رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حظى شهر رمضان المبارك بمكانة ومنزلة عن سائر شهور العام؛ لنزول القرآن الكريم فيه على نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فصار أفضل الشهور، وجعل الله فيه الأجر مُضاعف، وميَّز الثلث الأخير منه بميزات جعلته الأفضل؛ فجعل الأجر مُضاعفا أضعافًا كثيرةً لا يعلمها إلا الله فى ليالى العشر الأواخر من رمضان؛ لوجود ليلة القدر فيه، التى هى خيرٌ من ألف شهرٍ، ولذلك صارت أفضل ليالى العام، ولقد اتفق العلماء على وقوع ليلة القدر فى العشر الأواخر من شهر رمضان لكثرة الأحاديث الواردة فى التماسها فى الثلث الأخير من رمضان، وأما تحديدها فى العشر الأواخر فمختلف فيه تبعًا لاختلاف الروايات الصحيحة، وفرق العلماء بين ليالى العشر الأواخر من رمضان وأيام العشر من ذى الحجة؛ فقالوا إن ليل رمضان أفضل من ليل ذى الحجة بسبب القرآن والقيام، ونهار ذى الحجة أفضل من نهار رمضان بسبب مناسك الحج، وهذا يستدعى من المسلم أن يحسن استقبالها واغتنامها، وأن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يتنافس فيها فيما يقربه إلى الله عزَّ وجلَّ.

يُستحب للمسلم تحرى ليلة القدر، وقيام هذه اللَّيلة المباركة وإحيائها تصديقًا بالله وبفضل هذه اللَّيلة، وبما أعد فيها من الثواب ومُحتسبًا الأجر غفر الله له ذنوبه السابقة، كما ورد فى الصحيحين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» «رواه البخارى ومسلم»، وينبغى الإكثار فيها من الدعاء بما أرشدنا به النبى صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، بأفضل أنواع الدعاء فى تلك اللّيلة، وهو: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى»؛ فعن السيدة عائشة رضى اللَّه عنها: «قلت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، بم أدعو؟ قال: قولى: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنى» «رواه ابن ماجة وصححه الألبانى»، فالعبادة والعمل فى ليلة القدر أفضل من ألف شهر فيما سواها؛ أى ما يقدر بثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر؛ لأن الله اصطفاها من بين الليالى ليُنزّل فيها القرآن الكريم، وقد أنزل فى شأنها سورة باسمها ذكر فيها شرفها وعظَّم قدرها وهى سورة القدر؛ فقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} «القدر 1-5».

كان من هدى النبى صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، أنه يرغِّب أهله فى قيام ليالى العشر حرصًا على اغتنامها؛ فكان يجتهد فى العشر الأواخر من شهر رمضان ما لا يجتهد فى غيرها، ويخصها عن بقية الشهر بمزيدٍ من الطاعة والعبادة؛ فقد وصفت السيدة عائشة رضى الله عنها، حال النبى فى العشر الأواخر قائلةً: «كان يجتهد فى العشر الأواخر، ما لا يجتهد فى غيره» «رواه مسلم»، وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها، أنها قالت: «كان النبى صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» «رواه البخارى»، وزاد «مسلم»: «وجدّ وشدّ المئزر»، وفيه كناية عن الاستعداد للعبادة، وإشارة للجد والاجتهاد فى العشر الأواخر من رمضان، ولا يشغله شىء عنها من أمور الحياة، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع.

اختلف العلماء فى تعيين ليلة القدر؛ فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، ‏والصحيح أنها فى العشر الأواخر دون تعيين، ورجح أكثر العلماء أنها فى الليالى الوتر من العشر الأواخر، وأرجى ليلة لها هى ليلة السابع والعشرين، لحديث عائشة رضى اللَّه عنها، أنّ رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «تحروا ليلة القدر فى العشر الأواخر» «رواه البخارى ومسلم»، وفى رواية: «تحروا ليلة القدر فى الوتر من العشر الأواخر» «رواه البخارى»، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تطلب فى جميع ليالى العشر أشفاعه وأوتاره؛ لأن الشهر قد لا يكتمل، وهذا يوجب علينا ‏الاجتهاد فى جميع ليالى العشر؛ فالفرصة ما زالت قائمة حتى آخر ليلة فى رمضان لمن أراد أن يعتق نفسه من النار، وينال الفضل العظيم، ومن قام ليلة القدر غفر الله له ذنوبه السابقة، ومن حرم خيرها فقد حرم الخير كله؛ ففى الصحيحين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» «رواه البخارى ومسلم»، والحكمة من إخفائها: اجتهاد المسلمين فى العبادة والذكر فى جميع أيام العشر الأواخر، وألا تقتصر عبادتهم على يومٍ بعينه، وترك بقية الأيام، وقال الرّازى فى تفسيره «إن الحكمة من إخفاء ليلة القدر عن الناس حتى يعظموا جميع ليالى العشر الأواخر فى نفوسهم، فقد أخفى اللَّه سبحانه اسمه الأعظم حتى يعظم المسلم كل أسمائه، وأخفى تحديد ساعة الإجابة فى يوم الجمعة حتى يعظم العبد جميع ساعات هذا اليوم المبارك بالدعاء، كما أخفى الله عزّ وجلّ الصلاة الوسطى حتى يعظم المسلم كل الصلوات، وأخفى موعد الموت لكى يخاف المكلف ويعظم أمر حياته، فيستثمرها فيما يرضى اللَّه، وأخفى قبول التوبة ليعظم المرء أمرها ويبقى ثابتا عليها، وهكذا كان إخفاء موعد ليلة القدر حتى يكون تعظيمها فى النفس أبلغ وأشد تأثيرًا».