رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤية

«يحيا الإنجليز الذين استطاعوا بظلمهم واستبدادهم أن يجعلوا منا الكتلة الموحدة الملتهبة». 

كانت تلك مقولة للكاهن الوطنى المناضل مرقس سرجيوس، الذى اشتهر باسم القمص سرجيوس، وهى العبارة التى أدهشت مواطنيه، كيف بمناضل قيادى مناهض للاحتلال الإنجليزى أن يقوم بتحية المستعمر رغم وضوح المراد العام للمقولة، ولكنه كخطيب محترف أراد جذب متابعيه بإعلان أنه إذا كان ثمن الاندماج الوطنى وتوحيد الوجدان المصرى فى مجابهة المزيد من ضغوط وممارسات الاستعمار البشعة لتمزيق اللحمة الوطنية، فليذهب المستعمر فى غيه ونحييه على حماقة ما يفعل، وها نحن كتلة واحدة ملتهبة.

ونحن نعيش هذا الأسبوع مناسبة ذكرى نياحة (وفاة) ذلك الكاهن المناضل (5 سبتمبر سنة 1964)، أرى أن دور مؤسساتنا الدينية ورموزها عبر التاريخ ظل وسيبقى فى انحياز رائع لكل مصالح الوطن وأهداف وآمال مواطنيه، ولعل ما قدمه «سرجيوس» خطيب ثورة 1919 والرمز الوفدى خير مثال على مشاركة تلك المؤسسات فى كل أزمنة النضال الوطنى.. مشاركات اجتماعية وإنسانية ووطنية.

كان القمص سرجيوس قد ترشح لعضوية البرلمان عن دائرة «الشماشرجى» بشبرا، وقال إنه يهدف لأن يكون صوتاً يرهب الرجعية والرجعيين ولو كره الكارهون، وخاض المعركة الانتخابية بشعار «من غير فلوس يا سرجيوس» فلم يكن لديه أموال لشراء «نصف صوت» لكنه كاد يفوز بالدائرة لولا أن طلب منه النحاس باشا التنازل لصالح مرشح الوفد، وقد قبل، وشكره النحاس واعتبره موقفاً مشرفاً يضاف إلى مواقفه الوطنية ورضى هو بذلك. 

ويرى أحفاده أن أفضل تكريم ناله جدهم هو أنه أضحى أيقونة للتسامح الدينى، ومع كل حادث فتنة طائفية يتم استرجاع أقواله وشعاراته، ومؤخراً قامت باحثة عراقية بمناقشة رسالتها لنيل درجة الماجستير عنه فى جامعة القادسية بعنوان «القمص سرجيوس.. خطه الفكرى والسياسى».

لقد برز القمص سرجيوس وسط الثائرين أثناء ثورة 1919، فكان أشبه بعبدالله النديم، فقد وهبه الله لساناً فصيحاً يهز أوتار القلوب إلى حد جعل سعد زغلول يطلق عليه لقب «خطيب مصر» أو«خطيب الثورة الأول»، عاش فى الأزهر لمدة ثلاثة شهور كاملة يخطب فى الليل والنهار مرتقياً المنبر، معلناً أنه مصرى أولاً ومصرى ثانياً ومصرى ثالثاً، وأن الوطن لا يعرف مسلماً ولا قبطياً، بل مجاهدين فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء، وقدم الدليل للمستمعين إليه بوقفته أمامهم بعمامته السوداء.

ذكر عنه أنه ذات مرة وقف فى ميدان الأوبرا يخطب فى الجماهير المتزاحمة، وفى أثناء خطابه تقدم نحوه جندى إنجليزى شاهراً مسدسه فى وجهه، فهتف الجميع «حاسب يا أبونا، حايموتك»، وفى هدوء أجاب أبونا «ومتى كنا نحن المصريين نخاف الموت؟ دعوه يريق دمائى لتروى أرض وطنى التى ارتوت بدماء آلاف الشهداء، دعوه يقتلنى ليشهد العالم كيف يعتدى الإنجليز على رجال الدين»، وأمام ثباته واستمراره فى خطابه تراجع الجندى عن قتله. 

وقد ظل القمص مرقس سرجيوس مجاهداً وطنياً إلى آخر نسمة فى حياته بالرغم من شيخوخته، حتى وافته المنية عن إحدى وثمانين سنة، وأبت الجماهير الشعبية التى اشتركت فى تشييع جنازته إلا أن تحمل نعشه على الأعناق، ثم أبدت الحكومة اعترافها بجهاده الوطنى بأن أطلقت اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة بالقاهرة.