نداء القلم:
للكدح فلسفة عميقة تظهر قيم الحياة وتجعل لها معنى وقيمة ومبررًا للبقاء فيها مع الجهد والعمل رغم الظروف القاسية تلمُ بأطرافها ومساربها، ولا بدّ فى النهاية من العيش فيها وفق هذه الفلسفة سواء كانت تلك الفلسفة دينية مقررة فى الكتاب الكريم، أعنى فى عقائد الوحى والتنزيل، أو كانت فكريّة تأملية مشهودة فى عقائد العقول والأذهان.
ما من فلسفة أعمق فى تفسير الحياة أكثر من التأمل فى المصير والمآلات الإنسانية، الأمر الذى جعل فيلسوفاً عظيماً كأفلاطون يعرف الفلسفة تعريفاً دقيقاً فيقول عنها إنها تأمل الموت.
وتأمل موضوع الموت بمفرده قادر وحده على كشف أسرار الحياة، وقادر وحده كذلك على إنشاء فلسفة لبها التسامح والتجاوز والسلامة النفسيّة والغبطة الروحيّة، لأنه يكشف سبل المصير والنهايات التى تؤول إليها الأشياء والأشخاص.
نحن مخيرون فى كدحنا إلى الله بمقدار ما فى نفوسنا من صعود وهبوط.
إذا كانت نفوسنا كريمة مطواعة فقد اختارت المحبة والكرامة، وإذا كانت تعسة شقية فقد اختارت الألم والتنكيل. فتش عما فى داخل النفس من مكامن قوتها أو مواطن ضعفها، هنالك يكون الاختيار. إمّا أن تكون من العبيد الذين يسيرون إليه كرهاً بالضرب والنكال والعذاب، أو تكون من العباد الأخيار الذين اختاروا السعى إليه حباً وشوقاً وكرامة.
وفى الحالتين: أنت كادحٌ إلى ربك فملاقيه يقول تعالى: «يا أيها الإنسان إنك كادحً إلى ربك كدحاً فملاقيه» (الانشقاق : ٦)
كلنا كادحون إلى زحفاً لملاقاة المصير المحتوم، شئنا أم أبينا.
وكلنا ساعون إليه طوعاً أو كرهاً، إمّا بالنار والألم والعذاب والتنكيل والدروس القاسية، وإمّا طواعية واختياراً وحباً وكرامة، ولن يستطيع أحدٌ أن يفلت من المصير فيخرج عن الصف، ولا أن يخرج عن الاتجاه، إذ لا يوجد إلا اتجاه واحد وهو السير إلى الله، ذلك هو المصير المحتوم.
(إلى الله المصير)
(وإليه يرجع الأمر كله)
(آلا إلى الله تصير الأمور)
(وهو الذى خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)
لنختار المحبة إذن فى مسيرنا ومصيرنا، ذلك أولى من اختيار التعاسة والشقاء، وكلنا فى النهاية نكدح إليه سبحانه كدحاً لنلاقيه.