نداء القلم
فى زمن الاستلاب يبقى الشعر، وهو من قبس الرحمن مقتبس، ويظل الشاعر الفذ بين الناس رحمانَ. ولم يكن الشاعر الفذ قبساً من أنفاس الرحمن إلا لأنه شاعر متحقق كالصوفى المتبتل المتحقق، كلاهما يتوخى الصدق ويستوفى آفاق الجمال على التحقيق؛ فلا بدّ فى الصوفى الحق والشاعر الصادق من تجربة ذاتية، فرديّة، معاناة يستقى منها مشاعل النور فيما ينشد أو يسترسل مع بواطنه الخفيّة.
الشاعرة المُبدعة الدكتورة إسراء سالم، قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة العريش، شاعرة متميزة موهوبة صدر لها من الدواوين: «بياع سودانى»، «ضحكة ولكن»، «أول أعراض المبالاة»، ثم ديوان «الشعر ندّاهة»، وهو الديوان الفائز بالنشر الإقليمى عام 2023م. وقد كتب النقاد عن هذه الدواوين دراسات جديرة بالوقوف عندها؛ الأمر الذى يؤكد شاعرية الشاعرة وبلوغها بمستوى الذوق الفنى مرتقاه السامى.
فى الديوان الذى نحن بصدد ثمانى عشرة قصيدة يبدأ بقصيدة «اشتباه»، وينتهى بقصيدة «كراستى وفنجان القهوة». الإحساس بالغ فى اللغة والرؤية والمعنى وانتقاء المُفردات، وبروز المنزع الإنسانى المطرز بالعاطفة العامة تجاه الأشياء والأحداث والأشخاص، والعاطفة الوطنية بصفة خاصّة كما ظهرت فى ديوان (الشعر نداهة): عروس الدنيا، رمز الجمال والأناقة والتألق لأنها مصر عروس الدنيا بغير منازع (شَبَهَهَا فى طبعى وفى لونى، وأكتر حد شال عنى، دى سندى وقوتى وعونى، حبيبتى سمرة خمريّة، بتجذب كل من شافها، دى مصر بهية محروسة.. بتاج ع الراس جميل لامع، وكف الإيد سلام وأمان، وفاتحة ذراعها للدنيا، كنانة ربنا الرحمن، وأرض الأنبيا والنيل: موسى هارون يوسف عيسى .. دى مصر يا كل من سامع .. دى مسجد حاضنة فى كنيسة، تطرِّز بيهم الفستان).
فى زمن تُستلب فيه الأوطان ويُشرّد أصحاب الحقوق ويكاد يستولى القاهر المتسلط على الأرض والعرض والكرامة الآدمية بالقتل والذبح والتنكيل؛ تحضر القيم الوطنية، وبقوة، فى (الشعر ندّاهة) أحد إبداعات الشاعرة إسراء سالم؛ لتعكس شخصيتها وملامح تميزها الإبداعى، وهو تميز مَرَدَّه إلى الإحساس المطبوع بفيض الذوق الفني؛ الأمر الذى يظهر جليّاً فى قصائدها وأظنه يغلب على شاعريتها المتفردة ويستقى معينه من تجربتها الشعريّة، من الطبيعة الفنية مزيّة الشاعر المطبوع، وهى التى لا يكون الشاعر شاعراً إلا بنصيب وافر منها.
ليت الباحثين فينا يلفت نظرهم تلك القيم الإبداعية الكبرى؛ فيوجّهون أنظارهم إلى دراسة ما فيها من قيم باقية؛ ليواصلوا الطارق بالتليد بدلاً من مواصلة الاستغراق السطحى فى قيم ساقطة.