رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

ألسنة اللهب وأعمدة الدخان ماتزال تحرق- وتخنق- كل قلب عربى. العالم اليوم يشاهد نسخة مزيدة ومنقحة ومطورة ٢٠٢٣ من فيلم «مدافع نافارون».. نسخة ٢٠٢٣. أبطالها ليسوا ابطال النسخة القديمة (ايرين باباس.. انتونى كوين..جريجورى بيك..ديفيد نيفين وآخرون) وإنما أبطالها زعماء العالم «الحر»: بايدن ونتانياهو وسيدات الحكم فى إنجلترا وألمانيا وفرنسا وأسبانيا.. بكل ما أوتوا من قدرة على فرش الملاية للعرب، على طريقة الأحرار فى عالمهم البشع! هذا العالم الذى كنا نهفو إليه منذ اندلاع الثورة الفرنسية وتوهج مبادئها : الحرية والإخاء والمساواة، ولطالما كانت تقشعر أبداننا ونحن نتمنى الحج إليه كـ«عالم للأحرار».. انكشف فى لحظة واحدة فارقة.. تأكدنا من نظرتهم لنا: نحن لا نستحق أن نكون من بينهم! ظهرت حقيقة عالم العبيد البشعة. يصور نفسه ضميرًا للإنسانية ويعتبرنا نحن حيوانات بشرية.. داس مبادئ روسو ومونتسكيو وفولتير.. وحتى مبادئ ويلسون.. وفتح صدره علينا بحوامل طائراته وبوارجه ومدرعاته وطائراته، وسارع بالوصول الينا، كى يذبح فينا ويقطع أوصالنا ويشفى كل أنحاء جسدنا قطعة قطعة.. هذا «شغت» ضعوه على جنب، وهذا «بوفتيك» اذهبوا به إلى الشيف ليطهيه، وهذا «مفروم» ضعوه ف أكياس.. وأعطوه وجبات رخيصة لمن سيشربون نخب الاجتياح البرى المسعور لغزة، الذى اقتربت ساعته! النار على الأرض الآن تحرق وتدمر البيوت والعمائر وتسويها بالأرض، وتجتاح الأخضر واليابس فلا زرع ولاضرع، وبكل خسة ووحشية تقصف المستشفيات: اخلوها أو ندمرها بمصابيها وجرحاها بلا هوادة.. وكأنهم يقولون لها : ادفنوهم أحياء!

ما يحدث اليوم غير الذى سيحدث غدا.. التدمير الذى نراه هو الطبيعى المعتاد للعدو، لكن ماذا عن الغد؟ ذلك الذى سقط منا سهوا ولم نفكر فيه وكأنه حقيقة مُسَلَّمة لا رجوع عنها! عملية «التشفية» والتصفية التى يستعد لها الكيان المتجرد من الإنسانية، لم تحظ بأى قدر من الجهد لايقافها أو منعها!

محنة غزة مثلما كشفت أن «العالم الحر» أكذوبة، كشفت أيضاً أن مصر وأرضها ستظل مطمعًا، وأن الحل فى قوة مصر وتماسكها من الداخل. كل الملفات يجب أن تفتح: بناء الإنسان أولاً. تعليمه وتربيته وصحته. أزماتنا الاقتصادية العاصفة.. الفساد.. التجاوزات. الشعب الذى يستشعر الخطر واتون النار ويخرج تلقائيا ليعلن افتداءه للوطن لابد أن يكون لذلك ثمن. الثمن نهضة مصر من جديد وكأنها طائر فينيق يصعد من تحت الرماد. الأولويات يجب أن تتغير. وسائل المواجهة ستبقى المدرسة والمصنع والسنبلة والماكينة.. العلم والفكر والادب والثقافة. تعلمنا قديما أن هناك يدًا تبنى وأخرى تصنع -وتحمل–السلاح.. والسلاح هنا هو كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ. المواجهة ليست بالتشييد والعمران فحسب، وإنما بالفهم والوعى والعقل والدماغ. نقد التراث..والأفكار..كثيرون انتقدوا خطبة الجمعة، لكن ملايين -كنت منهم–ثمنوا رسالة الرئيس إلى العالم: التهجير فيه تصفية للقضية الفلسطينية وتدمير لمعاهدة السلام. مهمتنا الآن هى إعادة الروح للجسد..وزراء.. نواب.. مراكز أبحاث.. جامعات.. مسارح.. اعلام.. تليفزيون.. اختيار الكفاءات.. التغيير حان أوانه لنهضة مصر. الخوف كل الخوف على مصر من فقر الفكر وفقر الطموح وفقر العقول وفقر الأشخاص. لاتدعوا مصر تشيخ فى مكانها، فتظل خارج التاريخ كما يقول المثقفون وعلماء الاجتماع!