عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على مشارف غزو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين للعراق عام 2003، أصدرت مجموعة من المثقفين المصريين بينهم كتاب وروائيون وصحفيون وحقوقيون وفنانون بياناً وجهوه إلى القيادة العراقية يعبرون فيه عن مخاوفهم مما هو قادم، ويقترحون شكلاً من المواجهة لتجنبه أو المساعدة فى تحسين شروطه. طالب البيان بتسليم السلطة فى بغداد لفرع آخر من حزب البعث أقل تشددا من النظام الذى يقوده صدام حسين، يستطيع أن يمتلك من الحكمة والمثابرة والكفاءة، والثقة فى كلمته، ما يؤهله للتفاوض لكى يستطيع أن يثبت للمجتمع الدولى أن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل أو حتى قدرته على تصنيعها محض أكاذيب، وأن النظام العراقى القائم غير متورط فى مساعدة تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن لتنفيذ غزوتى نيويورك وواشنطن 2001. 
كان نظام صدام حسين قد أصبح فى عزلة ويفتقد إلى الثقة فى نواياه من الغربيين وبعض العرب، بعد أن غزا الكويت معلناً أن الطريق إلى القدس يمر عبر ضمها إلى العراق. لكن الكويت لم تصبح المحافظة العراقية رقم 19 كما أراد. وانتهت حرب الخليج الثانية بحملة عاصفة الصحراء العسكرية الأممية والعربية المشتركة، لتحرير الكويت بتحطيم الجيش العراقى، وفرض حصار اقتصادى على العراق أضعف مؤسساته ونهب ثرواته فيما كان يسمى برنامج النفط مقابل الغذاء، وتعرض الشعب العراقى لكم هائل من المعاناة القاسية جراء العقوبات الدولية المفروضة على بلاده منذ العام 1991 وزادت أعداد مهاجريه إلى الخارج. 
بعد صدور البيان قاد ممثلو التيار القومى واليسار المتشدد كما هى عادتهم دائماً، حملة شنعاء على الموقعين عليه، ووسموهم بالخيانة والعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، بدلاً من الحوار معهم والسعى لإقناعهم بالنقاش والجدل بأن دعوتهم ربما تكون غير صائبة، أو إصدار بيان يقدم مقترحاً بديلاً لما قدمه بيانهم. 
وكان خالد محيى الدين قد قال فى حوار معه، لو أن الموقف الشعبى والرسمى اجتمع على ضرورة انسحاب صدام من الكويت لكان يمكن إنقاذ العراق من هذا المصير البائس. ولمن لا يذكر كانت المظاهرات الشعبية تهتف باسم البطل والزعيم صدام حسين فى عدد من العواصم العربية، فكيف لمن كان فى وضعه، أن ينصت لنصيحة ثلة من المثقفين يراهم هو وحلفاؤه مأجورين وخونة، والجماهير وبعض قادتها يطالبونه بمواصلة الزحف من الكويت إلى غيرها من دول الخليج المجاورة وطبعا منها إلى القدس؟ 
تذكرت هذه الواقعة بعد أن قرأت مقال مصطفى الكاظمى رئيس الوزراء العراقى السابق ونشرته قبل أيام صحيفة الشرق الأوسط، والردود التى انتشرت عليه على وسائل التواصل الاجتماعى وفى بعض الصحف العراقية، بعضها ينبه والآخر يحذر، بأنه يمهد إلى عودته للسلطة من منفاه الأردنى. فتح معارضو الكاظمى عليه الأرشيف، وبدأ تسليط الضوء على ما يقولون إنه مسئوليته عن مقتل قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الإيرانى، وأبو مهدى المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبى التابع بدوره لإيران، بمسيرات أمريكية حين كان رئيساً لجهاز المخابرات العراقية قبيل تقلده منصبه بأشهر قليلة. وتقدم من يدفعون من غيرهم لمقاضاته عن الاغتيال وفتح تحقيقات مع معاونيه وسكرتاريته تتهمهم بما سمى «سرقة القرن» وتوجه إلى حكومته الاتهام بتهريب 2٫5 مليار دولار من أموال الدولة إلى الخارج. مع أن حكومته نجحت فى الفترة القصيرة لرئاسته فى تطوير سبل المواجهة لتنظيم داعش وإضعافه. وعقدت اتفاقات اقتصادية مع دول الجوار غطت العجز المالى لموازنة البلاد، وصلت بعدها لأعلى احتياطى لها منذ الاحتلال. 
تولى مصطفى الكاظمى (57 عاما) الشيعى المستقل، رئاسة الحكومة العراقية فى فترة صعبة لم تستمر سوى عام واحد من أكتوبر 2021 وحتى أكتوبر 2022. وجاءت حكومته عقب المظاهرات الشعبية الغاضبة من تدنى الأوضاع المعيشية، وتدهور الأداء الاقتصادى وتفشى الفساد ما أجبر سلفه «عادل عبدالمهدى» على الاستقالة. ونجحت وزارته فى إبراز الوجه العربى للعراق الذى يجرى بتعمد على قدم وساق، طمس معالمه، فوثق علاقاته مع مصر والأردن والسعودية. وفى بداية ولايته تعهد بالتصدى للفساد ومكافحة وباء كورونا. وما إن أعلن الكاظمى عزمه على التصدى للانفلات الأمنى، وحصر السلاح المنتشر فى أرجاء البلاد وضم قطاع الحشد الشعبى إلى المؤسسة العسكرية الرسمية، حتى بدأت الأحزب الدينية التى تهيمن على القرار السياسى فى بغداد من بعد الغزو والاحتلال، التخطيط للإطاحة به. جرت محاولة لاغتياله بطائرات مسيرة على منزله ونجا منها دون تحديد شخصية الجناة، حتى أجبرته على الاستقالة، لكى لا يدور فى خلد أحد من مسئولى العراق أنه حر ومستقل الإرادة عن طهران. 
إيران لا تريد عودة مصطفى الكاظمى للعب دور سياسى، ومن يفتحون عليه نيران سخطهم لمجرد نشره مقالًا فى الصحف هم أدواتها فى الحشد الشعبى والأحزاب التى تأتمر بأمرها. وسلطة الولى الفقيه وهى تريد ذلك، لم تسأل يوما وماذا يا ترى يريد الشعب العراقى؟!