عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

يومنا يبدأ بتفقد البريد بكل أنواعه. صباحاتنا التى كانت تبتهج بسماع همسة عتاب وكلمتين وبس وأبلة فضيلة.. وأوبريت عوف الأصيل، والجوز الخيل والعربية وغيرها، لم تعد كما كانت! شتان ما بين البدايتين. تضع منشفتك على كتفك بينما إذاعة البرنامج العام- أو الشرق الأوسط أو صوت العرب–تحلق بك فى أرجاء رحبة من الصفاء وراحة البال. بينما يأخذك البريد (ماسينجر، وواتس آب ورسائل عادية) إلى مساحة من الشقاء والبؤس لا تعرف لها حلا! هل تتجاهل الشكاوى والأنين التى يمتلئ بها بريدك؟ هذه أم لثلاثة صغار، وزادت الطين بلة، فقد وضعت لتوها جنينا آخر، أبلغتنى أنه ولد بثقب فى القلب كما أنه مصاب بالانيميا، وتطلب مساعدتى العاجلة! فى رسائل سابقة أخبرتنى أن بيتها بلا طعام ولا شراب، وأن زوجها يعمل براتب لا يكفيه! حياتها تبدأ كل يوم باللجوء إلى البريد  كى يسد رمق الجوعى!

يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.. تبدأ غالبية الناس يومها بهذه الافتتاحية، حتى ولو كانوا من المتقاعدين أمثالى، أى الذين يستحيل أن يأتيهم مال إضافى من أى مصدر، ما دامت حياتهم المهنية والوظيفية انتهت، ومع هذا هناك الأمل والرجاء فى غوث الله. لكن هؤلاء لا يأملون أن يقدم لهم بريدهم مثل هذا الغوث. أما «جمال» فمثله مثل «فريدة» ومثلهما «جوهرة»–وغيرهم كثيرون- لا يرون مانعًا من حل مشكلاتهم المالية من خلال الماسينجر والواتس اب، يرمون حمولهم على قلبك المتخم بالمعاناة والمعذب بأوجاع الناس، يتوسمون فيك أن تحل بالنسبة لهم محل الشئون الاجتماعية والتضامن الاجتماعى وصناديق الزكوات وبنوك الطعام وجمعيات خيرية لا تعرف عن أهدافها أو موثوقيتها شيئًا!

«جمال» شاب معاق، لكنك لا تستطيع أن تقول له لا تمارس حياتك مثل باقى البشر العاديين، فلا تتزوج ولا تنجب، هو لم يسأل نفسه ولا أهله سألوا: كيف سيمضى حياته وهو معاق ويتزوج من امرأة مثله، وينجبان أولادًا أيضا، من أين سيطعمهم جمال؟ سؤال لم تهتم «فريدة» أيضًا بطرحه، هى مارست حياتها العادية، تزوجت، وتنجب ولاتزال تنجب  وفكرتها أن الله –والبريد الالكتروني- سيحلها من عنده! (جهد البلاء كثرة العيال مع قلة الشيء)، حديث نبوى كان يتصدر واجهات المستشفيات فى الستينيات والسبعينيات، ولم يعد له الآن أى أثر. تماما كما لا يوجد أثر للدعوات الدينية التى تحض على التفكير فى مستقبل الأسر، وهى تتخم نفسها وتحمل جيوبها ما لا تطيق، بل ما ليس فيها من أموال، وهى تنجب كل عام من البنين والبنات ما تتصور أنه «عزوة»(!!) أو أنه سيأتى برزقه! لا يسأل ذكر من هؤلاء من أين سيأتى هذا الرزق؟

الست «جوهرة» الأرملة التى فقدت زوجها فجأة ولم يعد لديها معاش يكفى ليعولها وابنتها، تعيش حياة بائسة، كان زوجها يتكفل بفتح البيت، الآن هى لا تعرف كيف تسد رمقها وابنتها التى كانت تجهز نفسها استعدادا لابن حلال لم يأت بعد، تعيش على المساعدات، بينما تتأمل كراتين الأجهزة المنزلية التى تملأ بيتها الذى لم يدخله بعد العرسان وطالبو الزواج منها أو من ابنتها!

    نعم «ربنا مبينساش حد»، لكن الناس نسيته، فالله لم يخلقنا لحياة كهذه مليئة بالتعذيب، للأسف هو تعذيب جماعى.. للمرسل والمستقبل معا!