدكتور أحمد سامي، استاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية بكلية الآداب جامعة عين شمس، حيث يقول:
إن النظر إلى الثقافة الفارسية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التراث الثقافي الفارسي، حيث إن إيران دولة صاحبة حضارة تمتد لآلاف السنين قبل الميلاد، وقد خضعت لحكم إمبراطوريات عظيمة كالإمبراطورية الهخامنشية والأشكانيين والبارثيين والساسانيين، وقد كان الملك كوروش الهخامنشي صاحب أول ميثاق لحقوق الإنسان منذ عام 539قبل الميلاد بعد أن استولى على مدينة بابل عام 539 قبل الميلاد، وتشجع تلك الاسطوانة المكتوبة بالنقوش المسمارية على حرية العبادة في جميع أنحاء الامبراطورية الفارسية، وتسمح للسكان الذين تم تهجيرهم بالعودة إلى أوطانهم.
وقد كانت هناك إمبراطوريتان عظميان سيطرتا على العالم فيما قبل الإسلام هما إمبراطوريتا الفرس والروم، وبالرغم من أن كلتيهما قد تم فتحهما على يد المسلمين، فإن الثقافة والحضارة الإسلامية قد انتشرت في العالم الإسلامي آنذاك وتولت الفرس إدارة شئون الإسلام وساهمت في نهضته التي كانت أساساً للنهضة الأوروبية فيما بعد، بينما لم تضطلع الحضارة الرومانية بمثل هذا الدور الذي أحرزه الفرس.. وأما منذ ما بعد الإسلام وحتى الوقت الحاضر فقد كان ولازال لدى إيران إرثٌ حضاري كبير في الأدب والشعر والفنون والعمارة والخط والموسيقى، وأضيف إليه في العصر الحديث السينما الإيرانية.

حُكمت إيران بعد الإسلام من قبل العديد من الدول وقامت في العديد من الحركات والدويلات بدءً من الطاهرية والصفارية والسامانية والغزنوية والسلجوقية مروراً بالتيموريين والصفويين والقاجاريين والبهلويين ثم الجمهورية الإسلامية.
وعن ذلك المزيج الذي يميز الحضارة  والثقافة الإيرانية يضيف "سامي":
امتزجت الحضارة الفارسية بالإسلام عند دخولها تحت رايته وأنجب هذا الامتزاج علماء وفلاسفة أثروا الحضارة الإسلامية، ولازالت آثارهم باقية إلى الوقت الحالي، ومن بين علماء الفرس في الدولة الإسلامية نذكر منهم في الطب ابن سينا وأبو بكر الرازي.. في الرياضيات الخوارزمي.. في الحديث البخاري ومسلم والنسائي.. في الفلك: الخيام.. في النحو: سيبويه. في الفلك والرياضة أبو الريحان البيروني.. والكثير غيرهم.. وفي الأدب حافظ وسعدي والعطار والخيام وغيرهم.. كل هؤلاء أثروا الحضارة والثقافة الإسلامية.
إن التراث الثقافي الإيراني مزيج بين التراث الإسلامي الإيراني وتراث ما قبل الإسلام، ويتضح ذلك في الأسماء التي ترتبط بتاريخ ما قبل الإسلام مثل بهرام، رستم، جمشيد، والإسلام التي ترتبط بالإسلام الشيعي مثل علي، حسن، حسين، مهدي وغيرها.. كما تتضح الإزدواجية التراثية كذلك في الأعياد التي تتنوع ما بين أعياد قومية إيرانية مثل "شب يلد" أو ليلة الميلاد، وعيد النيروز، وما بين الأعياد الإسلامية مثل عيد الأضحى وذكرى عاشوراء وغيرها..
ويتابع "سامي": وأما في العصر الحديث فإن إيران تعرف جيداً قيمة القوة الناعمة والتراث الحضاري، وهي تقوم على رعايته جيداً، حتى وإن كانت تستخدمه لصالح تصدير ثورتها الإسلامية والتغلغل في الدول المجاورة، وهناك العديد من المؤسسات التي تتولى رعاية الأنشطة الثقافية نذكر منها على سبيل المثال في مجال اللغة مركز نشر اللغة الفارسية، بنياد سعدي، مجمع اللغة والأدب الفارسي.
وفي مجال العمارة، فقد شيد الإيرانيون في العصر الإسلامي كثيرًا من المساجد والأضرحة والمدارس والأسواق والخانات والقصور.
وفي مجال الموسيقى فقد كانت الموسيقى جزءًا من تراث الإيرانيين قبل الإسلام وخاصة في عهد الساسانيين لأنها كانت تستخدم في الطقوس الدينية الزرادشتية. ومن بين الآلات الموسيقة الفارسية التار والسه تار والطنبور وغيرها.. وتخافظ الموسيقى الإيرانية على هويتها، رغم أنها لم ترفض التأثر بالروافد الأخرى الشرقية منها أو الغربية.
وأما السينما الإيرانية، فقد دخلت إيران مع بدايات القرن العشرين منذ عهد الشاه مظفر الدين القاجاري، وخضعت لتحديات وتأثيرات فيما بعد كان من أهمها الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكن السينما الإيرانية اليوم تحظى بشهرة عالمية، وحصدت عدة أفلام إيرانية وأفلام لمخرجين إيرانيين جوائز عالمية من بينها فيلم "جدایی نادر از سیمین" (انفصال نادر وسيمين) للمخرج أصغر فرهادي، وفيلم "لاک پشت ها هم پرواز میکنند" (السلاحف تسطيع الطيران) للمخرج بهمن قبادي وغيرها.
فرغم حصول الأفلام الإيرانية على جوائز عالمية، لكنها التزمت بالضوابط الموجودة في البلاد.

د.أحمد سامي