رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يتمثل إبداع (الوكيل) فى قدرته على إضاءة النص.. (هو يجعلك ترى ما لم تكن تراه فى الذى تراه).. بمعنى أنك تقرأ النص فتراه أنت بشكل ما، ولكن عندما تقرأ النقد المقدم أو الرؤية المقدمة من (الوكيل) فإذا بك تستجلى الكثير والكثير من الرؤى لما قرأت. أن ما قرأته يشى بالكثير من الأبعاد كانت خافية عنك قبل قراءة (الوكيل).

يحذرنا الوكيل من القراءة الموجهة أو المؤدلجة، ففى تلك القراءة ينطفئ النص ليقف عند ما تريده أو ما تعتقده..»..القراءات الموجهة تحرم النص من أن يضئ بتناقضاته الداخلية، وتحرمنا من الجدل معها، بسبب لهجتها الحاسمة». هناك من تحدوهم الرغبة فى تضخيم ظلال الأيديولوجية بين أعمال محفوظ. تثبيت أفكارهم بيقين، ويوهم أنها ستعمل فى وعى الأجيال القادمة بنفس اليقين، الأمر يتجاوز المصادرة على المستقبل فحسب، بل يرقى إلى أمر الاعتقال، أعنى اعتقال النص.

ويعرض لنا الوكيل لمصطلح لم أجده إلا عند الوكيل على حد علمى، وهو (العنف النقدي)، وفى ظنى أن (العنف النقدي) بدأ مبكرًا مع نجيب محفوظ، فهذا سيد قطب فى معرض تناوله لرواية «زقاق المدق» (1947) يقول: «إنها قصة المجتمع المصرى الحديث وما يضطرب فى كيانه من عوامل، وما يصطدم فى أعماقه من اتجاهات، قصة الصراع بين الروح والمادة، بين المادة والعقائد الدينية والخلقية والاجتماعية والعلمية، بين الفضيلة والرذيلة، بين الغنى والفقر، بين الحب والمال فى مضمار الحياة».

إن النظرة إلى حياة الزقاق بوصفها مجموعة من المتقابلات الذهنية التى لا تقبل المصالحة مثل الروح والمادة، والفضيلة والرذيلة، تدخلنا فى منطق ثنائى ضيق، لا يمكننا من فهم الرواية، بقدر ما يمكننا من فهم سيد قطب نفسه، بوصفه شخصية حدية، صنفت الناس بين مسلمين وكافرين فيما بعد، ربما سيد قطب (الناقد) لم يكن يبحث فى «زقاق المدق» عن صورة الواقع، كما يعيشه أهل الزقاق، بلا التفات إلى المثاليات، ولا قلقه الداخلى حول الروح والمادة والفضيلة والرذيلة والدين والعلم، إنها إشكاليات صدمة الحداثة التى لم يحلها سيد قطب مع نفسه، ولا بأس أن نرى أنفسنا فى الأعمال الروائية، بل يبدو أن هذا هو السعى للقراءة، لكنه لا يلزم الآخرين بشيء.

لقد كانت رغبة نقاد الواقعية الاشتراكية ملحة فى استنطاق محفوظ ليحدد موقفه من الاشتراكية والرأسمالية والشيوعية والدين والعلم، وسوف نرى أن جعفر الراوى قد اختبرها جميعا، ولم تخرجه من «قلب الليل». كان وعى نجيب محفوظ أكثر تعقيدًا من المعانى الأحادية التى تنتجها المثاليات والصور الذهنية.

وإذا كان النقاد قد قسموا إنتاج محفوظ إلى مراحل، فهذا شأنهم، هذه طريقتهم فى العزل والاختيار والتصنيف والفحص المعملى سيضمن دقة عملهم، لكن هذا لا يضمن لنا دقة نتائجهم، فجدل التاريخ يتأبى على هذا التقسيم الصارم.

إن كثيرًا من أعمال محفوظ لم تسلم نفسها للقوائم المرحلية والمرجعيات الأيديولوجية، كما أن كثيرًا من أعماله تجاوزت الحدود النوعية الحاسمة. ويبقى القول أن قراءة كتاب (الوكيل) هامة؛ لأنها تتيح للذهن رؤية أفضل وأفقًا أوسع.

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون