رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لغتنا العربية جذور هويتنا (4)

لما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، وعُرض على أبى بكر (11-13هـ = 632-634م) تدوين القرآن فى مصحف وجمْعه من الرقاع رفض الفكرة أول أمره، وانشغل بحروب الردّة، ثم استُشهد فى حروب الردّة كثير من الصحابة حَفَظة القرآن الكريم، هنا شرح الله قلب أبى بكر واستجاب لرأى عمر بن الخطاب، وكان أول ما جمعوه بين دفتين، حيث جمع القرآن، فعهد إلى زيد بن ثابت فى ذلك برغم صغر سنة، لأنه أشهر الحُفاظ، وكان مداوماً على كتابة الوحى للرسول، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن، ونصحه أن يستمع لقراءات خمسة من الصحابة هم: عليّ، وعثمان، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس. وكان منهج زيد بن ثابت (ت45هـ/665م) فى هذا الجمع مستحقا التأمل والدرس، بعد أن قال عمر (13-23هـ = 634-644م) لأبى بكر الصديق (ت 13هـ 573ـ634م):
«إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمَواطن (جمع موطن أى مكان)، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإنى لأرى أن تأمر بجمع القرآن».
وتردد أبوبكر، وقال: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله؟، فقال عمر: هذا والله خير، فقال أبوبكر، فلم يزل عمر يراجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك، وحين كلف زيد بن ثابت قال زيد: فو الله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىّ مما أمرنى به من جمع القرآن».
القرآن الكريم أصدق الكتب والنصوص والمصادر بثقة سَنَدِه {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، فصّـلتْ، آمن بذلك المؤمنون، وصدّقه المنصفون من غير العرب، أمثال: «لوبلوا»، و«نولدكه».
إن جمع المصحف هو باكورة صناعة الكتاب فى المكتبة الإسلامية وفق منهج علمى سديد سبق منهج المعاصرين، وذلك بانتقال هذه المكتبة الإسلامية من الذاكرة الواعية الحافظة، إلى الصحيفة الخالدة، وها قد عهد أبوبكر إلى زيد بن ثابت أشهر الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن الكريم، ووعيا لحروفه، وأداءً لقراءاته المختلفة، وضبطاً لإعرابه ولغاته، ومداومة لكتابة العرض، وشهد العرضة الأخيرة فى حضرة النبى، كما قدمنا، مع صفات ومزايا يذكرها له الخليفة والصحابة. لقد فوّضه أبو بكر فى اختيار مَنْ يعاونه ويسأله، وأوْدَع تحت يديه ما تركه النبى عند زوجته السيدة عائشة رضى الله عنها، وسأله أن يسمع جيدا لقراءات خمسة من الصحابة غيره وغير عمر، ومضى الصحابى زيد بن ثابت فى منهج علمى دقيق فى البحث والاستقصاء والإثبات والمراجعة، لجمع ما عند الصحابة من قرآن مكتوب على السعف واللخاف والرقاع، وجلس يدوّن ويراجع ويقرأ ما دُوِّن على الرجال، ويسمع ويستحفظ صدور المؤمنين ويتحرى فى كل لفظ وكل آية قبل أن يثبتها، ويعود إلى ما كان تحت يديه مما كُتب فى زمان النبى، ولا يترك آية حتى يتوثقها ويدقق أمرها ولفظها وضبطها على كثرة من الصحابة، ومضى فى منهجه هذا يلتزم التحرى والمتابعة والبحث والمراجعة والسماع للحفاظ حتى أتم جمع المصحف، وإنّما راعى ذلك كله مبالغة فى الضبط وزيادة فى الاحتياط حتى تكون الكتابة مُعَاضِدةً للحفـّاظ ومؤازرةً لهم، وهكذا حتى تم جمع المصحف فى صحائف واحدة فى قطعها ونوعها ونقشها وضبطها، لأول مرة فى عهد أبى بكر الصديق رضى الله عنه بعد أن كان متفرقاً فى زمن النبى، وإثبات ما كان فى العرضة الأخيرة فى موضعه ومكانه وترتيبه، ما لم تنسخ تلاوته، وكان لا يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدْلان أنه كُتب أمام رسول الله، وقَبِل ما فى آخر سورة (براءة) مع أنه لم يجدها إلا عند أبى خزيمة؛ لأن الجميع كانوا حافظين لها.
جُمع القرآن وكُتب على هذا النحو، وبجهد زيد بن ثابت، وبإشراف أبى بكر وعمر، رضى الله عنهما، فقال على بن أبى طالب: «أعظم الناس فى المصاحف أجراً أبو بكر - رحمة الله على أبى بكر - هو أول من صحّف كتاب الله تعالى وجمعه». أخرجه ابن ماجه، وابن أبى داوود فى مسنده.
قال الإمام أبو عبد الله المحاسبى: «كتابة القرآن ليست بمحْدثة، فإنه  كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقاً فى الرقاع والأكتاف وغيرها، فأمر الصدّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعة، وكان ذلك بمنزلة أوراق وُجدت فى بيت النبى وفيها القرآن منتشراً جمعها زيد وربطها حتى لا يضيع منها شيء».
تحدث أبوالفرج ابن النديم (ت 438هـ)، تحقيق إبرهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت ط2 1997، فى الفن الأول من المقالة الأولى من (الفهرست) ص 9 تحت عنوان (خطوط المصاحف)، ذاكرا خطوطه العديدة بين: المكي، والمدني، والمثلث، والمدور، والكوفي، والبصري، والمشق، والتجاويد، والسطواطي، أو السلواطى، والمصنوع، والمنايذ، والمراصف، والأصفهاني، والسجلي، والفيراموز، ومنه يستخرج العجم وله يقرأون، وهو نوعان: الناصرى، والمدور، وقال إن أول من كتب المصاحف فى الصدر الأول، ويوصف بحسن الخط هو خالد بن أبى الهياج «رأيت مصحفا بخطه»، وهو الذى كتب الكتاب الذى فى قبلة مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بالذهب من: «والشمس وضحاها» إلى آخر القرآن، وذكر من كتـّاب المصاحف: خشنام البصري، ومهدى الكوفي، وكانا أيام الرشيد، ولم ير مثلهما حيث كتابة كتابه، ثم ذكر طائفة ممن تلوه.
 

عضو المجمع العلمى وأستاذ النقد الأدبى
بجامعة عين شمس