رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسار القهوة

الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب

جامعة المنصورة

المكان: أحد المراكز الطبية، حجرة ١٠٦

الزمان: ١٠/٦/ ٢٠٢٢ الساعة ١٢ ظهراً

الابن: مش عايز حاجة أجبهالك معايا يا بابا وأنا جاى؟

الأب: لا يبنى انزل بس ما تتأخرش.

الابن: هتبرع بالدم واطلع على طول علشان العملية خلاص كمان كام ساعة، أعمل لك أى حاجة قبل منزل؟

الأب: لا يا بنى مبروك.

الابن: (فى حديث داخلى مع الذات) مبروك ليه؟! أكيد يقصد العملية، ربنا يقومك بالسلامة يا بابا.

«يعود الابن بعد مرور ٢٠ دقيقة تقريباً»

الممرضة: جهزى أوضة العناية بسرعة يا صفاء التنفس وقف.

الابن: فى إيه.. إيه حصل.. مهو كان كويس؟!!!

الممرضة: لازم يروح العناية بسرعة ادعى له.

وتمر الساعات لتخرج الممرضة وتخبر الابن بوفاة الوالد!!

تتوقف الحياة وتنحبس الأنفاس وتنهمر الدموع ويظن الجميع أن الأب قد مات، إلا أن الآباء لا يموتون، بل يعيشون فى قلوب أبنائهم، يراهم الجميع ويشعرون بهم، فالأب الجيد لا يموت أبداً ويظل عالقاً فى ذاكرة أبنائه، فى أفعالهم، فى أقوالهم، فى عاطفتهم، وفى سلوكهم.

الأب هو أعظم رجل وهو السند والقدوة والمعلم والصاحب فى الحياة، وهو أمان الأسرة، وظهر العائلة، وقد أوصانا الله سبحانه وتعالى ببر الآباء، وجعل الإحسان إليهم مفتاحاً للجنة، وجعل رضاه مقروناً برضاهم، وقد ورد فى الكتاب والسنة، العديد من الآيات والأحاديث التى تحث على بر الآباء وإكرامهم، فطاعتهم فرض على الأبناء، فقال الله تعالى فى سورة النساء: «وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، وبذلك فقد قرن الله -تعالى- عبادته وحده دون الشّرك به بالإحسان للوالدين، وقال تعالى فى سورة الإسراء: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا.. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا».

ولا يكون البرّ بالأب فى حياته فقط؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه: أن رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إذا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِم، وبذلك فإن واجب الأبناء بر الأب حتى بعد موته، بالدعاء له بالغفران، وطلب الرحمة له من الله تعالى، وإحياء ذكره الحسن، والسير على خطى الخير من بعده لينال الأجر، وإكرام أصدقائه وزيارتهم، وتنفيذ وصاياه، وتجنب عمل كل ما يكره، والالتزام بما كان يحب ويرضى، فالولد الصالح يرفع الله به درجة أبيه وأمه فى الجنة، ويدخل النور والسرور إلى قبريهما.

والأب هو السند الحقيقى لأبنائه، ففى حياته يسعى فى تربيتهم وتحقيق سبل النجاح لهم، يضعهم فى مقدمة أولوياته، ويفضلهم على نفسه، وحتى بعد مماته، يحتمى الأبناء بسيرة الأب الحسنة، ويجنون ثمار صلاح والدهم، ليكون جزاء الأب فى ابتغاء مرضاة الله هو البركة فى أبنائه، فقال الله تعالى فى سورة الكهف: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أبواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا.. فَأَرَدْنَا أن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا».

لا يعرف قيمة الأب تمامًا إلا من فقده، وسيظل أبى – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته– فى قلبى وذاكرتى إلى الأبد.