عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رغم وحش الغلاء

رمضان فى مصر «حاجة تانية» 

بوابة الوفد الإلكترونية

حل علينا شهر رمضان المبارك محملاً بعدة مسئوليات جسيمة على كاهل المواطن المصرى، الذى يقف حائرا بين الراتب المتدنى وأعباء المعيشة والأسعار الملتهبة خاصة ياميش رمضان الذى يعد أحد أهم مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم، حتى ولو بشراء النذر اليسير منه.

وما أن بدأ الشهر الكريم والمصريون لم يفيقوا بعد من كابوس أسعار الياميش، حتى وجدوا أنفسهم أمام عيد الأم والهدايا والتى لا تقتصر على الأمهات فحسب بل يتم تقديمها للمعلمات فى المدارس أيضاً مما يزيد الأعباء على الأسرة.

وما أن ينتهى الأب والأم من شراء مستلزمات رمضان وهدايا عيد الأم حتى يجدوا أنفسهم أمام متطلبات عيد الفطر، من شراء ملابس جديدة، بينما الأسر التى تسافر لمحافظات أخرى لقضاء العيد مع العائلة تجد نفسها ملزمة بتدبير مبلغ كبير كتكلفة لهذه الرحلة التى لا يمكن إغفالها، كل هذا فى شهر واحد ويتزامن ذلك مع استمرار العام الدراسى ومتطلباته خاصة الدروس الخصوصية.

ورغم كل هذه الأعباء ما زال «رمضان فى مصر حاجة تانية» يحلو فيه السهر والترفيه، وتشاهد مظاهره فى كل المحافظات بلا استثناء، حيث تجد الكنفانى وبائع العصير والمخللات، ورغم الظروف الاقتصادية التى أثرت فيهم هذا العام، حيث توقف بعض بائعى العصير عن نشاطهم بسبب أزمة السكر، ما زال بعضهم يكافح من أجل البقاء.

«الوفد» تناقش فى هذا الملف رمضان هذا العام، وكيف شكلت الظروف الاقتصادية ملامحه فى الشارع وداخل المنازل.

 

تكافح رغم الصوم ونيران الفرن

أيادٍ لا تعرف الراحة

 

محرر «الوفد» مع عمال الفرن.. مآسى العمل فى رمضان
«ياسين» يعيش عمرا يفوق سنه الحقيقى وسط النيران

أيادٍ لا تعرف للراحة سبيلا.. يعملون بكل قوتهم غير عابئين بالصيام والعطش والجوع، يجدون سعادتهم فى الشقاء وكسب قوت يومهم من عرق جبينهم، هؤلاء هم «الشقيانين» فى رمضان، منهم عمال المخابز الذين تشعل حرارة الجو من حولهم أجسادهم النحيلة عطشًا، ولكنهم لا يبالون، ومنهم عمال النظافة الذين يجوبون الشوارع إيابا وذهابا لتنظيفها، ساعين لإرضاء الله بتحمل مشقة الصيام المضاعفة، بطولات فردية يقوم بها هؤلاء وهؤلاء على مدار 10 ساعات يوميًا يرون فيها العذاب سواء بالعطش أو بالجوع، ومع ذلك تجدهم صابرين شاكرين الله.

«الوفد» عايشت أجواء رمضان مع بعض عمال الأفران، فما أن تدخل عتبة الفرن حتى تشعر بعطش شديد بعد تعرضك لقوة النيران، جدران تخرج منها حرارة تشعل الأجساد عطشًا، وأياد تعمل لا تمل أبدا، أصحابها يعانون الجوع والعطش إلا أنهم يتغلبون على ذلك بالضحك والنكات والأحاديث الجانبية.

«اتربيت على تحمل المسئولية من صغرى وبصرف على نفسى».. قالها بفخر شديد على حمدى، الشاب الثلاثينى الذى تولى مسئولية والدته وشقيقته منذ وفاة والده فى حادث، وكان عمره آنذاك 10 أعوام.

لم يجد «على» سبيلاً فى الحياة سوى الاعتماد على نفسه حتى لا يحتاج لأحد من أقاربه، فكرس حياته للعمل، فى الوقت ذاته يحرص على الدراسة، لذلك فهو يعمل فى وقت الإجازات نهارًا وليلاً لتوفير المبلغ اللازم لسداد المصروفات الدراسية، وما يحتاجه من ملابس، بالإضافة إلى متطلبات شقيقته التى تدرس بالجامعة.

ونتيجة لزيادة الأعباء على الشاب الصغير بدأ يعمل فى الدراسة أيضاً فى الفرن ليلاً وفى الصباح يتفرغ لدراسته، ويقول: «اللى زيّنا لو نام يوم مش هيلاقى ياكل.. رزقى يوم بيوم.. والعمل فى الصيام بيكون كله بركة وثوابه أكبر».

وبسؤاله عن مشاق العمل فى رمضان رد قائلاً: «حد يطول يجتهد فى سبيل الله وياخد أضعاف الثواب اللى بياخده أى عامل فى أى مهنة تانية».

يستكمل الشاب الثلاثينى حديثه ويقول إنه مثل غيره من العاملين فى الفرن يحاول جاهدا التغلب على الوقت ومشاق العمل بالحديث مع زملائه والتسامر معهم حتى يمر الوقت سريعًا.

الأمر نفسه أكده ياسين جمال، الذى يعمل داخل الفرن، يقبض بيديه على الأخشاب الخاصة التى تحمل العجين ويلقيه بحرفية إلى الشخص الذى يقف أمام فوهة النار، وبالحديث معه، قال إن العمل فى المخبز خلال رمضان شاق جدًا.

«يمكن فى الأول كنت بموت فى اليوم مليون مرة لحد ما أفطر».. يستكمل ياسين صاحب الـ16 عامًا، حديثه ويقول إن نظرات المارة فى الشارع له وهو عائد من عمله فى رمضان بفخر شديد كانت المكافأة الكبيرة له، «ربنا يباركلك فى حياتك.. ربنا يديك الصحة».. دعوات يتلقاها «ياسين» خلال عودته لمنزله بعد انتهاء فترة عمله بالمخبز.

بعد مرور سنوات من العمل داخل المخبر أصبح العمل بجوار النيران فى رمضان أمرًا سهلاً على «ياسين»، يحاول الاندماج فى الحديث مع غيره من الشباب داخل المخبز، والذين يعاملونه كرجل مثلهم خاصة بعد إعجابهم به وتحمله المسئولية دون شكوى.

«زمان كنت بروح وجسمى كله حرارة وجلدى متسلخ».. يستعيد «ياسين» ذكريات بدايته فى العمل مع شهر رمضان، يشير إلى أن العطش الشديد فى رمضان وعمله وسط أجواء حارة جدًا كانت تعرضه للإصابة بالسخونة والجفاف أحياناً، وتابع قائلا: «الكبار فى المهنة قالوها زمان: دى مجرد بدايات وبعدين هتكتسب مناعة ومش هتحس بالحاجات دى وفعلاً حصل».

ومن العاملين فى المخابز، إلى عمال النظافة الذين يترجلون لساعات طويلة فى الشوارع يتحملون مآسى العمل تحت ألسنة الشمس لخدمة غيرهم فى نظافة الشوارع والمنازل، قد يتخطى عمر بعضهم الخمسين عامًا، إلا أن عزيمتهم تتخطى قدرات شاب ثلاثينى.

بخطى بطيئة يسير عم «جمال» فى شوارع فيصل لجمع القمامة، يقف لدقائق معدودة ليتلقط أنفاسه قليلاً حتى يستطيع مواصلة عمله الشاق تحت أشعة الشمس الحارقة.

علامات الإجهاد تظهر على الرجل الخمسينى، يحاول إزالة العرق بـ«كم اليونيفورم»، يقول إنه مثل غيره من الرجال الذين تخطوا سن الخمسين ويواصلون العمل دفعتهم ظروف الحياة لذلك فى حين يجلس غيرهم فى منازلهم وسط أبنائهم الذين يراعونهم، وتابع: «بحس أن ربنا بيدينى الصحة علشان أقدر أكمل حياتى وأشقى».

«محدش مرتاح فى حياته والكل عنده حاجة تاعباه».. يستكمل عامل النظافة حديثه ويقول إن شهر رمضان يأتى عليه بالخير، فكلما ترجل فى الشوارع يجد من يحسن إليه ببعض الجنيهات، ما يعينه على شراء مستلزمات بيته، فالجميع يعانون سواء غنى أو فقير، من يعمل وله دخل ومن لا يعمل.

 

عيد الأم.. ودروس خصوصية ومستلزمات العيد:

«مارس».. الأصعب أمام المصريين

 

الزينة تملأ شوارع المحروسة احتفالا بالشهر

مسئوليات جسيمة تقع على كاهل رب الأسرة المصرية خلال الشهر الجارى لما يحمله من مناسبات عديدة بداية من شهر رمضان ومتطلباته من شراء الياميش واللحوم والدواجن، وعيد الأم الذى يتزامن هذا العام مع الشهر الكريم، ناهيك عن شراء مستلزمات عيد الفطر من ملابس وخلافه، لذلك يعد شهر مارس هو الشهر الأصعب خلال العام، حيث تزداد معاناة الأسر فيه من ارتفاع الأسعار وعدم توافر بعض السلع مثل السكر، ليجد الجميع نفسه أمام «حسبة برما» فكيف لهذه الدخول الهزيلة أن تصمد أمام كل هذه التحديات.

«الواحد مش عارف يلاقيها منين ولا منين؟».. بحسرة شديدة قالها حفظى على، موظف على المعاش، مشيرا إلى أن الشهر أشبه بالجبل على أكتاف المواطنين، فشهر رمضان يتطلب العديد من المستلزمات، وتابع: «كفاية السكر لوحده، انت محتاج كيلو كل كام يوم اللى هو بـ60 جنيه إن وجد».

يُشير صاحب السبعين عامًا إلى أن اليوم الواحد فى رمضان يتطلب قرابة 400 جنيه، للأسرة المكونة من 4 أفراد مثل أسرته، واستكمل: «ربنا يكون فى عون الناس اللى معاها عيال كتير فى مدارس وجامعات وكمان رمضان وعيد فطر جاى».

«400 جنيه دول أكل وشرب بس.. ده من غير لحمة كمان.. ومن غير دروس خصوصية ومصاريف مواصلات».. يستكمل «حفظى» حديثه، قائلا: إن الميزانية المطلوبة لأسرة صغيرة حديثة الزواج، بدون أطفال، تتطلب هذا المبلغ يوميا، فما بالك بأسرة مكونة من عدة أفراد، فكيف لرب أسرة يسد احتياجات رمضان ومعها هدايا عيد الأم، وبعدها مستلزمات عيد الفطر.

المسئولية الأكبر هنا تقع على عاتق الأمهات اللاتى يتحكمن فى نسبة كبيرة من مصروف المنزل، فكيف لكل منهن أن توفر احتياجاتها فى ظل الرواتب المتدنية أمام غول المسئوليات خلال شهر واحد فقط من العام.

«اطبخى يا جارية.. كلف يا سيدى».. قالتها علية السيد، ردًا على سؤالنا عن كيفية تدبير حال المنزل ومتطلبات الأسرة من مأكل وملبس خلال شهر يشمل رمضان وعيد الأم وعيد الفطر؟، وتشير إلى أنها مثل غيرها من الأمهات حرصت على عدم طبخ اللحمة كل أسبوع حتى تستطيع استكمال الشهر بالمبلغ المتاح لديها.

رد صادم منها بشأن آخر مرة تلقت فيها هدية عيد الأم قائلة: «يعنى إيه هدية عيد الأم.. هو احنا لاقيين ناكل علشان نجيب هدايا»، تشير الأم إلى أنها تحرص على عدم أخذ هدايا من أبنائها حتى وإن عزموا على ذلك، وتابعت: «ظروف الحياة صعبة وبتمن الهدية نجيب أكل أحسن».

الحال نفسه لا يختلف كثيرًا عند سامية السيد، والتى التقينا بها خلال جولتها داخل سوق الخضار، وقالت إنها حريصة على صرف الراتب فى الضرورة القصوى، مثل المواصلات والدروس الخصوصية والمأكل والمشرب.

واستكملت «سامية» حديثها قائلة إنها تأخذ راتب زوجها وتضع خطة تتضمن أولاً الالتزامات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والإيجار وحساب الدروس الخصوصية، وبعدها حساب الخضار واللحمة على مدار الشهر بكمية تقل كثيرًا عن السنوات الماضية.

«الدنيا بتلف بيا وأنا بحسب الحسبة بتاعة الشهر» قالتها «سامية» متذكرة سيناريو استلام راتب زوجها لتدبير النفقات.

وتعبر السيدة الأربعينية عن تخوفها من تعرض أحد أفراد أسرتها للمرض فكيف سيتصرفون وقتها ولا يوجد لديهم ما يكفى لسد احتياجاتهم الأساسية.

تشير الزوجة إلى الصراعات التى تنشب بينها وبين زوجها بسبب المستلزمات التى تظهر بعيدًا عن الحسبان مما يكبدهم مصروفات إضافية، وتابعت: «مش إحنا بس.. كل البيوت فيها صراعات حاليا ومحدش خالى من المسئوليات وسط ضآلة الرواتب».

«الراجل من دول بتلاقيه ماشى فى الشارع وسارح أو بيكلم نفسه» قالها «محسن»، وهو يصف حال الرجال الذين يخوضون التجربة الأصعب خلال العام فى شهر واحد، أمام غول متطلبات رمضان والدروس الخصوصية وعيد الأم وبعدها عيد الفطر.

ويشير الرجل إلى أنه مثل غيره من المواطنين دخلهم لا يتجاوز 4 آلاف جنيه، فكيف له أن يسد احتياجات أسرته، ولهذا تجد الكثير من المشاجرات فى شهر رمضان بسبب هذه الضغوط ومن المتوقع أن يزداد الحال سوءاً فى شهر رمضان المقبل.

 

 

«الديش بارتى».. عودة «لمة العيلة»

 

قديما كان الأطفال فى المدارس يحضرون وجباتهم الغذائية معهم، ويقيمون ما يسمى بـ«الغداء الجماعى»، ومع مرور السنوات وتفاقم الأزمة الاقتصادية، عادت فكرة «الغداء الجماعى» تحت مسمى «ديش بارتى» حيث يحضر كل فرد وجبته معه خلال زيارته للأقارب أو الأصدقاء.

المجتمع حاليًا ينقسم إلى فريقين، الأول يحافظ على تقاليد زمان ويرفض أن يحضر الضيف طعامه معه مراعاة لواجب الضيافة، والفريق الثانى يرى أن الظروف الاقتصادية الصعبة هى المبرر لعزومات «الديش بارتى» حيث أصبحت الحل للحفاظ على العادات الرمضانية ولمة العائلة، وليس فيها أى حرج.

كل من الطرفين اجتمعا على طقس العزومة الذى لا غنى عنه فى رمضان، فهو روح ليالى شهر الصيام سواء كانت اللمة على الإفطار أو السحور.

فكرة «ديش بارتى»، بحسب ما وصفته بعض السيدات، عبارة عن أطباق تحتوى على وجبات من الطعام بحيث يحضر كل شخص من المشاركين صنفا لتتكون فى النهاية وليمة بأبسط التكاليف.

فريق السيدات اللاتى رفضن الـ«ديش بارتى»، تحدثن معنا وقالت إحداهن وتدعى «شيماء»: «يتقطع لسانى لو قولت لضيفة هاتى أكلك معاكى.. عيب ماتطلعش منى.. ماعزمش أصلا أكرم لى».

تقول السيدة إنها صعيدية الأصل وتربت على العادات والتقاليد، وواجبات الضيافة، وأهمها حسن إكرام الضيف وعدم تكلفته أى شىء حتى المواصلات، وأردفت قائلة: «دى فضيحة عندنا فى الصعيد.

وردًا على مؤيدى «الديش بارتى» بأن الهدف اللمة والحفاظ على الصحبة، ومعاونة الشخص على متطلبات العزومة قالت: «مهو إما أكون قادرة على العزومة من الأساس أو بلاش منها خالص ولو حد طلب منى أجيب أكل معايا لزيارته مش هحترمه».

سيدة أخرى تدعى «علياء»، قالت إنها كثيرًا ما تحرص على العزومات ولو مرة خلال شهر رمضان، ولكن تقوم فيها بالواجب من «الألف للياء»، وتابعت: «لو عزومة واحدة خلال الشهر أو عزومة كل سنتين أفضل من اللمة على قلة القيمة دى.. أقول لفلان تعالى بأكلك ده عار على اللمة».

«سمعت فعلاً عن ديش بارتى وكنت فاكرة أنه هزار.. الغريب أن فعلاً فيه ناس بتعمل كده».. تستكمل «علياء» حديثها وقالت إن الخبر كان كالصاعقة لها حينما قرأت إقبال الكثير من السيدات على هذه السلوكيات الدخيلة على المجتمع الشرقى.

وعكس فريق الرافضين لـ«ديش بارتى» هناك مؤيدون برروا ذلك بحرصهم على الحفاظ على الصداقة والجيرة والإصرار على اللقاء حتى وسط متاعب الحياة ومشاغلها.

تقول «لمياء»: «الهدف من ديش بارتى نشوف عائلتنا وأصدقاءنا وسط مشاغل الحياة».. واصفة هذه السلوكيات بأنها أفضل طريق للحفاظ على اللمة فى رمضان، وتابعت: «لو تسأل حد آخر مرة عزمت امتى ولا شوفت صحابك امتى ولا العائلة امتى هيقولك من سنين وبيخاف يعزم علشان التكاليف».

تستكمل «لمياء» حديثها قائلة: إن أساس تنظيم لقاء «ديش بارتى» هو تنظيم الأكل إما على سيستم واحد ونوع واحد من الطعام، أو استكمال الطعام بأنواع مختلفة، فكل منا يحضر صنفاً لاستكمال الوجبة.

وتشير «لمياء» إلى أنها مثل غيرها من السيدات اللاتى حرصن على الحفاظ على «اللمة»، مؤكدة أن التخلى عن «الديش بارتى» يعد بمثابة احتضار وموت لفرحة اللمة، وبعد سنوات قادمة تجد فكرة اللمة نادرة وإن وجدت من الأساس.

«أنا مش عارفة اللى بيعارضوا دول بيفكروا إزاى؟».. تبرر إحدى المؤيدات للديش بارتى الفكرة قائلة: إن هذه الطريقة وحتى إن كانت مهينة للكثير من السيدات اللاتى يتحدثن عن الأصول والعادات والتقاليد، لكن هى الطريقة الوحيدة التى تحافظ على أجواء اللمة وسط مشاغل الحياة ومتاعبها وارتفاع الأسعار الذى حال دون استمرار الكثير من العائلات فى الحرص على عزومة رمضان، مؤكدة أن الديش بارتى هو الوسيلة الوحيدة الآن للحفاظ على «اللمة» من الاختفاء.

 

 

العصير والمخلل والكنافة على رأسها

مهن تنتعش فى شهر الصيام

 

المخللات الفاسدة تبحث عن الرقابة
معدومو الضمير يضعون السم فى كوب العصير

مع حلول شهر رمضان تجدهم يصطفون فى الشوارع، كلما ترجلت تجد زحامًا على أعتابهم، جاء شهر الصيام ليكون موسم «لقمة عيش» بالنسبة لهم.

بائعو العصير والمخللات والكنفانى، يعتبرون شهر رمضان هو موسم رواج تجارتهم، يحضرون أنفسهم له قبل أسابيع طويلة، يتدبرون الأمر ليتعايشوا مع غلاء الأسعار وكيف يحققون بعض الأرباح من البيع خاصة فى ظل اختفاء السكر بالنسبة للكنفانى وبائع العصير، أما غيرهما من بائعى المخللات فمنهم من يحرصون على تحضيره منزليًا ويراعون ضمائرهم فى عمليات التحضير، ومنهم من يتبعون سلوكيات منافية للأمانة.

يقول بائع العصير، شريف صبرى، إن أزمة السكر حلت بظلالها على عمليات البيع والشراء، فمع رمضان هذا العام ارتفعت أسعار العصائر المعروضة، ومن الباعة من يراعى الله فى عمله ويستخدم الخامات مرتفعة السعر حتى لو لجأ إلى رفع سعر العصير بسبب ارتفاع سعر السكر، ومنهم من يستخدم مواد غير مصرح بها ومضرة بصحة الإنسان.

«تعرف الغشاش لو تمن كوب العصير زى السنة اللى فاتت».. يستكمل بائع العصير، حديثه، قائلا: إنه من الصعب على البائع صاحب الضمير الذى يستخدم السكر الحقيقى أن يبقى على سعر العصير كما كان فى العام الماضى، وتابع: «فيه ناس معدومى الضمير بيقدموا سموم مش عصير بسبب الحاجات اللى بتتحط بدل السكر».

ويُحذر بائع العصير المواطنين من الانسياق وراء هؤلاء الباعة الذين لا يراعون ضمائرهم ويعزفون على أوتار حاجة المواطنين للتوفير، فيقدمون عصائر بالسعر القديم، والمواطنون ينخدعون بذلك ويقبلون عليه غير مبالين بالمخاطر الصحية التى تحاصرهم، فى حين يتهمون من يراعى ضميره فى البيع والشراء باستغلال للظروف.

«معدومو الضمير بيحطوا حاجة اسمها السكرين فى المياه ودى بتعطى مذاق مثل السكر لكن مخاطرها الصحية كبيرة جدًا».. يستكمل بائع العصير حديثه، ويقول إن هذه المادة يستخدمها معدومو الضمير لتحقيق أرباح كبيرة.

تعود حكاية مادة السكرين إلى عام 1879، حينما تم اكتشافه وهو محلى الصنع يحتوى على سعرات حرارية قليلة، وهو أكثر حلاوة من السكر بما يقرب من 200 إلى 700 مرّة، ويتم تصنيعه من خلال أكسدة المواد الكيميائية، لينتج مسحوقا بلوريا أبيض له طعم حلو فى البداية ويترك مذاقا بالمرارة بعد فترة، ومع حلول عام 1970 تم حظر المادة بسبب ما تسببه من الإصابة بالسرطان.

تلك الحيل الشيطانية التى يلجأ لها بعض تجار العصير من معدومى الضمير لا تقتصر على باعة الشوارع ولكنها تمتد أيضاً لأصحاب المحلات الكبيرة الذين يستخدمون تلك المادة بحسب ما قاله بائع العصير «زين خلف».

ويشير «زين» إلى أن بعض محلات العصير الكبرى تستخدم هذه المادة ظنًا منهم أن الزبائن لا يتخيلون لجوءهم لمثل هذه المواد السامة، بسبب سمعتهم وشهرتهم.

ومن بائع العصير إلى بائع المخللات الذى قال إن كثيراً من الباعة ينتظرون شهر رمضان على أحر من الجمر لعودة نشاطهم من جديد، فعلى أنغام أغنيات رمضان الشهيرة يفترشون الأرصفة على جانبى الطريق خاصة فى المناطق الشعبية يستعرضون منتجاتهم من المخللات، ذات الألوان الأصفر والأسود والتى تصدر منها روائح تشد انتباه المارة.

«اللى ببيعه فى يوم رمضان قد اللى ببيعه فى شهر من الأشهر العادية».. قالها بائع المخللات تعليقا على حركة البيع والشراء فى رمضان، مشيرا إلى أنه مثل غيره يحرصون على عرض بضائعهم من المخللات فى رمضان محققين أرباحا خيالية.

يشير بائع مخللات آخر إلى أن هناك بعضا من البائعين معدومى الضمير يستخدمون حيلا غير آدمية لتحقيق مكاسب خيالية فى رمضان، فعمليات التخليل تحتاج إلى وقت طويل، وللتحايل على هذا فهناك بعض معدومى الضمير الذين يستخدمون روث الحيوانات وفضلات الآدميين لتسريع عملية التخليل فى وقت قصير، حيث يضعون هذه المواد السامة فى قماش ملفوف ويضيفونها إلى براميل التخليل.

وطالب بائع المخلل الجهات التنفيذية بشن حملات ميدانية على الباعة خلال رمضان لرصد أى تجاوزات مع إرسال عينات من المخللات المعروضة على الأرصفة لوزارة الصحة لفحصها، للحد من انتشار الأمراض.

أما بائعو الكنافة فكثير منهم فضلوا استبدال نشاطهم هذا العام بسبب أزمة السكر وارتفاع أسعار الدقيق، حتى لا يتعرضوا لخسائر مالية.

وقال «سمير» أحد بائعى الكنافة الذى قرر تغيير نشاطه لبيع الفول، إنه حاول جاهدًا ألا يغير نشاطه، ولكن مع استمرار أزمة السكر عجز عن توفير المال اللازم وشراء الكميات المطلوبة لمواصلة نشاطه، وتابع: «أنا ببيع لأهل منطقتى واستحالة أقدر أغشهم فى بيع الكنافة لأنه هيبان فى المذاق وماقدرش أخسرهم ولا أبيع ضميرى وسمعتى.. أكرم لى تغيير نشاطى».