رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى ضيافة «مؤسسة الوفد الإعلامية»

المفكر الكبير المستشار عبدالجواد ياسين: الأصولية تمثل خطراً عظيماً على مبدأ المواطنة

بوابة الوفد الإلكترونية

نحن فى حاجة لإصلاح تعليمى شامل.. والفن يمكن أن يلعب دوراً ضد التطرف

الدولة ومؤسساتها مسئولة عن إحداث التحولات الحداثية فى المجتمع

الدكتور وجدى زين الدين: دستور 2014 هو ترقيع لدستور 2012 المعيب.. ونحن فى حاجة لإعادة تشكيل الوعى الجمعى

مصطفى عبيد: «عبدالجواد» صاحب مشروع تنويرى استثنائى

وكيف نواجه الخطاب الأصولى بشكل عام؟

التدين الشعب أكثر نقاء من الأصولية التقليدية

 

فى واحدة من أروع الحلقات النقاشية التى تقدمها «مؤسسة الوفد الإعلامية»، استضافت الوفد القاضى الجليل المستشار عبدالجواد ياسين، أحد المفكرين القلائل فى الوطن العربى، الذى يعد علامة بارزة فى الفكر الحداثى. تحدث «ياسين» عن قضايا شائكة وكشف عن أن الأصولية خصمت من رصيد التدين الشعبى وشوشت على خصائصه جزئيًا، موضحاً أن المادة الثانية من الدستور تتناقض مع المبادئ الأساسية للدولة المدنية وهى الميراث الأهم للأصولية.

بدأت الندوة بكلمة للكاتب الصحفى مصطفى عبيد، رحب فيها بقامة بارزة ومهمة فى الفكر الحداثى، الفكر الإصلاحى، الفكر التنويرى، المستشار عبدالجواد ياسين، فى ضيافة الوفد لنتناقش معه ولنطل معه على بعض جوانب مشروعه الإصلاحى الفكرى، من خلال ندوة تحمل عنوان «نحو خطوات ملموسة لترسيخ فكر المواطنة».

دستور 23 يعبر عن أوج الدولة المدنية.. ودستور 2014 يعكس تراجع الحداثة

المستشار عبدالجواد ياسين والدكتور وجدي زين الدين رئيس التحرير

وقال الدكتور وجدى زين الدين رئيس تحرير الوفد فى بداية الندوة: أنا سعيد جدًا باستضافة المفكر الكبير والعلامة البليغ المستشار عبدالجواد ياسين، معبراً عن عميق فرحته بوجود المستشار عبدالجواد ياسين فى مؤسسة الوفد الاعلامية.

وأضاف: أنا شخصيًا لى علاقات قديمة جدًا مع المستشار عبدالجواد ياسين، وفى كل مكان أفتخر بأننى كنت أتتلمذ على يد هذا القاضى الجليل الذى علمنى كيف أقرأ، وعندما كنا نشاهد قامات أمامنا نستلهم منهم الفهم والفكر والمعرفة، كنت أحد الذين ينهلون من علم هذا القاضى الجليل الذى حفر فى عقلى وذهنى ذكريات لا يمكن أن تفارقنى.

الدكتور وجدى زين الدين رئيس تحرير الوفد

وأوضح رئيس تحرير الوفد أن له قصصًا وذكريات عظيمة مع المستشار عبدالجواد ياسين، إذ يكفى أنه هو السبب الذى جعله يطالب والدته رحمها الله بأن تشترى له مكتبة لأنه كان دائماً يحثنا على القراءة والاطلاع فى كل المجالات، ومرت السنون والأيام الطوال وبعدها تشرفت بزيارته فى بيته وأخذت عنه الأصول الأولى والتكوين الفكرى والعقلى، مضيفاً: أزعم أننى أنتسب إلى بعضٍ مما يفكر فيه وأنا سعيد به جدًا.

وقال رئيس تحرير الوفد: نرحب بكم فى بيت الأمة، فنحن ما زلنا نتعلم من سيادتكم وسنظل حتى الممات نتعلم، وأوضح أنه بالنيابة عنه وعن جميع زملائه سواء الموقع الإلكترونى أو الجريدة الورقية كلنا نكن لك كل تقدير وكل احترام للقاضى الجليل.

وقدم رئيس تحرير الوفد اعتذاره عن عدم حضور الدكتور أيمن محسب، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الوفد الاعلامية، الذى كان حريصًا جدًا على هذا اللقاء، غير أن هناك ظروفًا طارئة حالت دون ذلك، فاضطر إلى الاستئذان وبلغنى لعدم حضوره يعنى.

ودعا الدكتور وجدى زين الدين، المستشار عبدالجواد ياسين إلى مواصلة الكتابة مرة أخرى، موضحاً أن الكثير من القراء يتصلون به ويسألون عن المستشار عبدالجواد ياسين المفكر العملاق. فأنا بنقل الرسالة على اللى وصلتنى لكم. أهلا بك وأهلا وسهلا بحضرتك.

من ناحيته قال الكاتب الصحفى مصطفى عبيد، إن المستشار عبدالجواد ياسين غنى عن أى تعريف لكن حسبنا أن نقول إنه مفكر مهم جدًا، صاحب فكر تنويرى، وأوضح أنه من مواليد مدينة الزرقا محافظة دمياط، فى سنة التحول الكبرى وفى تاريخ مصر الحديث عام 1954، تخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1976 وتدرج فى النيابة العامة، واستمر فى السلك القضائى حتى قدم استقالته تمامًا وتفرغ بشكل تام للفكر وللبحث وللكتابة.

وأشار «عبيد» إلى أن مؤلفات المستشار عبدالجواد ياسين ودراساته وكتاباته مهمة جدًا ولافتة، غير أننى أُفرّق ما بين مرحلتين: مرحلة أولية كان فيها الفكر أو البحث يتخذ فيها الطريق النمطى التقليدى المحافظ ثم بعد مراجعات فكرية عظيمة كبيرة جداً قدّم لنا إسهامات وأطروحات أتصور أنها استثنائية فى الفكر الإصلاحى والحداثى.

وطرح «عبيد» سؤاله الأول من العنوان الخاص بالندوة «نحو خطوات حقيقية لتأسيس المواطنة فى مصر» عن دستور 1923 الذى يعتقد أنه الدستور العمدة فى التاريخ الدستورى فى مصر، تحدث بشكل صريح عن القومية المصرية لدرجة أن المادة الثالثة من دستور 1923 التى يقول نصها «المصريون لدى القانون سواء فهم متساوون فى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف، ولا تمييز بينهم بسبب الأصل أو اللغة أو الدين». فهذا مبدأ المواطنة مرسخ من الدستور 1923 لكن الغريب والمدهش أننا نجلس اليوم لكى نتحدث عن كيفية ترسيخ المواطنة مرة ثانية. فلماذا كل هذا التعطل؟ لماذا تعطل مشروع المواطنة المصرى؟ ومن المسئول فى تصوره؟

من ناحيته، قال المستشار عبدالجواد ياسين: أنا فى الحقيقة سعيد جدًا إنى أكون فى هذه الزيارة لـ«الوفد» فهى زيارة من شأنها أنها تسعد والدى الله يرحمه. وسعيد إنى أشوف صديقى الدكتور وجدى ومصطفى والشباب وغيرهم. والحقيقة أن العنوان الذى اقترحه مصطفى عبيد عن المواطنة فى مصر هو عنوان جدير بمؤسسة ليبرالية ووطنية عريقة مثل الوفد، وحيث يتضمن العنوان الوعى بوجود مشكلة فى مسألة المواطنة.

وأضاف: سأتكلم فى ثلاث نقاط محددة سريعًا هى: معنى المواطنة فى المصطلح اللى احنا بنحكيه؟ وما هو مشكل المواطنة؟ وما الذى نتحدث فيه فى شكل مقترحات مطلوبة لحل المشكلة.

المستشار عبدالجواد ياسين

وأوضح أن المواطنة باختصار هى أحد ركنين تقوم عليهما الدولة المدنية الحديثة. فالدولة المدنية الحديثة تقوم على القانون والمواطنة. قانون يعنى علمانية التشريع. والمواطنة تعنى علمانية الانتماء. الاثنان علمانية.

وأشار إلى أن المواطنة بتعنى علمانية التشريع، علمانية القانون أساسا بتقول أن القانون شأن متغير وبالتالى فهو قابل للتغير باستمرار. أى هو بالضرورة وضعان لا يخضع لفكرة التأديب المطلق التى تقول بها الأيديولوجيات الدينية. أما الانتماء فهو مفهوم مقابل لفكرة الأممية الغائمة التى تصدر عن الأيديولوجيات الدينية أو الأيديولوجيات غير الدينية.

تاريخيا فكرة الدولة المدنية أساسا تشكلت فى سياق مقابل لفكرة الأممية الدينية. وفى سياق مقابل لسيطرة الأفكار الدينية. بمعنى أن فكرة الدولة الوطنية نشأت فى الغرب بالتناقض مع الكنيسة الكاثوليكية المهيمنة الطاغية التى فرضت نظامًا دينيًا تقليديًا قديمًا حصريًا ونشأت بالانسلاخ من الإمبراطورية الرومانية المقدسة. يعنى انسلخت من كيان أممى واسع وكبير جدًا، وبالتناقض مع الأفكار الدينية التى فرضتها الكنيسة الكاثوليكية والتى شكلت ضغطًا على المجتمع لفترة طويلة من الزمن وبالتالى فكرة الدولة المدنية فى أصل نشأتها تشكلت بخصائص معينة مناقضة بالأساس للثيوقراطية، قبل أن تتبلور من جديد كنقيض للأوتوقراطية. بالطبع الأوتوقراطية أحد أهم عناصر الدولة المدنية الحديثة. ولكن هى فى أصل تكوينها خصوصًا فى النسق الفرنسى منها، كانت توجهًا مضادًا للفكرة الثيوقراطية لأنها نشأت بالأساس فى تناقض مع المعنى الدينى التقليدى الخرافى الذى فرضته الكنيسة وتاريخ الكاثوليكية. أيضاً فى مصر الدولة الوطنية الحديثة عندما نشأت فى مصر نشأت بالانسلاخ وبالتقابل مع فكرة الدولة التركية العثمانية، الخلافة العثمانية مع فكرة الجامعة الإسلامية. وهذا المعنى الذى تشكلت منه فكرة الوطنية المصرية، الذى بلغ ذروته فى دستور 1923 فى أعقاب ثورة 1919 والاستقلال الشكلى الذى استطاعت مصر الحصول عليه فى تصريح 28 فبراير وتشكلت نواة لفكرة الدولة المدنية الأكثر نضوجًا فى دستور 1923.

المستشار عبدالجواد ياسين

وقال الدكتور عبدالجواد ياسين: فى سياقات دستور 1923 كانت مصر فى هذه المرحلة قد مضى عليها ما يقرب من القرن من الزمان على بداية المرحلة الحداثية التى بدأت فى أوائل القرن التاسع عشر مع محمد على. وبدأت مرحلة التحول الحداثى مع تواصل أسرة محمد على ونشوء الدولة الوطنية التى بدأت تظهر تدريجيًا وبدأت تُشكل ما أسميه بالعنصر الأساسى فى الحالة المدنية. يعنى الدولة الحديثة بشكلها الحديث كانت أهم مظهر من مظاهر التحول المدنى الحداثى. حدث حراك حداثى كبير. عملية تحول حداثية كبيرة منذ نشأة الدولة مع محمد على، ثم تطورت مع الأسرة العلوية، واتجهت إلى نقل النموذج الحديث للدولة وبدأت عملية التحديث فى مصر بشكل مضطرب. الدولة المصرية هى التى تحملت عبء عملية التحديث، وهى التى شالت عملية التجديد. وهى التى كانت المقدمة والطليعة التى تحملت عبء النهوض بالحراك الوطنى وفرضت فكرة الوطنية المصرية.

الدولة الوطنية المدنية الحديثة هى واقع مفروض بقوة التاريخ، وعندما نتحدث عن الدولة الوطنية فلا نتكلم عن واحد من الخيارات التى يمكن أن نختار منها كخيار نظرى. الدولة الوطنية المدنية الحديثة هى واقع مفروض بقوة التاريخ. نحن لا نملك التفلت من وجود الدولة المدنية الحديثة، مهما كانت قوة التوجهات المناقضة من الأصولية التى تتحدث بأسلوب غير ودى حيال الدولة المدنية، نحن لسنا فى رفاهية الاختيار حيال الدولة المدنية. الدولة المدنية واقع قائم وضرورى لا نستطيع التفلت منه بأى حال من الأحوال.

 التحول الحداثى فى مصر

وتحدث المستشار عبدالجواد ياسين عن فكرة أن البعض يقلل فى الواقع من أهمية التحول الحداثى الذى حدث فى مصر، ويحاول إظهار هذا التحول بأنه هامشى وأنه لم يطل إلا نخبة قليلة من المجتمع، وأنه يتجاهل بالفعل، هذا الطرح، يتجاهل حجم التحول الكبير الذى حدث فى فكرة الدولة المدنية فى مصر وفى المعنى الحداثى بوجه عام.

مصر حصل فيها نوع من التحديث الطويل معنا فى قرنين من الزمان الآن، أهم عنصر من عناصره وهو الدولة. فعندنا بالفعل دولة حديثة تقوم على فكرة القانون وفكرة المواطنة، ولكن الذى حصل أن هناك إشكالية تتعلق بمفهوم المواطنة. هذه الإشكالية تتمثل فى تراجع عام فى الوعى بفكرة المواطنة وتراجع فى الحقوق الأساسية التى توفرها فكرة المواطنة.

وأوضح أن عملية التحول الحداثى المدنى التى تمت فى عداء مع فكرة الدين، واستطاعت أن تقدم نفسها فى سياق تراثى دينى، وطرحت نفسها بسهولة، وتم استيعابها من قبل المجتمع بنوع من السلاسة الشديدة حتى أن القوى التراثية التقليدية لم تبدِ نوعاً من المقاومة الواضحة أو الصريحة حيال المشروع المدنى. الحداثة أو المشروع الحداثى فى مصر قدم نفسه بشكل مناقض للنظام الفقهى التقليدى وليس للدين، وكان على وعى بالفارق الهائل بين فكرة الدين فى ذاته وبين النظام التقليدى الهش القديم الذى يقدم صورة سيئة جدًا للإسلام بصورة عفا عليها الزمن وصورة تاريخية قديمة، وبالتالى هو قدّم نفسه سلس حتى يغاير للشكل الذى قدم به التحديث فى تركيا الأتاتوركية مثلاً التى استخدمت آليات عنف قوية وإدارية وحكومية وسلطوية فى فرض العملية التحديثية، على خلاف النسق المصرى الذى تم بسلاسة شديدة جدا واستطاع أنه يفرض القوانين الجديدة من المدنى والجنائى والتجارى ويفرض النظام القضائى الجديد ونظام المحاكم الجديدة، ويفرض أنساق التحول فى مستويات المرأة التى خرجت للعمل وخلعت الحجاب، ويفرض أشكالاً من التغير على المستوى الشكلى الاجتماعى التى تتعلق بلباس الرجل الذى بدأ يلبس البدلة بدل ما كان يلبس الجلابية. وبالتالى استطاع النسق التحديثى الموجود أنه يطرح نفسه بنوع من السهولة. فى المقابل، نمط التدين المصرى نفسه استطاع احتواء هذا النسق الحداثى واستيعابه بسهولة وبسلاسة شديدة جدًا؛ لأن نسق التدين الشعبى الاعتيادى المصرى هو بخصائصه مرن ومتسامح وعميق جدًا من الناحية التاريخية، وبالتالى كان يعى أنه فى استطاعته أن يستوعب النقلة التغيرية الهائلة التى حدثت على مستوى الطرح الحداثى.

وتساءل المستشار ياسين قائلا: فما المشكل؟ المشكل الذى يتعلق بمفهوم المواطنة الآن هو أننا عندنا بالفعل الآن مشكل فى المواطنة. هذا المشكل سببه الرئيسى، وأنا اتكلم هنا عن سبب واحد فقط هو السبب الرئيسى، هذا السبب الرئيسى هو الأصولية التى طرأت كتطور جديد على المجتمع المصرى، فعندما نقارن بين دستور 1923 وبين دستور 2014 هيظهر الفارق بوضوح شديد.

فى هذا النسق نحن حيال حالة مدنية حدثية صريحة وليبرالية فى صورتها، حتى الليبرالية الصريحة الواضحة وبين حالة كانت الأصولية فيها فى المعنى، عندى مظاهر لهذا المشكل الذى فى الوعى بفكرة المواطنة.

 

 

 الأصولية

فماذا فعلت الأصولية؟ الأصولية أولاً خصمت من رصيد التدين الشعبى، وشوشت على خصائصه جزئيًا.

ثانياً: الأصولية خصمت من وعى الدولة بدورها التجديدى وشكلت ضغطًا على الدولة، وجعلت الدولة قريبة من حالة التلعثم وعدم القدرة على إبراز طبيعتها الحقيقية كقوة هى بحكم طبيعتها علمانية، وهى بحكم طبيعتها تجديديًا، وهى بحكم نشأتها على المستوى المصرى، نشأت كواقعة حداثية، هى نفسها الدولة فى ذاتها واقعة حداثية. الدولة المصرية بالذات هى أم الحداثة المصرية هى التى شالت الحداثة المصرية وهى التى فرضت مفهوم الوطنية المصرية، وحملت عبء القضية الوطنية المصرية. إذن أنا عندى مشكلة على التدين الشعبى اتخصم منه جزء، مش كله، ولكن جزء، أيضاً على مستوى الدولة وعيها بدورها التجديدى تلعثم. ثالثاً هناك خلل على مستوى الوعى العام بمفهوم المواطنة.

مظاهر المشكلة

وقال الدكتور عبدالجواد ياسين: أن مظاهر المشكل فتتلخص فى أداء الدولة وهى العامل الأساسى الأول الذى سنعول عليه فى إحداث تغيير فى عملية ترسيخ مفهوم المواطنة، وهناك خلل على مستوى الدستور والقانون، وهذا هو المشكل الحقيقى الذى تتمثل فيه فكرة المواطنة، فعندما نقارن بين دستور 23 ودستور 2014 الحالى لكى نرى فكرة المواطنة كانت أين والآن وصلت إلى أين وما الذى يمكن أن يكون فيها من النقاش حول إمكانيات تحريكها بشكل جزئى.

أولاً فى سياقات دستور 23 وظرفه الثقافى والاجتماعى العام ودستور 2014 وظرفه الثقافى والاجتماعى العام، عندما نأخذ فكرة المواطنة فى المادة 3 من دستور 23 ونقارنها بالمادة 4 من دستور 2014، المادة 3 فى دستور 23 الليبرالى الذى ظهر فى مرحلة المد الأعلى للحركة المدنية يحكى بعبارة «انترناشيونال» من النمط المعروف بمقاييس الدولية لفكرة المواطنة ويقول إن المصريين سواء أمام القانون من حيث الحقوق والواجبات ولا فرق بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وهذا منطق المواطنة، وهذا معناها الاصلى فى كل دساتير العالم، وهذه هو المعنى الطبيعى العادى، ولكن عندما ننتقل لدستور 2014 يقول نفس الكلام ولكن، يضيف مباشرة بعد ما يقول أن المواطنين سواء «وذلك فى حدود المنصوص فى الدستور» لماذا؟ ليشكل نوعًا من الاحتراز لصالح المادة الثانية من الدستور، بالطبع عندما تتكلم عن مادة من الدستور فهذا معناه أنك تحكى قانوناً، وهذه المادة دستور وليس لها أن تحيل على الدستور لأنها دستور، وبالتالى هذا نوع من التسيد الذى لا معنى له إلا محاولة التهرب من المعنى الطبيعى الحقيقى لمفهوم المواطنة، وهذا رقم واحد.

وأضاف أن الإشكالية الأهم فى هذا الصدد تبدأ من المادة الثانية نفسها، فهى الميراث الأهم الذى استطاعت أن تحصل عليه الأصولية، فى دستور 23 هناك نص المادة 149 الذى يحكى عن أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية هى اللغة الرسمية، هذا النص فى صياغة 1923، وفى مناقشاته قبل الدستور أثار ضجة عنيفة جداً لدى التيارات الليبرالية، وأثار تخوفات عنيفة جداً من فكرة ما سيحدث بعدها، ومن المعلوم أن هذه المادة عندما طرحت فى سياقات دستور 23، لم يكن أبداً من المقصود بها إحداث تحول فى التوجه المدنى التشريعى للدولة، لم يكن المقصود بها إطلاقاً الايحاء بأن القوانين الوضعية سيتم تغييرها، وهذا التحذير حذر منه طه حسين ومحمود عزمى وحذرت منه قوى مدنية كبيرة فى مصر، ومع ذلك قيل أنه تم بإيعاز من الاحتلال البريطانى للمفتى المطعنى لكى يُقحم هذا النص فى سياقات الخوف من استشراء الحزب الشيوعى الذى كان حديث عهد بالنشوء، بعد الثورة البلشفية الحديثة فى روسيا، والمخاوف حيال المد الاشتراكى الشيوعى وبالتالى كان الغرض منها هو إيقاف عملية المد اليسارى الاشتراكى والاحتراز من التحولات التى يمكن أن تؤدى إلى إحداث تغيرات سياسية على المستوى الشيوعى الاشتراكى ولم تكن أبداً تشير إلى دلالات تشريعية.

وأوضح أنه بالتالى كان نص المادة 149 لا ينطوى على أى تغيير عن الاتجاه المدنى العلمانى التشريعى القائم الذى يقول بالقوانين التى تم تطبيقها فى مصر. هذا بالنسبة للمادة الثانية التى تتطور تحت ضغط المد الاصولى وتتحول عن معناها الأصلى الذى فُهم فى حينه على أنه مجرد إشارة إلى أن الإسلام هو دين الأغلبية للشعب، ولكن لا يؤدى إلى التغيير التشريعى أبدًا ولم يكن هذا واردًاـ هذا أصبح واردًا بقوة الضغط الأصولى الذى حوّل مسألة الشريعة إلى مطلب شعبوى مؤجل لمجرد التشويش على فكرة الدولة. المادة الثانية التى مع شكلها المتطور الذى أضاف «والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، طبعًا فكرة أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها هذه أصبحت لازمة ومتكررة فى الدساتير التالية فى مصر، ولكن لما التطورات بدءًا من دستور 71 الذى يحكى فيه كثيرًا عن سياقاته الظرفية التى يشار فيها إلى أنه النص نفسه كان نوعًا من المزايدة على التيار الأصولى من قبل الرئيس السادات تمرير عملية مد الرئاسة بالنسبة له. ولكن فى جميع الأحوال هى كانت نتيجة لضغوط المد الأصولى المتوالية الكبيرة التى أدت فى النهاية إلى فرض هذه المادة والتى أدت إلى طمع التفسير الأصولى الذى وصل بها إلى مرحلة أنها تعنى ليس مجرد الإشارة إلى دين الأغلبية لكن تعنى التحول فى التوجه التشريعى وتغيير نمط القوانين والنظام القانونى والنظام القضائى فى مصر.

وقال الدكتور عبدالجواد ياسين إنه من حيث المبدأ المادة الثانية التى تحكى عن شريعة تتناقض مع المبادئ الأساسية للدولة المدنية. الدولة المدنية دولة علمانية، الدولة المدنية ببساطة شديدة تقوم على ركنين القانون والمواطنة، القانون أى علمانية التشريع يعنى وضعانية التشريع، يعنى التشريع يتغير بتغير حاجات المجتمع ولا يمكن أن يكون مؤبدًا حصريًا يصلح فى كل مناطق العالم إلى نهاية الزمان، وهذا معارض لمفهوم القانون نفسه الذى هو يعنيه معالجة الحاجات الاجتماعية المتغيرة بطبيعتها والمتطورة بحكم الزمان. وبالتالى المجتمع يغير قوانينه كلما احتاج إلى تغيير قوانينه، وبالتالى عند تثبيت قانون معين فهذا معناه تعطيل حركة المجتمع عن الحياة، وهذا لا يمكن أن يكون غرضاً إلهياً، هذا من صنع الفقه وليس من إرادة الله، ولذلك لا يمكن نسبة هذا المفهوم إلى الدين فى ذاته، أى إلى إرادة الله المطلقة، وإنما يمكن نسبة ذلك إلى النظام الفقهى التاريخى التقليدى الموروث، ليس فقط من الفقه الإسلامى، ولكن من تاريخ التدين الكتابى كله من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام.

حرية العقيدة

وأضاف: نريد أن نقارن بين المادة من 12 من دستور 23 والمادة 64 من دستور 2014، ونرى ما هى علاقتهما بمفهوم المواطنة الذى نحكى فيه، المادة 12 من دستور 23 تقول عبارة رائعة جدا وبسيطة جدا وصياغة عبقرية، أنا بالنسبة لى صياغة قانونية رفيعة فى مستواها، وهى تتكلم عن حرية العقيدة. قالت جملة واحدة بسيطة جدا هى «حرية العقيدة مطلقة». ذلك هو نص المادة فقط. وهذا معناه أن حرية العقيدة لا يوجد عليها أى قيد من القيود وكان هذا معنى واضحًا جدا فى سياقه فى دستور 23 فى مصر، وهذا كان معنى يتقبله التدين المصرى الطبيعى الاعتيادى، والتدين المصرى الذى فى العصر الطبيعى فى سنة 1923 فى رأيى أحسن من التدين القائم الآن، فالشعب المصرى لم يكن أقل تدينًا فى ذلك الوقت ومع ذلك استطاع التدين الشعبى المصرى أن يستوعب هذا الطرح المدنى الحداثى الذى كان موجودًا، واستطاع أن يحتوى هذا التجديد الكبير والخروج من النسق التقليدى الفقهى.

وقال إنه عند النظر إلى المادة 64 وهى تحكى عن حرية العقيدة وكل شىء نفس الطريق فى المادة الرابعة، ولكن أيضاً تُقيد هذه فى حدود التشريع والقانون والدستور. وبالتالى تحيل فى ذلك على عدم التناقض مع المادة الثانية ولذلك تظل المادة الثانية شبحًا دائمًا يشوش على نقاء الفكرة المدنية الدستورية. الدستور أى دستور فى العالم يعكس بنية تحتية ثقافية، فلا يأتى بالاختيارات هنا مادة وهنا مادة وهنا مادة، إنما يشير إلى جملة من الحقائق الاجتماعية والتوجهات الروحية النفسية العقلية التى تحدد نوع الثقافة المطلوب طرحها فى المجتمع، وبالتالى فلا تستطيع إنك تجتزئ من المشروع من الدستور جزء وتركب عليه جزء ثانى، لأنه يكون كالجسد الغريب. فالجزء الغريب الذى داخل على الجسد لا يمكن أن يتفاعل معه ولا يتكيف معه، وبالتالى نص النص على وجود شريعة قانونية معينة وتغليبها على شريعة أخرى هذا يتضمن تناقضاً مع المبادئ الدستورية مع مبدأ المواطنة أولاً هو يحكى عن المساواة ويحكى عن الاشتراك فى المراكز القانونية التى يحددها القانون ولا تتحدد عن طريق الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين وأيضاً يتعارض مع مبدأ حرية العقيدة. وهو مبدأ أساسى من مبادئ الدولة المدنية.

وأشار الدكتور ياسين إلى أن خطوات التعاطى مع هذا المشكل، هذا التراجع فى الوعى بفكرة المواطنة، هو فى الحقيقة تراجع وعى الناس بفكرة المواطنة هو جزء من التراجع العام حيال الدولة المدنية. والتراجع العام حيال مفهوم الحداثة الكلية. يعنى مفهوم الحداثة بوجه عام بسبب الآثار التى أحدثتها الأصولية فى المجتمع وعلى مستوى الدولة، وهذا خلل دستورى قانونى، أى أن هناك تناقضا داخليا فى الدستور بسبب المادة الثانية. المادة الثانية تتعارض مع المادة الرابعة والمادة 11، مثلاً، بكل وضوح وبساطة، الدستور يناقض نفسه. هذا تناقض داخلى أساساً. ناهيك عن التناقضات الأخرى التى بين القوانين وبين المادة الثانية التى تظل شبحاً دائمًا يهدد مشروعية أى مشروع قانونى آخر. هناك عدد من القوانين عن أمثلة للإشكاليات القانونية التفصيلية التى نشأت عن وجود المادة الثانية.

إذن عندى خلل دستورى قانونى، عندى خلل تعليمى محتاج لإصلاح تعليمى، فى مقابل ازدواجية موجودة فى الدستور والقانون، ازدواجية قانونية تشريعية، عندى ازدواجية تعليمية، عندى تعليم اسمه التعليم العام وتعليم اسمه التعليم الأزهرى، عندى تعليم دينى وتعليم مدنى. وهذا نوع من الكوارث الكبرى على مستوى الثقافة، فضلا عن فعاليات الجهل المطبق الموجودة بحكم التراث نفسه، يكرس انقساماً هائلاً فى عقل الأمة، ويكرس نوعًا من التشظى للثقافة على مستوى المجتمع، ويؤدى إلى تكريس مفاهيم مضادة للمعنى المدنى ومفاهيم مضادة للحداثة، لأن الطرح الموجود فى التعليم الأزهرى الذى لا علاقة له بالتاريخ ولا بالحياة، طرح تقليدى قديم جدًا عفا عليه الزمن ولا يمكن أبدا أنه يحمل اى نوع من المودة حيال الحداثة أو حيال التطور.

وأضاف: نحن دائمًا نتكلم عن الحداثة ليس بمفهومها الذى يفهمه العقل المريض الذى يربط تقليديًا بينها وبين الغرب أو يربط تقليديًا بينها وبين نسق معين من أنساق الطرح التاريخى الفولتيرى التقليدى التنويرى القديم. أنا اتكلم عن الحداثة دائمًا باعتبارها هى قانون التطور، باعتبارها حالة صيرورة دائمة فى الاجتماع تؤدى بمرور الزمن إلى أن الأشياء تتغير، والتغير فى المستوى الاقتصادى الاجتماعى يؤدى إلى تغير فى المستوى الثقافى، وبالتالى عندما يتغير الواقع فأنا أتغير معه على مستوى الثقافة.

وأكد أنه لابد من مواجهة هذا الاختلال فى الازدواجية، أولاً الخلل الدستورى يحتاج إلى التعامل معه، والتراجع فى وعى الدولة بدورها التجديدى يحتاج إلى أن ننشطه ونراجعه. وعى الدولة أنها هى الحامل الأصلى لفكرة التطوير وفكرة التحديث لابد من التعامل معه. وفى هذا الاتجاه ضرورة اللجوء إلى الوسائل غير التقليدية التى منها الفن واستخدام أدوات الفن أو استعادة الزخم لأدوات الفن كآلية ووسيلة للتعاطى مع المسألة وهذه مسألة مختلفة عن الإصلاح الاعلامى المطلوب. يعنى فيه إصلاح على مستوى التعليم إصلاح على مستوى الاعلام. إصلاح أو تطوير لمفاهيم الفن التى عليها انها تستدعى قيم الحداثة المدنية وتستدعى تراث التاريخ المصرى العريق القديم السابق على الديانات الكتابية فى مصر.

أعنى التاريخ المصرى القديم الذى يجب أن نستعيد العلاقة معه بدرجة أو بأخرى بغض النظر عن المخاوف والحساسيات لم تأت إلينا أصلا إلا من تراث الأصولية التى فرضت علينا مفردات ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة.

 

فتح باب المناقشة

بدأ فتح باب المناقشة بسؤال للكاتب مصطفى عبيد قال فيه إن الخطاب الأصولى لا ينبع فقط من من الأصوليات التقليدية المعروفة، ولكن فى جانب منه ينبع من الرسمية، فكيف نواجه أو نقاوم الخطاب الأصولى بشكل عام؟ ونصفق له داخل المؤسسات الرسمية؟

وأجاب المستشار عبدالجواد قائلاً: إنه حكى أن الأصولية من تأثيراتها السلبية أنها خصمت من التدين الشعبى، وخصمت من وعى الدولة بدورها التجديدى، أيضاً استفزت الأصوليات الكامنة فى القوى التراثية الرسمية. القوى التراثية الرسمية بدأت تستعيد وعيها السلفى التقليدى الأساسى الكامن أصلا عندها، فالعقل الدينى كله عقل واحد، لا فارق من حيث النوع بين المؤسسة الدينية التقليدية وبين الأصولية، كله واحد، ولكن عوامل تؤدى إلى نوع من الاختلاف فى الدرجة، فالمؤسسة الرسمية هى مؤسسة لها سياقات تاريخية معينة بتكوينها الأشعرى. هذا التكوين الأشعرى يؤدى بها إلى انتهاج مناهج مغاير للمنهج السلفى، ولكنها فى الوقت نفسه تقليدية وتاريخية مرتبطة بالدولة، وبالتالى لديها حسابات وضرورات معينة، تجعل منها قريبة من نمط الدولة، إلا أنها تحاول من وقت لآخر أن تتفلت من التزاماتها حيال الدولة، وتُسفر عن نُزوعات استقلالية، لكى تعبر عن النوازع السلفية الطبيعية الكامنة فيها، وفى هذه الحالة تظهر لديها طموحات معينة للحصول على مكاسب معينة.

 

«زين الدين»: نحتاج إعادة تشكيل الوعى الجمعى

أكد الدكتور وجدى زين الدين، أن المفكر عبدالجواد ياسين تحدث عن نقطة فى غاية الأهمية عند المقارنة بين دستور 1923 ودستور 2014، وهى أن دستور 23 تم فى ذورة الحركة المدنيةـ وكذلك دستور 2014 تم فى ذروة الحركة الأصولية.

وأوضح أنه عند إجراء مقارنة بين الاثنين نجد أن المد الأصولى لعب دوراً مهماً جداً فى هذه المسألة حيث أن دستور 2014 هو فى الأصل دستور 2012، فمن وضع دستور 2012؟ إنهم الإخوان ذوو الفكر الأصولى، حصل ترقيع، وبالتالى هذا الدستور غير حداثى بالمرة، ولا علاقة له بالحركة المدنية.

وأشار إلى أن من بين القوى المختلفة التى وضعت دستور 2014 كان يوجد من هم أصحاب فكر أصولى وبالتالى المواد الدستورية التى تُحدث مرجعية لمواد دستورية أخرى، مقيدة فى الآخر بنص ثابت وأساسى وهو المؤسسة الدينية، بفكرها العميق والواسع. فما الحل؟ علشان الحركة المدنية تطلع من جديد تانى وتاخد نفس فكرة الدستور بنتجنب دستور.

وقال: إن دستور 2014، الذى تم بهذا الشكل هو دستور عبارة عن «ترقيع» لدستور 2012، وصنيعة الإخوان أصلاً، وبالتالى آن الأوان فعلا لتعديل دستور 2014 وإعطاء جرعة أكثر للحركة المدنية لكى تعمل.

وأضاف أن المشكل فى المؤسسة الدينية القائمة، المؤسسة الدينية القائمة فى الفترة الماضية خرجت على هذا النسق وهذا النوع. كانت النتيجة أن أى شخص يتكلم عن الحداثة والحركة المدنية يبقى فى مرمى الاتهام، وأصبحت العلمانية سبة، وهذه مسألة فى منتهى الخطورة.

فمن الذى يروج لهذه كله؟ هو التفكير الأصولى المعشش فى العقول، فالإخوان حكموا مصر. طيب ماذا ننتظر؟

وأكد أننا نحتاج إلى إعادة وعى من جديد لكى نرجع، فزمان كانوا يدرسون لنا فى الجامعة إحياء التراث. فكلمة إحياء التراث دى جملة فى منتهى الخطورة. فعندما كان المفكر جابر عصفور رحمه الله يتكلم عن إحياء التراث، لا بالمفهوم الأصولى الموجود، لكن كان يتكلم فى حاجة تانية خالص هى الدولة الوطنية الحديثة.

وأشار إلى أننا نحتاج إلى إعادة تشكيل الوعى الجمعى الموجود حالياً من جديد لكى نرجع للحركة المدنية التى كانت فى عظمتها وقوتها سنة 1923.

وتدخل الكاتب مصطفى عبيد بإضافة سؤال: هل إعادة تشكيل الوعى الجمعى مهمة الدولة، أم مهمة مثقفى النخبة؟

من جانبه قال المستشار عبدالجواد ياسين أن التحولات والتغير الاجتماعى الكبير لا يحدث بالإرادة المنفردة للفكر، وبمجرد أن نصل إلى هذه الفكرة يبقى حلينا المشكل، على أرض الواقع الاجتماعى تحتاج التحولات والتغيرات إلى تغيرات حقيقية على مستوى الهياكل الكلية للاجتماع. يعنى لازم يحدث تغير اقتصادى اجتماعى عقلى. على مستوياتك الثلاثة، هنا أنا لا أقصد البنية التحتية بالمعنى الماركسى الذى يحكى عن ضرورة أنه تحول اقتصادى فى البداية يؤدى إلى تراكمات كمية تؤدى إلى تحولات اجتماعية ثم تحولات ثقافية، لأنه فى نهاية المطاف عند ماركس الوعى بيتحدد بمستوى التطور الاقتصادى وليس العكس. أنا بحكى عن مفهوم التراكم بالمعنى الهيجلى الواسع الكبير كله، عايز تحولات كبرى على مستوى الهياكل قبل ما يحدث هذا التحول الاقتصادى الاجتماعى الكبير، يعنى ما توصلت إليه أوروبا الغربية من مستوى علمانى ووصول لدرجة الدولة المدنية كان مسبوقاً بحراك عريض طويل المدى التاريخى فى الهياكل الاقتصادية، تغير مستوى الهياكل الاقتصادية والهياكل الاجتماعية والهياكل العقلية. بمعنى اتنسى كليًا فكرة الاقتصاد الريعى الرعوى ودخلنا فى الصورة الصناعية وصورة المعلومات ثم تحولات على المستوى الاجتماعى وتطور المدن الكبرى، والخروج من الريف للمدينة والتحولات من نمط العشيرة والقبيلة إلى نمط الأسرة الضيقة ثم الفردى الواحد الذى هو أقل من نمط الأسرة والذى أصبحت الفردانية التعددية الذاتية الفردية تحولات اجتماعية اقتصادية، هذا كله كان بالتوازى مع التحولات العقلية التى جاءت على مستوى الفكر، والتى طرحت مفهوم العلم التجريبى مع فرانسيس بيكون المغاير لنسق التفكير اليونانى التقليدى القديم القائم على التفكر والتأمل وأن الطبيعة نسقط عليها قوانين الذهن والعقل ونُسائل الطبيعة بقوانين العقل، ولا نأخد قوانيننا من الطبيعة ذاتها من التجربة العلمية. وبالتالى نقلق على مستوى التفكير العقلى، غير التحول الاقتصادى، وغير التحول الاجتماعى. حصل تطور. مع هذا التطور المجتمع يتغير. فقبل ما تحدث تحولات هيكلية فى الاجتماع لا سبيل إلى أنك تطمح فى تحولات ثقافية من نوع انك تعمل خيار فى هذه المنطقة أو فى تلك. أنا أختار الليبرالية. وأختار النظام الحزبى وأختار... ولكن أنا أريد بنية تحتية اقتصادية اجتماعية ثقافية.

وقال الدكتور عبدالجواد ياسين: الفكر يستطيع أن يلعب دوراً تنفيذياً فى هذا الاتجاه لكنه لا يخلق التطور، وهنا فإن الدولة يعول عليها كثيراً فى إحداث التحولات، خصوصاً فى المجتمعات الشرقية، وذلك بحكم الدر التاريخى الطاغى عبر التاريخ باعتبارها المالك الوحيد للسلطة، وموضع اعتبار فى اللاوعى العام للبشر، الدولة تستطيع أن تلعب دوراً ريادياً فى ذلك، ولذلك استطعت الدولة فى سياقات التحول الحداثى فى القرن التاسع عشر، أن تقوم بعملية التحديث، ولولا الدولة ما تمت، إلى أن ظهرت طبقة النهضة الاقتصادية التى بدأت تساند الدولة، وتروج للحداثة، ولكن يظل الدور الأكبر فى الحداثة فى يد الدولة.

وأنهى مصطفى عبيد اللقاء بكلمة موجزة قال فيها إن المستشار عبدالجواد ياسين لا يمل منه ودائمًا نحن فى تشوق واهتمام لنسمع منه أقصى ما لديه، لكن احنا استمتعنا جميعا وشرفنا بهذا اللقاء الذى أتصور أنه أثار عند ناس كتير جداً رؤوس موضوعات عظيمة ومهمة وجيدة تصلح للنقاشات مستقبلاً.

الحلقة النقاشية التى أقامتها مؤسسة الوفد الإعلامية جاءت فى حضور الدكتور وجدى زين الدين رئيس تحرير الوفد، والكاتب الصحفى مصطفى عبيد رئيس التحرير التنفيذى لجريدة الوفد، الذى أدار الندوة، والدكتور مصطفى عبدالرازق ولفيف من صحفيى الوفد ومحبى العالم الجليل.